نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الديبلوماسية في مواجهة النظام العالمي - تكنو بلس, اليوم الاثنين 21 أبريل 2025 08:56 مساءً
رنا اسكندر
اختلفت الأنظمة السياسية في مصالحها وتطلعاتها، فلم يصمد أي مجتمع لم يتمكن من الدفاع عن نفسه.إذ سعت المجتمعات التي تبحث عن الأمن في كلّ عصر إلى تحويل التقدم التكنولوجي أساليب فعّالة بشكل متزايد لمراقبة التهديدات، وتحقيق الاستعداد الفائق وممارسة النفوذ خارج حدودها، وفي حالة الحرب، القوة التمكينية من أجل الانتصار.
في أوائل العصر الحديث ، لعبت الابتكارات في الأسلحة والمدافع والسفن البحرية وأدوات الملاحة وتقنياتها دوراً مماثلاً.
وقد أحدث الذكاء الصناعي ثورة في كيفية تعاملنا مع الأمن والاقتصاد والنظام وحتى مع المعرفة نفسها، يُغيّر بذلك الطريقة التي يتنقل بها البشر في العالم إلى الأبد، إنه يغير الطريقة التي نختبر بها الواقع ودورنا فيه.
إن القوانين الطبيعية تفرض مع بداية كل قرن حقيقة وجود بلدٍ يتمتع بالقوة والإرادة والزخم الفكري والأخلاقي لتشكيل النظام الدولي بأكمله وفقاً لقيمه الخاصة.
في القرن السابع عشر، قدمت فرنسا بقيادة الكاردينال ريشيليو Richelieu النهج الحديث للعلاقات الدولية، القائم على الدولة القومية وبدافع المصلحة الوطنية كهدف نهائي لها. في القرن الثامن عشر، وضعت بريطانيا العظمى مفهوم توازن القوى الذي سيطر على الديبلوماسية الأوروبية مدى مئتيّ عام.
مع حلول الحرب الأهلية الأميركية (1861) والحرب الفرنسية - الألمانية (1870)، دخلت الصراعات العسكرية عصر الآلة، وافترضت بشكل متزايد خصائص الحرب الشاملة مثل إنتاج الأسلحة الصناعية، والأوامر التي يتم نقلها عن طريق التلغراف، والقوات والعتاد المنقولة بالسكك الحديد عبر القارات.
عندما نشأت أزمة ليست لها أهمية عالمية متأصلة وهي اغتيال الأرشيدوق فرانز فرديناند ولي العهد المجري النمسوي وزوجته على يد قومي صربي، اتبعت القوى العظمى في أوروبا هذه الخطط في صراع عام، وكانت النتيجة كارثة دمرت جيلاً، سعياً وراء نتائج لا علاقة لها بأي من أهداف الحرب الأصلية للطرفين. شهدت ثلاث إمبراطوريات انهيار مؤسساتها.
في القرن الماضي، خرج التوازن الاستراتيجي بين القوى عن السيطرة. سخّرت القوى الكبرى في أوروبا، بمؤازرة التقدم الاقتصادي والمجتمعات العلمية والفكرية الرائدة والثقة اللامحدودة في مهماتها العالمية، التقدم التكنولوجي للثورة الصناعية لبناء جيوش حديثة.
تضاعفت التقنيات المستخدمة في السعي وراء الأمن وأصبحت أكثر تدميراً في موازاة تزايد التضليل الإعلامي: المحاربون في الصفوف الأمامية و مهمّة الديبلوماسيين منوطة بجمع ثمار الانتصارات.
البصيرة التاريخية والتكهن الجيوسياسي
لم تؤثر أي دولة على العلاقات الدولية بشكل حاسم مثل الولايات المتحدة الأميركية، على سبيل المثال، جرّاء تقاطع مصالحها اليوم كقوّة عظمى مع مساعي المجتمعات التي تفتقد إلى التقدم التكنولوجي بغية الحصول على الدعم.
اليوم بعد أن فقدت الطلاقة الديبلوماسية بعضاً من أهميّتها و ذلك منذ بزوغ فجر نزع أسلحة الوِدّ
و فسخ عقد التفاهم الاستراتيجي الضمني بين القوى، يسيطر الذكاء الصناعي بما لديه من قدرة على تغيير طريقة تفاعل الدول - ديبلوماسياً - بعضها حيال بعض بشكل جذري، ما جعلنا نشهد ولادة جديدة لديبلوماسية تجعل من أولئك الذين يتمتعون بخفة الحركة والبراعة… في الظلّ. ولّت أيام المفاوضات السرية و"الصناديق السوداء " والملفات "المتفجرة"، التي يحتّم الاحتفاظ بها، خزنات ثلاثية المأمن. لم تعد مهمّة الديبلوماسية جمع المعلومات السرّية و نقلها إلى الحكومات، بل طغت عليها مهمة تنمية صورة البلد الأصيل جراء عدم التوازن التقني.
أدى مزيج من عدم المرونة الديبلوماسية، التكنولوجيا العسكرية المتقدمة وخطط التعبئة القوية إلى حالة دَوَران في حلقة مفرغة، ما جعلنا في حرب لا مفرّ منها.
يكمن التحدي في حقيقة أن الذكاء الصناعي لا يسرّع عملية صنع القرار فحسب، بل يزيد أيضاً من تعقيد المشهد الجيوسياسي. خصوصاً أن الأنظمة الآلية قد لا تأخذ في الاعتبار القيم الإنسانية وفهم الفروق الثقافية الدقيقة الحاسمة للديبلوماسية الناجحة. لذا، في عالم يلعب فيه الذكاء الصناعي دوراً متزايد الأهمية، قد تعتمد الديبلوماسية أكثر من أي وقت مضى على الحوار بين البشر لضمان أن يتماشى التقدم التكنولوجي مع الاعتبارات الأخلاقية والإنسانية.
يقول هنري كيسينجر في كتابه "الحنكة السياسية" إذا تراجعت الولايات المتحدة وحلفاؤها أمام تداعيات قدرات الذكاء الصناعي وأوقفوا التقدم باتجاهها، فلن تكون النتيجة عالماً أكثر سلاماً. بدلاً من ذلك، سيكون عالماً أقل توازناً يتم فيه تطوير القدرات الاستراتيجية الأكثر رعباً واستخدامها في ما يتعلق بالمساءلة الديموقراطية والتوازن الدولي. يقتضي كل من المصلحة الوطنية (مصلحة الولايات المتحدة الأميركية) والواجب الأخلاقي بألا تتخلى الولايات المتحدة عن هذه المجالات: في الواقع ، على الولايات المتحدة أن تسعى إلى تشكيلها.
أصبح فن الديبلوماسية بين أيدي المنتصرين اللطفاء… يجد منعطفات إبداعية وحلولاً غير عادية في النزاعات التي وصلت إلى طريق مسدود، أما أولئك الذين يريدون تأكيد أنفسهم بأي ثمن، فهم يلجأون إلى المنازعة فقط.
0 تعليق