القاهرة (خاص عن مصر)- لطالما أحاطت عملية اختيار الباباوات الجدد، المعروفة باسم المجمع البابوي، بسرية تامة على مدى قرون، ضاربةً في جذورها بتقاليد تعود إلى القرن الثالث عشر.

وفقا لنيويورك تايمز، فمع وفاة البابا فرنسيس، عادت عملية انتخاب خليفته لتأسر أنظار العالم. إليكم نظرة من الداخل على كيفية اختيار الكنيسة الكاثوليكية لزعيمها، من خلال سلسلة من الطقوس والقواعد والسرية التي تضمن انتقالًا منظمًا.

أصول المجمع البابوي ومعناه

تشتق كلمة “مجمع” من الكلمتين اللاتينيتين “cum” (مع) و”clavis” (مفتاح)، وترمز إلى عزلة الكرادلة أثناء عملية الانتخاب. بدأت هذه الممارسة المتمثلة في إبقاء الناخبين تحت الحراسة في القرن الثالث عشر بعد أن أصبحت البابوية لاعبًا مهمًا في السياسة الأوروبية، وغالبًا ما كانت تتأثر بقوى خارجية.

عُقد أطول مجمع سُجِّل على الإطلاق، والذي استمر من عام 1268 إلى عام 1271، في مدينة فيتربو الإيطالية، حيث لجأ سكان المدينة المحبطون إلى إجراءات صارمة للضغط على الكرادلة لاختيار بابا جديد. ومنذ ذلك الحين، وُضعت بروتوكولات صارمة لتجنب مثل هذه التأخيرات الفوضوية.

التحضير للمجمع

بعد وفاة أو استقالة البابا، يتولى المجمع المقدس للكرادلة – الذي يضم الأساقفة ومسؤولي الفاتيكان – مسؤولية التحضير للمجمع. قبل بدء الانتخابات، تُفرض فترة حداد لمدة 15 يومًا.

خلال هذه الفترة، يتولى مسؤولو الفاتيكان، بمن فيهم الكاردينال كامرلينجو (أو أمين السر)، الإدارة الإدارية المباشرة لشؤون الفاتيكان. ويتولى الكاردينال كيفن جوزيف فاريل، المُعيَّن من قِبَل البابا فرانسيس، هذا المنصب حاليًا.

يتولى كامرلينجو مسؤولية تنظيم جنازة البابا، وتأمين أوراقه الخاصة، والتصديق على وفاته. التصويت المقدس: داخل كنيسة سيستين

يُعتبر المجمع السري عملية سرية ومنظمة للغاية. يُعقد في كنيسة سيستين، ويشارك فيه فقط الكرادلة الذين تقل أعمارهم عن 80 عامًا، والذين اختارهم الباباوات السابقون. ويتطلب انتخاب البابا الجديد أغلبية الثلثين.

لا يُسمح للكرادلة بمغادرة المجمع السري أثناء عملية التصويت، مما يضمن اتخاذ القرار دون أي تأثير خارجي. يقيمون في دار سانتا مارتا، وهو مقر إقامة داخل مدينة الفاتيكان، ويُحظر عليهم استخدام الأجهزة الإلكترونية أو التواصل مع العالم الخارجي.

التصويت وإشارات الدخان

بعد كل جولة تصويت، تُفرز النتائج بصوت عالٍ. إذا لم يحصل أي مرشح على الأصوات المطلوبة، تُحرق بطاقات الاقتراع في موقد مع إضافة مادة كيميائية لإنتاج دخان أسود. يُشير هذا إلى الحشود المنتظرة في ساحة القديس بطرس بأنه لم يُتخذ أي قرار.

بمجرد انتخاب بابا جديد، تُحرق بطاقات الاقتراع مرة أخرى، وهذه المرة بمواد كيميائية تُنتج دخانًا أبيض، مُشيرةً إلى الرأي العام بأن القرار قد اتُخذ.

اقرأ أيضًا.. الهجوم على زوكربيرج.. هل يسمح ترامب بتفكيك إمبراطورية ميتا؟ 

لحظة القرار: “Habemus Papam”

بعد أن يُشير الدخان إلى انتخاب بابا جديد، يسأل عميد مجمع الكرادلة المُقدس المرشح المُنتخب إن كان يقبل المنصب. عند القبول، يختار البابا الجديد اسمًا بابويًا ويرتدي رداءه الأبيض. ثم يظهر على شرفة كاتدرائية القديس بطرس ليُلقي بركته الأولى على الحشود، مُعلنًا بذلك بدء بابويته.

أهمية البابوية

مع أن دور البابا روحي في المقام الأول، إلا أن تأثيره يتجاوز حدود الفاتيكان. يُسيطر البابا على أكثر من 1.4 مليار كاثوليكي حول العالم، وتلعب قيادته دورًا محوريًا في صياغة القضايا السياسية والاجتماعية العالمية.

على مر التاريخ، تميّز الباباوات بأساليبهم القيادية الخاصة: بدءًا من دور يوحنا بولس الثاني في الحرب الباردة، مرورًا بتركيز بنديكتوس السادس عشر اللاهوتي، ووصولًا إلى مواقف البابا فرنسيس السياسية الصريحة.

إرث من السرية والطقوس

يظل انتخاب بابا جديد من أكثر الأحداث سريةً وشعائريةً في العالم. وقد تطورت الإجراءات، لكنها حافظت على جوهر السرية والنزاهة لتجنب الضغوط الخارجية أو التلاعب. وبما أن وفاة البابا فرنسيس تُمثّل بداية فصل جديد في تاريخ الكنيسة، فإن عملية المجمع البابوي تضمن اتخاذ هذا القرار الحيوي بطريقة مُحكمة ومُوقرة.

نسخ الرابط تم نسخ الرابط