أميركا لإيران في عُمان: حان وقت القرار إمّا القبول بتعديل عقيدة النظام أو مواجهة الانهيار - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
أميركا لإيران في عُمان: حان وقت القرار إمّا القبول بتعديل عقيدة النظام أو مواجهة الانهيار - تكنو بلس, اليوم الأحد 13 أبريل 2025 07:19 صباحاً

بواقعية، وبكل صراحة، ومهما تخيّل للبعض عن جدوى "الصبر الاستراتيجي"، أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية على مفترق طريق وجودي للنظام الحاكم فيها، والقرار حول المصير والمسار يقع في أيادي حفنة رجال يتعاركون على تعريف السبيل لإنقاذ النظام. السؤال الأهم والأساس هو: هل القيام بتعديلٍ جدّي لعقيدة النظام هو السبيل لبقاء النظام؟ أو أن التمسك القاطع بحذافير العقيدة هو الضمان لاستمرار حكم النظام؟

 

توقيت الإجابة الضرورية على هذا السؤال بات ملحّاً الآن بسبب السياسة والاستراتيجية الأميركية نحو إيران والتي أطلقت العد العكسي إلى أحد أمرين: إما قيام النظام بإعادة اختراع نفسه بأُسس غير تلك التي وضعتها العقيدة النووية وعقيدة استخدام الوكلاء والميليشيات لتصدير الثورة، والتوسّع الإقليمي، وللتخريب والترهيب، أو المواجهة العسكرية المباشرة لتحطيم البرنامج النووي الإيراني فيما تستمر عمليات قطع أذرع النظام الإيراني الممتدة من اليمن والعراق وسوريا ولبنان؛ فبدعة "الصبر الاستراتيجي" نفذَ زمنها وتاريخ استخدامها، وبات على رجال الحكم في طهران مراجعة استراتيجيتهم أمام الواقع الجديد، بسرعة، بلا غموض ولا مراوغة.

 

أكتب هذا المقال قبيل انعقاد المحادثات المهمة بين إدارة الرئيس دونالد ترامب والجمهورية الإسلامية الإيرانية في عُمان، وهي الأولى منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض. مهما يكون قد حدث في عُمان مع نشر هذا المقال، من الضروري التعمّق في تفكير كل من قادة واشنطن وطهران نحو بعضهم بعضاً، نحو إيران الدولة وموقعها الإقليمي كما يتصوره الطرفان، نحو مستقبل اليمن والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين، ونحو مصير النظام في طهران.

 

ملامح المباحثات، أمباشرة كانت أم غير مباشرة، تفيد بأن رجال النظام في إيران يتخبّطون وهم يحاولون شراء الوقت وإنقاذ ماء الوجه وإيجاد صيغ الهروب إلى الأمام. واقع الأمر، أن أركان النظام يدركون تماماً جديّة الرئيس ترامب في إنذاره كما في استعداده لتوجيه ضربة عسكرية موجِعة للمنشآت النووية التي تمثّل ساقاً أساسية في عقيدة النظام. يدركون، وإن كانوا لا يقرّون حقاً، أن الساق الأساس الأخرى في عقيدة النظام قد بُتِرَت. يعرفون، دون أن يعترفوا فعلاً، أن حالة ساقيّ النظام باتت متزعزعة ومتهالكة، فيما يرتجفون خوفاً حتى وهم يكابرون ويتعالون ويهددون بالهلاك لإسرائيل لعل ذلك يردع ترامب، بحسب تفكيرهم.

 

يتصوّر رجال طهران، أو أنهم يسوّقون هذا التصوّر للاستهلاك الداخلي والإقليمي، أن إدارة ترامب مستعدّة للاستغناء عن إصرارها على تغيير إيران سلوكها الإقليمي مقابل انفتاح طهران على تنازلات في شأن برنامجها النووي. بصراحة، هذا هراء. بصدق، الأفضل للحكومة الإيرانية أن تُحسن قراءة ما في ذهن الرئيس الأميركي إذا كانت تريد البقاء في السلطة، ليس لأن دونالد ترامب مهتم بالإطاحة بالنظام فهو لا يفكّر من منظور تغيير النظام، بل لأن دفن الرؤوس في الرمال ليس في مصلحة إيران ولا لصالح شعبها العريق.

 

وللتذكير، إن الرئيس الأميركي الذي أطاح بتفاهمات الرئيس الأسبق باراك أوباما مع النظام في طهران راضخاً لشرط استبعاد السلوك الإقليمي ودعم الميليشيات والوكلاء عن حديث الاتفاقية النووية، هذا الرئيس هو جو بايدن وليس دونالد ترامب. للتذكير، إن إدارة بايدن هي التي مكّنت إسرائيل من تنفيذ عملياتها الساحقة ضد "حزب الله" في لبنان كما ضد "حماس" في غزة، بسلاح متفوق وباستخبارات دقيقة وبتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وبنصائح القيادة المركزية الأميركية للشرق الأوسط التي باتت إسرائيل أخيراً تحت جناحها.

 

الرئيس دونالد ترامب استفاد مما قام به سلفه الرئيس جو بايدن لناحية شلّ وبتر ذراع إيران الأساسية أي "حزب الله" في لبنان. في سوريا، حيث تم دفن مشروع "الهلال الفارسي" بهرولة الحرس الثوري الإيراني هرباً بعد سقوط نظام بشار الأسد، ارتأى دونالد ترامب أن هذا إنجاز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نال إعجاب الرئيس الأميركي ودعمه. في العراق، يبحث فريق ترامب في وسائل قطع الطريق على استغلال إيران لموارد العراق للتهرب من العقوبات، كما يبحث في سبل احتواء الحشد الشعبي التابع لإيران عبر تطويقه وليس عبر استهدافه عسكرياً. هذا فيما يمضي الرئيس ترامب في استكمال العمليات العسكرية في اليمن للقضاء على الحوثي وقياداته هناك.

 

فأن يُقال أو يُزعَم أن إدارة ترامب مستعدة لتبنّي نهج إدارة أوباما باستبعادٍ للسلوك الإقليمي لإيران، فإن ذلك أمّا استغباء أو جهل لتفكير دونالد ترامب وفريقه. فلقد وصلت الأمور إلى اللا عودة عنها، ولا مجال أبداً لتنازل أو تراجع ترامب عن إصراره على قيام إيران بتصفية سياسية لوكلاء إيران من "حزب الله" إلى الحوثيين إلى الحشد الشعبي، بقرار من طهران يُقابل بمكافآت، وإلّا بحسم عسكري تدفع ثمنه إيران.

 

إذا فهمت الجمهورية الإسلامية الإيرانية قيمة المعروض عليها بمكافآت تتعدى رفع العقوبات عنها، تدخل في خانة تطبيع العلاقات الثنائية الأميركية- الإيرانية وفكّ العزل والطوق عن إيران، سيكون عليها أن تستوعب الآتي: لا مناص من الاستغناء عن عقيدة الوكلاء والميليشيات.

 

وبالتالي، إن الأفضل لقادة إيران دعم التحييد الإيجابي لوكلائها وإبلاغ الأذرع صراحة وجهارة بهذا التغيير النوعي في عقيدة النظام، وأن الوقت حان لهم للامتثال لسيادة الدولة التي ينتمون إليها بدلاً من نموذج إنشاء دولة بولاء لإيران داخل الدولة المعنية لتقويض سيادتها. هذا يعني أن يقوم رجال طهران بإبلاغ قيادات رجال "حزب الله" والحرس الثوري والحوثي أن الوقت حان لتسليم سلاحهم إلى الدولة.

 

ما حدث خلال الأيام القليلة الماضية يعكس إما خبثاً ومراوغة، أو تخبّطاً داخل القيادات الإيرانية انعكس على قيادات داخل "حزب الله" والحشد الشعبي والحوثي. فتارة يُسرَّب أن طهران جاهزة للتخلي عن الحوثيين ولسحب نفسها من اليمن، ثم نسمع بأن إيران تضاعف دعمها وتموضعها هناك.

 

نسمع تارة أن "حزب الله" يفكر بالتخلي عن سلاحه وينضوي تحت سيادة الدولة، ثم ينكشف أن الحرس الثوري الإيراني ما زال يمثّله ميدانياً في لبنان، عشرات من رجاله يخططون مع "حزب الله" لإعادة استخدام مرفأ بيروت لتهريب وتصنيع الأسلحة وإحياء الأنفاق الممتدة تحت المدنيين بما فيها تلك الممتدة من المرفأ إلى المطار. هذا إضافة إلى تصريحات لرجال "حزب الله" تفيد صراحة أن الحزب لن يتخلى عن سلاحه، وأن "الحوار" مجرد وسيلة لـ"حزب الله" للتملص من الالتزام بأن يكون السلاح حصراً في يد الدولة، لا غير.

 

مؤشرات السياسات الإيرانية نحو العراق لا تفيد بأن طهران مستعدة أبداً للسماح للحشد الشعبي بتسليم سلاحه إلى الدولة العراقية. كذلك، ليس هناك ثقة بأن الحرس الثوري أقرّ بهزيمته في سوريا وأنه سلّم بعدم عودة نفوذه في سوريا، بل أنه يتربص فرصة استئناف عودته إليها. فبينما كانت طهران تستعد للمباحثات في عُمان، تبيّن أنها كانت تبعث الصواريخ المتطورة إلى الحشد الشعبي في العراق.

 

بكلام آخر، وحتى الآن، تبدو قيادات الجمهورية الإسلامية الإيرانية غير جاهزة للتخلي عن ساق الوكلاء والأذرع الأساس في عقيدة النظام. وهنا المشكلة. هذه القيادات تعتقد أن شراء الوقت سيرحِّل الضغوط عليها وسيمكنها من التسويف حتى استعادة قدراتها وقدرات الوكلاء. هكذا تهرب طهران إلى الأمام. إنها تملي على الناطقين باسمها تبني مزاعم اتفاقٍ بينها وبين فريق ترامب بأن المباحثات والمفاوضات ستكون حصراً حول الملف النووي الذي، بدوره، تعتبره طهران تعدياً سياسياً عليها.

 

معنى هذا كله هو أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تحاول التنصّل من استحقاقات المفاوضات المباشرة مع إدارة دونالد ترامب وتسعى أن تكون المحادثات حصراً في الملف النووي، وذلك كي تبقى بدون محاسبة على سلوكها الإقليمي وساق الوكلاء من عقيدة الثورة الإيرانية.

 

ففكرة صناع القرار في طهران هي أن الدخول في مباحثات مع إدارة ترامب حول الملف النووي سيؤدّي إلى استدراج البيت الأبيض إلى بازار المفاوضات حول هذه المسألة ذات الأولوية للولايات المتحدة- المسألة النووية. وهكذا تكسب الوقت الضروري لها لتجنّب الضربة العسكرية، ولإعادة لملمة وكلائها، وللتهرب من استحقاقات التمسك بساقيّ عقيدتها.
ما في ذهن إدارة ترامب يتضارب تماماً مع ما تسعى وراءه حكومة طهران.

 

خلاصة ما توجه به فريق ترامب إلى عُمان للتحدث مع الفريق الإيراني هو التالي: أن تكون هناك جولة واحدة يمكن وصفها بأنها جلسة إبلاغ الشروط والمطالب التي يصر عليها البيت الأبيض، وبالتالي، تكون جلسة إنذار وليس جولة مفاوضات. فهذه، حسب تفكير الفريق الأميركي فرصة لإيران لتسمع بوضوح ما يترتب على خيارها، إذا قررت تلبية الشروط، من مكافآت. هذا شق الترغيب. أما شق الترهيب فإن فريق ترامب قرر أيضاً إيضاحه لإيران بأنه ليس قابلاً للمساومة والمقايضة. فأما تقبل طهران بالشروط كاملة، كرزمة، وإلا الإنذار الواضح بعواقب الرفض.

 

فريق ترامب حرص أولاً على عدم السماح بوصف الاجتماع بالفريق الإيراني في عُمان بأنه مباحثات تقليدية، كما جرت العادة الديبلوماسية. ثانياً، أكد الفريق على الناحية الزمنية على أساس الرفض القاطع لأفق زمني مفتوح مع تحديد فترة شهر أو شهرين أمام قبول إيران بالرزمة.

 

ما تضمنته تلك الرزمة انطلق من إصرارٍ أميركي على فتح إيران كامل منشآتها النووية أمام الوكالة الدولية للطاقة الذرية مع القبول بمراقبة أوسع من الوكالة قد تشمل الولايات المتحدة، ولتحقيق هدف تفكيك البرنامج النووي الإيراني. هذا طلب أوضحت إيران أنه مرفوض كلياً، لكنها فتحت باب المقايضة بحديثها عن اتفاق مؤقت ومرحلي حول الموضوع النووي.

 

الرزمة التي كانت في جيب الفريق الأميركي بقيادة ستيف ويتكوف- أهم مبعوثي الرئيس دونالد ترامب للمسائل الأكثر أهمية بينها روسيا وأوكرانيا إلى جانب شؤون الشرق الأوسط، تضمنت إصرار البيت الأبيض على توقف إيران عن شحن الأسلحة والصواريخ والذخيرة إلى وكلائها في اليمن والعراق ولبنان. تضمّنت مطالبة طهران بالكف عن استخدام الوكلاء لزعزعة دول المنطقة. تضمّنت عدم الاكتفاء بالشقّ النووي وإنّما بإدخال الصواريخ الباليستية على قائمة التنازلات الإيرانية.

 

ثمّ أنّ في الرزمة عنصر إسرائيل بحيث يريد فريق ترامب من طهران أن تلتزم بأمن إسرائيل وعدم اتخاذ أيّ خطوات ضدها.

 

الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تتبنى التعهد بتدمير إسرائيل لن تكون مستعدة للتعهد بأمن إسرائيل. الفريق الإيراني توجّه إلى عُمان بهدف العمل على فتح صفحة الحوار والنقاش عبر الاستماع والإصغاء ثمّ طلب الوقت لهضم ومراجعة المطالب والخيارات. طهران في حاجة لشراء الوقت كي تعمل على تخفيض حدة العواقب. أمّا إذا استنتجت ألّا مجال للأخذ والعطاء، قد تستخدم طهران العصا التي تهدّد بها، وهي الانتقام من البيت الأبيض من خلال توجيه ضربة عسكرية لإسرائيل يشعر بوجعها سيد البيت الأبيض.

 

مباحثات الفرصة الأخيرة في عُمان قد لا تظهر نتائجها بصورة فورية سيّما إذا نجحت طهران في السيطرة على نفسها أمام نبرة الإملاء والإنذار الأميركية. قد تعضّ طهران على أصبعها لأنّ لشراء الوقت أولوية. إنّما في نهاية المطاف، لن تتمكن إيران من إبقاء باب الديبلوماسية والحوار مفتوحاً.

 

في نهاية المطاف، وعاجلاً، على رجال الحكم في طهران أن يقرروا ما هي سبل الحفاظ على استمرارية النظام علماً أنّ بقاء النظام هو الأولوية القاطعة لهم حتى لو كان على حساب بقاء إيران. عليهم أن يقرروا إن كان تعديل العقيدة بالساق النووية وساق الوكلاء هو الضمان لبقاء النظام. أو إن كان استمرار النظام بعقيدته القرار الأخير حتى وإن كان ذلك، عملياً، يعني تدمير النظام.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق