نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
إيران التي عرفناها انتهت! - تكنو بلس, اليوم الجمعة 11 أبريل 2025 02:17 صباحاً
من المفترض أن تنعقد الجولة الأولى من المفاوضات الأميركية - الإيرانية يوم غد السبت في مسقط. ومجرد انعقاد هذه المفاوضات بهذا التوقيت يعكس انهياراً شاملاً للخطوط الحمراء التي سبق للقيادة الإيرانية أن وضعتها على مر السنين بوصفها لاءات تستحيل زحزحتها على قاعدة أن إيران كانت تستند إلى ما تعتبرها موازين قوى، قدّرت أنها كانت دائماً لصالحها في علاقاتها مع الولايات المتحدة والغرب عموماً.
فقط نذكّر ببند واحد يتعلق برفض طهران التفاوض مع الولايات المتحدة تحت الضغط. كما ترفض التفاوض المباشر. لكن الحقائق تشير إلى أن الضغط ازداد ليبلغ مستويات غير مسبوقة وضعت طهران أمام خيارات صعبة ليس أقلها أن تجازف بتلقي ضربة أميركية وربما إسرائيلية تدمر البرنامج النووي بالكامل، ويحتمل أنها قد تتوسع لتشمل المنشآت النفطية.
سقط رفض إيران التفاوض تحت الضغط، وسقط رفضها التفاوض المباشر ليصبح تفاوضاً مباشراً بحضور الوسيط العماني في غرفة واحدة.
هذه عينة بسيطة تلقي الضوء على حالة التخبط الإيراني، بعد انهيار حركة "حماس" في غزة، وهزيمة "حزب الله" في لبنان، وسقوط نظام الأسد في سوريا، وتلقي جماعة الحوثي ضربات لا سابق لها مؤداها إخراجها من العاصمة صنعاء ومدينة الحديدة، وأخيراً وليس آخراً محاصرة الحكومة العراقية وفصائل "الحشد الشعبي" التابعة لإيران في العراق بسلسلة إملاءات أميركية لا تفضي سوى إلى تقويض انتظام الميليشيات المذهبية الذي أقامته طهران في العراق.
وبناء عليه فإن خيارات القيادة الإيرانية محدودة للغاية، وحالة التخبط السياسي واضحة في الداخل. وكانت تظهرت في خلافات علنية نشبت في البرلمان الإيراني خلال جلسة عقدت مطلع الأسبوع الحالي بين مؤيد للتفاوض ومعارض له.
ويدرك المسؤولون الكبار بالنظام أن التفاوض ليس شكلياً، بل يتصل بمواضيع حساسة جداً، مثل مصير البرنامج النووي الإيراني، لاسيما أن المجتمع الدولي على يقين بأن الهدف الأول للبرنامج الوصول مرحلة إنتاج القنبلة النووية. وبالتالي فإن الإصرار الأميركي على تفكيك البرنامج النووي العسكري حاسم ولا يقبل أي مراجعة من قبل طهران، التي تخطت في 7 تشرين الأول /أكتوبر 2023 خطوطاً حمراء في المنطقة وعلى المسرح الدولي مع عملية "طوفان الأقصى" التي هددت إسرائيل وجودياً، واقتناع الغرب أن طهران هي التي كانت تعد حركة "حماس" في غزة، و "حزب الله" في لبنان لتنفيذ عمليتين متزامنتين بهذه الخطورة.
صحيح أن الولايات المتحدة وخلال العقود الماضية تعاملت مع إيران بأسلوب الضغط والعقوبات دون أن تصل إلى حافة الحرب. لكن الخطأ الذي ارتكبته طهران وإن بشكل غير مباشر مع قيام "حماس" بتنفيذ عملية "طوفان الأقصى" أقنع الغرب بقيادة الولايات المتحدة، وبصرف النظر عن هوية "ساكن" البيت الأبيض السياسية، بأنّ إيران باتت طرفاً غير مسؤول، لا بل إنه خطر ويستحيل الركون إلى تعهداته السرية باحترام الخطوط الحمراء.
ومن هنا وبعدما حصل في غزة، ولبنان، وسوريا، واليمن، وما سيحصل في العراق وصلت إيران إلى حائط مسدود، وتلاشت أمامها الهوامش التي كانت تتحرك من ضمنها. لم يعد بالإمكان القيام بمناورات لتجنب الاستحقاق النووي الداهم. ولم يعد بالإمكان تجنب وضع برنامج الصواريخ الباليستية والمسيرات، إضافة إلى مصير الميليشيات المذهبية السيئة الذكر التي أسهمت في تدمير بلدان المنطقة من الداخل.
كل هذه العناصر موضوعة على طاولة التفاوض بعدما ارتكبت طهران خطأين جوهريين، الأول تهديد إسرائيل في الوجود، وتهديد مصالح الغرب الاستراتيجية في المنطقة الممتدة من البحر الأبيض المتوسط إلى حدود باكستان، أي غرب آسيا. ومن هنا صعوبة المفاوضات التي ستجري، وخصوصاً أن الإدارة الأميركية الحالية مصممة على نيل مرادها إما بالتفاوض أو بالحرب.
وفي هذه الأثناء، تواصل كل من الولايات المتحدة وإسرائيل تقويض النفوذ العسكري والأمني الإيراني في المنطقة، في غزة، ولبنان، واليمن، والعراق. والغرض من ذلك تفكيك الاستراتيجية المتوسطية الإيرانية ودفع النظام إلى الانكفاء داخل حدوده، والالتزام بقواعد اللعبة الدولية المسؤولة.
ستكون المفاوضات صعبة، سيحتاج النظام في إيران إلى وسائل دعائية للتخفيف من وطأة الضغط وآثاره على صورته في الداخل. فالاستحقاق الداخلي محفوف بالمخاطر في زمن يشهد تساقط البروباغاندا الرسمية التي صورت النظام خلال العقود الماضية بوصفة "سوبر" نظام، وقادر على إلحاق الهزيمة بالغرب في الشرق الأوسط.
هذا الزمن… جاري طي صفحته! وإيران التي عرفناها خلال العقود المنصرمة انتهت.
0 تعليق