الصين عند "مفترق الطرق": انتعاش اقتصادي أم سراب؟ - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الصين عند "مفترق الطرق": انتعاش اقتصادي أم سراب؟ - تكنو بلس, اليوم الجمعة 4 أبريل 2025 09:18 صباحاً

كتب جوزيف عازار، أستاذ في جامعة باريس دوفين – PSL، لـ"النهار":

بينما يمر الاقتصاد العالمي باضطرابات كبيرة، تجد الصين نفسها أمام معضلة حاسمة: هل يمكنها حقًا إعادة إطلاق نموها الاقتصادي، أم أن الأمر لا يعدو كونه سرابًا؟  

 

مع السياسات الداعمة للاستهلاك، والطموحات الصناعية المتزايدة، والسياق الدولي المتوتر بشكل متزايد، تسعى بكين إلى ترسيخ صورة من الاستقرار والمرونة. ومع ذلك، تتراكم المؤشرات التي تشير إلى تباطؤ الاقتصاد: أزمة قطاع العقارات، تراجع ثقة المستهلكين، والضغوط التجارية الأميركية المتزايدة. فهل لا تزال الصين، التي كانت سابقًا محركًا أساسيًا للنمو العالمي، قادرة على الحفاظ على مسارها الاقتصادي، أم أنها بحاجة إلى إعادة ابتكار نموذجها التنموي؟  

 

نمو اقتصادي تحت القيود

على الرغم من البيئة الاقتصادية الدولية الصعبة، أعلن رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ عن هدف للنمو لعام 2025 يقارب الـ 5%، وهو رقم طموح مقارنة بتوقعات صندوق النقد الدولي (4.6%) والتوقعات العامة (4.5%). وتشدّد السلطات الصينية على أهمية تحقيق نمو "جيد النوعية"، بالرغم من وجود شكوك حول دقة البيانات الرسمية. وتعتمد الصين بشكل رئيسيّ على الاستهلاك المحليّ. لكن خفض هدف التضخم إلى 2% يشير إلى أن التحول نحو نموذج أكثر اعتمادًا على الطلب الداخلي سيستغرق وقتًا.  

 

العقبات التي تواجه النمو

رغم الجهود المبذولة، لا تزال هناك عدة عوامل تعرقل تحقيق هذا الطموح:  

- أزمة العقارات: القطاع العقاري لا يزال يعاني بشدة، مما يضعف ثقة الأسر الصينية. فمعظم ثروة السكان تعتمد على العقارات، مما يجعلهم أكثر تحفظًا في إنفاقهم.  
- التوترات الجيوسياسية: خاصة مع الولايات المتحدة، مما يعقد آفاق الصادرات، التي لا تزال محركًا رئيسيًا للاقتصاد الصيني.  

 

أولويات بكين الاقتصادية

لمواجهة هذه التحديات، حددت الحكومة الصينية أولوياتها الاقتصادية وفق استراتيجيات رئيسية:  

1- تحفيز الاستهلاك المحلي
تهدف الصين إلى إعادة التوازن لاقتصادها عبر تعزيز الاستهلاك المحلي بدلاً من الاعتماد على الاستثمارات الضخمة والصادرات. وتشمل هذه الجهود:  

- رفع الحد الأدنى للأجور.  

- برامج دعم لاستبدال الأجهزة الاستهلاكية مثل الهواتف والأجهزة المنزلية.  

- تخصيص 40 مليار دولار لتعزيز الطلب في القطاعات الاستهلاكية الأساسية.  

مع ذلك، يبقى نجاح هذه السياسة مرهونًا باستعادة ثقة المستهلكين، وهو أمر لا يزال بعيد المنال بسبب تراجع ثرواتهم العقارية.  

 

2- التصنيع والابتكار  

تواصل بكين ضخ استثمارات ضخمة في التكنولوجيا المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والصناعات الرقمية، بهدف تقليل اعتمادها التكنولوجي وتعزيز تنافسيتها عالميًا.  

- تقدم الحكومة إعفاءات ضريبية وحوافز مالية لدعم الشركات التي تستثمر في البحث والتطوير.  

- تسعى الصين إلى أن تصبح قوة رئيسية في قطاع التحول الطاقوي، لكنها تواجه تحدّيات كبرى، لا سيما في ظل المنافسة الأميركية.  

 

3- استقرار سوق العقارات

تحاول الحكومة كبح تراجع أسعار العقارات عبر إجراءات تشمل:  

- شراء الأراضي من قبل الشركات العامة.  

- تقديم دعم للمشترين الجدد.  

لكن السؤال الأساسي يبقى: هل هذه التدابير كافية لإعادة الثقة إلى السوق؟  

 

4- التحول الأخضر 

تؤكد الصين التزامها بالتحول البيئي والحياد الكربوني بحلول 2060، عبر:  

- الاستثمار في الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية.  
- فرض سياسات بيئية أكثر صرامة، رغم التحديات المتعلقة بالاعتماد على الوقود الأحفوري. 

 

5- ضبط الدين العام المحلي

تواجه الصين تحديًا متزايدًا بسبب ديون الحكومات المحلية، التي تم استخدامها في تمويل مشاريع البنية التحتية. وللحدّ من ذلك، بدأت السلطات في بإصلاحات مالية وإعادة هيكلة الديون المحلية، لتجنب أزمة مالية واسعة النطاق.  

 

نموذج اقتصادي في مرحلة تحول

يتّضح أن الصين تدرك حدود نموذجها القائم على الاستثمارات الضخمة، وتسعى للانتقال إلى اقتصاد قائم على الاستهلاك المحلي، من خلال:  

- رفع الحد الأدنى للأجور.  

- توسيع شبكة الضمان الاجتماعي لدعم العمال غير المستقرين.  
- تقديم إعانات مالية للأسر لتعزيز النمو السكاني.  

 

لكن هل ستكون هذه الإجراءات كافية لإعادة ثقة المستهلكين؟  

 

التحديات الأميركية والعوامل الخارجية

لا يمكن تجاهل أثر السياسات الأميركية على الاقتصاد الصيني. فقد فرضت إدارة دونالد ترامب زيادتين جمركيتين بنسبة 10% على السلع الصينية، مع تهديدات برفعها إلى 60%.  

- ردت الصين بحذر عبر فرض رسوم جمركية انتقائية على المنتجات الأميركية. 

- تراجعت الصادرات الصينية 3% في شباط (فبراير)، مما يثير القلق من تأثير الحرب التجارية على النمو الصيني.  

 

انتعاش حقيقي أم مجرد وهم؟  

رغم أن الصين تبذل جهودًا حثيثة لإنعاش اقتصادها، فإن التحديات لا تزال قائمة:  

- أزمة العقارات مستمرة.  
- الاستهلاك المحلي لا يزال هشًا.  
- التوترات التجارية مع أميركا تتصاعد.  

وهكذا، يبقى السؤال الأهم: هل تستطيع الصين استعادة نموها المستدام، أم أننا أمام مجرد انتعاش موقت؟

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق