نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
بين بكين وواشنطن صراع أبعد من حرب تجارية - تكنو بلس, اليوم الاثنين 14 أبريل 2025 11:37 مساءً
انتقدت الصين تصريحات نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس حول "الفلاحين الصينيين"، في مقابلة أثارت غضباً وسخرية واسعين بين مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، ومقاربات مع وصف فانس نفسه بأنّه "فلّاح ريفي".
في حديثه مع شبكة "فوكس نيوز"، الخميس 10 نيسان / أبريل الجاري، دافع فانس عن الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على شركاء واشنطن التجاريين، وانتقد بشدة "الاقتصاد العالمي".
وقال "ما الذي جلبه الاقتصاد العالمي للولايات المتحدة الأميركية؟ والجواب في جوهره هو أنه يقوم على مبدأين: تكبّد ديون طائلة لشراء منتجات تصنعها دول أخرى لنا". وأضاف "وللتوضيح أكثر، نقترض المال من الفلاحين الصينيين لشراء المنتجات التي يصنعها هؤلاء الفلاحون".
قال الكثير دي فانس وعبّر أكثر عن مكنونات النظرة الأميركية تجاه الصين تحديداً عن تلك النظرة العميقة التي ترتبط بالاستعلاء الرافضة أن تنظر إلّا إلى الصورة النمطية عن الصين الزراعية. وما قاله المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، لين جيان عند سؤاله عن تصريحات فانس كانت واضحة، حيث اعتبر أنه من "المدهش والمؤسف سماع نائب الرئيس هذا يدلي بمثل هذه التصريحات الجاهلة وغير المحترمة".
تعمّد الأميركي تصوير الصين على أنها لم تزل فلّاحة، وكأنه أوقف تاريخها عند حكم زعيمها وقائد ثورة الفلاحين الراحل ماو تسي تونغ، الذي جعل من الزراعة النمط الاقتصادي لحياة الصيني. وكأنه يتعامى أو لا يريد أن ينظر إلى الواقع الصيني الحالي الذي أثاره غضباً لبلد تصطفّ فيه الروبوتات الصناعية على أرضيات المصانع، وتحتضن المدن السيارات الكهربائية المصنّعة محلياً، وتربط المقاطعات النائية شبكة من السكك الحديدية عالية السرعة.
قالت لجنة التعريفات الجمركية بمجلس الدولة الصيني في بيان، إنّ الصين رفعت التعريفات الجمركية الانتقامية على الواردات الأميركية من 84% إلى 125%. إنها تعريفات "انتقامية" رداً على التصرفات الأميركية التي رفضت مراراً الدعوة الصينية نحو التلاقي والحوار في ما خصّ ترتيب الأوراق للاقتصاد العالمي.
باتت الصين على يقين أن واشنطن لا تريد الحوار معها، بل أخذها إلى طاولة الاستسلام لتحجيم صعودها وتطويق نفوذها. إذ لم يعد خفياً إن تلك الحرب الإسرائيلية في منطقة الشرق الأوسط، والتي ترافقت مع فتح الأميركي حرب التوتير مع حركة الحوثيين في اليمن، يصبّ في ضرب جهود الحكومة الصينية بتعبيد مشروعها "الطريق والحزام" الذي افتتحه الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2013، لربط جنوب آسيا بالعمق الأوروبي عبر البحر الأحمر.
على طريقة "المصيدة" الثيوثديدوسية اليونانية، لن تتسامح الولايات المتحدة مع من يهدّد نفوذها ويسعى إلى زعزعة سيطرتها في العالم. فهي الإمبراطورية المعاصرة التي استغلت سقوط الاتحاد السوفييتي لتزرع فكرها وتنشر ثقافتها لا بل تطبّق نظامها الليبرالي الاقتصادي على العالم متسلّحة بدعم قوي لعملتها الخضراء الدولار. فعودة "أميركا عظيمة" كما يريدها الرئيس الأميركي دونالد ترامب تحتاج إلى فتح حروب مختلفة تحاكي كل دولة صاعدة. لهذا، فالصعود الروسي حاربته عبر جرّها إلى حرب استنزافية وإلى سلام مشروط على أرض أوكرانيا، بهدف تحجيم النفوذ الروسي في مناطق نزاعية أخرى أبرزها الساحة السورية. كما وتعاملت مع المدّ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط من خلال مدّ تل أبيب بجسر عسكري جوي لضرب وكلاء طهران في المنطقة على رأسهم "حزب الله" اللبناني الذي يخوض اليوم حرباً ديبلوماسية مع الدولة اللبنانية في موضوع تسليم سلاحه أو وضعه ضمن إستراتيجية دفاعية.
لم تجد الولايات المتحدة إلّا "الحرب التجارية" لمحاربة العملاق الاقتصادي الصيني، بعدما فشلت إلى اليوم في جرّها إلى حرب مفتوحة مع جارتها تايوان، حيث جعلت منها واشنطن جزيرة عائمة على السلاح، بحسب التقارير الصادرة عن وزارة الدفاع الصينية. وما المناورات الصينية المتكررة التي يجريها الجيش الصيني بشكل دائم، والتي كانت آخرَها المناورةُ التي أجرتها في أوائل نيسان / أبريل الجاري، إلا رسالة للولايات المتحدة بأنّ ضمّ تايوان ينتظر قرار الحزب الحاكم في تايوان.
لم تنتظر واشنطن قرار الحزب الحاكم الصيني، بل سارعت لتفاجئه بفتح حرب تجارية كان الجميع يستبعدونها، على اعتبار أن الاقتصاد الأميركي يمرّ بمرحلة دقيقة، ويحتاج إلى تعاون دولي ليخرج من أزماته. لكنّ هذا ما لم يحدث حيث عمد ترامب إلى فتح الحرب الجمركية لتوتير وإرباك الاقتصاد العالمي ليعيد ترتيب أوراقه من جديد على طريقة المبادئ الليبرالية.
باستثناء الخلافات مع الاتحاد الأوروبي حول الغضب الأميركي من الاتهام الموجّه إليها من قبل إدارة ترامب باستغلال النفوذ الأميركي، تجد واشنطن أنّها تخوض حربها على الدول ذات الثقافة والهوية الشرقية. فالغرب غير المتقبّل لفكرة الشرق الشريك، هو الذي لم يعترف بتأثير أيّ من الحضارات الشرقية على الصعيد العالمي، تراه اليوم يسعى إلى تحجيم صعود تلك الدول. لهذا لم يعد مستبعداً ما وصف به دي فانس الشعب الصيني، على اعتبار أنّه فقط مزارع دون الأخذ في عين الاعتبار ما حققته الصين بعد انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية من نجاح ومنافسة على مستوى الأسواق العالمية.
شعرت "الترامبية" بأن السياسة التي انتهجتها "البايدنية" (التي تنسب إلى نهج الرئيس السابق جو بايدن) وحّدت جهود الدول ذات الحضارات الشرقية في ما بينها، للسعي إلى إحداث صدمة تغييرية في النظام القائم بهدف "قلبه" لصالح التعددية القطبية، عبر ضرب القطب الغربي المهيمن. هذا ما دفع بإدارة ترامب إلى تغيير النهج في حروبه، والتركيز على قاعدة "الاستفراد" بالدول ومحاكاة صعودها. لكن في المقابل، لا يتوقف الأمر على ما تتمنّاه الإدارة الأميركية، بقدر ما يتعلق الأمر بالصمود والمقاومة لتلك الدول في مواجهة الضغط الأميركي المتزايد.
لعبة "عضّ الأصابع" لم تعد واقعية في ظلّ استمرار التصعيد على أكثر من جبهة، خصوصاً وإنّ ترامب ورغم تهديداته التي ينشرها هنا وهناك، إلّا أنّه لم يستطع أنهاء أيّ من الجبهات المفتوحة، ما فتح المجال للتساؤل حول خيارات قد لا تستبعد منها الحرب، فهل سيكون عام 2025 عام الحرب كما صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؟
0 تعليق