نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الأديب الأردني حسين جلعاد لـ"النهار": رغم شعبيّة الرواية... الشعر يبقى جوهر اللغة! - تكنو بلس, اليوم الأحد 13 أبريل 2025 08:10 صباحاً
"شرفة آدم" كتاب جديد للشاعر والكاتب حسين جلعاد (المؤسسة العربية للدراسات والنشر - 2025)، يتضمّن مقالات نقدية وحوارات صحافية أجراها مع رموز أدبية بارزة. وُصف الكتاب بأنه تأملات في الوجود، يجمع الفلسفة والأدب، عبر مقالات نقدية لأعمال مهمة وحوارات صحافية مع أدباء بارزين. عن هذا الكتاب الذي يختزل فيه جلعاد سنوات طويلة من العمل الإعلامي ومن الكتابة الصحافية في مؤسسات رائدة من بينها "النهار"، وعن أعماله الإبداعية الأخرى شعراً وقصةً، تحدّث حسين جلعاد وكان هذا الحوار:
*في مقدمة كتابك الجديد "شرفة آدم" تناولت نقطة حسّاسة جداً حول ضياع الأرشيف الصحافي ورحلتك الشاقّة في استعادة بعض تلك المقالات/ الحوارات المهمّة. فهل نشر هذا الكتاب هو محاولة إنقاذ مجهودك النقديّ والفكريّ من الاندثار؟
- نعم، إلى حدّ ما. الأرشيف نقيض الموت. لقد عشت في بلدان ومدن كثيرة، وغالباً كنت أفشل في أن أحمل مكتبتي فوق ظهري، أضعت نصوصاً ومشاريع ومكتبات. والآن، عندما أدركت أنّ جزءاً من أرشيفي الصحافيّ قد ضاع، شعرت أنني فقدت بعضاً من رحلتي الفكرية، وأنّ هناك حوارات ومقالات كان ينبغي ألّا تُنسى. هناك أيضاً بعض أصدقائي المبدعين ممّن عشت معهم وحاورتهم رحلوا عن الدنيا، لقد انتهى الكلام بيننا، لم يبقَ إلّا ما قيل أو ما وثّقته في الحوارات معهم والكتابات عنهم. لهذا السبب، كان "شرفة آدم" محاولة لاستعادة ما يمكن استعادته، ليس فقط كتوثيق لمجهود شخصيّ، بل كجزء من ذاكرة ثقافية أوسع.
يمكن القول إنّ الصحافة الثقافية في العالم العربي تعاني من الإهمال، وغالباً ما تضيع مقالات وحوارات شكّلت في وقتها لحظات فارقة في المشهد النقدي والفكري. رحلتي في استعادة بعض المقالات والحوارات كانت شاقة بالفعل، لأنها لم تكن مجرد استعادة لنصوص، بل كانت أيضاً استعادة لذاكرة ثقافية وفكرية قد تختفي مع مرور الوقت.
ولكن في الوقت نفسه، "شرفة آدم" ليس مجرّد أرشيف، لأنّ العمل فيه ممتدّ حتى أيام قليلة قبل نشر الكتاب عبر حوارات وقراءات نقدية نشرتها أخيراً.
*هذا الموضوع قد يأخذنا إلى سؤال راهن وجدلي: هل انتهى زمن الصحافة المكتوبة؟ وهل يمكن للتحوّلات التي احدثتها مواقع التواصل أن تؤثّر على دور الكلمة وقيمتها؟
- سؤالك هذا يدخل بنا إلى قلب معركة حقيقية تشهدها الساحة الإعلامية والثقافية اليوم، وهي معركة مصير الصحافة المكتوبة في عصر التحوّلات الرقمية وسيطرة وسائل التواصل الاجتماعي. إنّه سؤال وجودي بالنسبة إلينا كصحافيين وكقرّاء ومثقّفين.
هل انتهى زمن الصحافة المكتوبة؟ هذا السؤال يتردّد بقوة في أروقة المؤسسات الإعلامية وفي مجالس المثقّفين، بل وحتى في أحاديث الناس اليومية. لا يمكن إنكار أنّ الصحافة المكتوبة التقليدية، أي الصحف والمجلات الورقيّة، تواجه تحدّيات هائلة تهدّد وجودها. كما أنّ صعود الإعلام الرقميّ والمواقع الإخبارية الإلكترونية وتطبيقات الهواتف الذكية أحدث تحوّلاً جذرياً في طريقة استهلاك الأخبار والمعلومات. الناس اليوم يفضّلون الحصول على الأخبار بسرعة ومجاناً وفي أيّ وقت ومكان، وهذا ما توفره لهم الوسائل الرقمية بشكل فعّال.
إضافة إلى ذلك، الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها الصحافة المكتوبة تزيد الطين بلّة. ولكن، هل يعني هذا أنّ زمن الصحافة المكتوبة قد انتهى تماماً؟ أنا شخصياً أرفض هذا الاستنتاج المتسرّع والمتشائم. وأرى أنّ الصحافة المكتوبة تتحوّل، تتطوّر، تتكيّف مع العصر الرقمي. نحن نشهد اليوم صحافة رقمية مكتوبة مزدهرة، مواقع إخبارية رائدة تقدم محتوى صحافياً عميقاً وموثوقاً، منصات رقمية متخصصة في التحليل والتعليق والتحقيقات الاستقصائية. الكلمة المكتوبة لم تمت، بل انتقلت إلى وسيط جديد، وسيط الإنترنت.
*يضم كتابك الجديد مقالات نقدية بتواريخ مختلفة. هل ما زال النقد يملك قيمته في وقتنا الراهن؟ ألا تعتقد أنّ عصر "السوشيل ميديا" أعطى لأيّ شخص سلطة الناقد، ما أفقد الناقد الحقيقيّ شيئاً من هيبته؟ وهل تعتقد أنّ الحركة النقدية اليوم تسير بموازاة الحركة الإبداعية أم تراجعت عنها؟
- نعم قطعاً، بل أرى أن قيمة النقد تتعاظم وتصبح أكثر ضرورة من أيّ وقت مضى، خصوصا أننا في عصر تتدفّق فيه المعلومات بلا حدود عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وهنا يصبح النقد وسيلة لفرز الغث من السمين، وللتمييز بين ما هو حقيقي وما هو زائف، وما هو عميق وما هو سطحي.
غلاف كتاب حسين جلعاد الجديد 'شرفة آدم'. (المؤسسة العربية للدراسات والنشر)
أما عن العلاقة بين النقد والإبداع، فهي متغيرة وديناميكية. الإنتاج الإبداعي اليوم يشهد طفرة في الكم والنوع، ما يجعل من الصعب على النقد مواكبته بالكامل، لا سيما مع انحسار الدعم التقليدي للمؤسسات الثقافية والنقدية. ورغم ذلك، فإن الحركة النقدية لا تزال حيوية، مدفوعة بجيل جديد من النقاد الشباب الذين يوظفون الأدوات الرقمية لتقديم رؤى جديدة وتحليلات معمقة. ومع تزايد الحاجة إلى النقد في مواجهة الفوضى المعلوماتية، سيظلّ النقد عاملاً أساسياً في توجيه المتلقّي وتعزيز جودة الإبداع، شرط أن يكون قادراً على التكيّف مع تحوّلات العصر دون التفريط بمعاييره وقيمته.
*تقول إنّ هذا الكتاب "شهادة على زمن ثقافي" لكونه يسلّط الضوء على لحظات مهمّة في تطور الأدب والفكر في العالم. ولكن إذا أردت أن تعطي عنواناً لزمننا الثقافي الراهن، كيف تصفه؟
- إذا أردت أن أصف زمننا الثقافي الراهن بعنوان، فربما يكون "زمن التحولات العاصفة"، إذ تتغيّر القيم والهويات والأنماط الثقافية بوتيرة غير مسبوقة، وتتداخل التأثيرات المحلية والعالمية في سياق غير مستقرّ.
في زمن التحوّلات العاصفة نرى أنّ التغيرات الثقافية والاجتماعية تحدث بسرعة وقوة، وتعيد تشكيل العالم بشكل جذري. هذه التحوّلات تشمل: الثورة الرقميّة، العولمة، الاضطراب العالميّ، وإعادة تعريف القيم. كل ذلك يجري مع تصاعد الاضطرابات السياسية والاجتماعية.
نحن نعيش ما يشبه "زمن السيولة" الثقافية إذا استعرنا تعبير عالم الاجتماع زيغمونت بومان، لا شيء ثابت، بل كلّ شيء في حالة تحوّل مستمرّ. وفي زمن التحوّلات العاصفة، نشهد موجات متلاحقة من التغيير تجبرنا على إعادة التفكير في علاقتنا بالثقافة والمجتمع والعالم.
في النهاية، ثقافة عصرنا ليست مرحلة مستقرة، بل هي ساحة مفتوحة للتحوّلات، حيث تتداخل التقاليد مع الحداثة، وتتصارع الأفكار، وتتغير المعايير باستمرار. ربما يكون هذا تحدّياً، لكنّه أيضاً فرصة لصياغة رؤى جديدة تتناسب مع طبيعة هذا الزمن المتحرّك.
*ما هو المقال أو الحوار الذي تأثّرت جدّاً بفقدانه أثناء رحلة البحث عن أرشيفك؟ وما هو المقال الذي فرحت فعلاً باسترجاعه؟ وهل من كاتب أو مثقّف تتمنى حواره اليوم؟
- ذكرت في مقدمة الكتاب أنني أشعر بالأسى لغياب بعض الحوارات القيمة التي كنت قد أجريتها خلال عملي الصحافي، والتي أعتبرها من الجواهر الضائعة. ومن بين هذه الحوارات، لقاء لا يُنسى مع الأديب السوري الكبير حيدر حيدر، والذي نُشر في مجلة "أرواق" الصادرة عن رابطة الكتاب الأردنيين، لكنّه اختفى مع اختفاء أرشيف المجلة.
المقال الذي فرحت باسترجاعه هو مقال "تحت سماوات الذهب"، وهو يتناول حياة الشاعر الأرلندي بوبي ساندز الذي استشهد في السجون البريطانية وتجربته. أمّا لو كان بإمكاني إجراء حوار مع مثقف اليوم، فسيكون إدوارد سعيد. إنّه مفكّر لا يخشى المواجهة، وكان يكتب بشغف لا يساوم على الحقيقة. الحوار معه لم يكن ليكون مجرّد نقاش، بل تحدّ فكريّ عميق، وربما درس في كيف يمكن للمثقّف أن يظلّ فاعلاً وسط العواصف.
*أنت شاعر، ولكنّك أصدرت قبل فترة مجموعة قصصية بعنوان "عيون الغرقى"، قدّمت فيها رؤية للعالم بعيون أطفال ومراهقين في طور التجريب والتمرّد والرفض، وبعضها أقرب الى شخصيات روائية. ما الذي عجزت عن قوله بالشعر حتى لجأت إلى النثر؟ هل هذه المجموعة هي مجرد محطة أم طريق ستتبعه لاحقاً؟
- سؤالك هذا يغوص في أعماق تجربتي الإبداعية، ويفتح ملفاً مهماً حول علاقتي بالشعر والنثر. دعيني أتناول هذه الجوانب بتفصيل ووضوح: نعم، صحيح أنا شاعر أولا وأخيراً، والشعر يظلّ هو البيت الأول الذي أعود إليه دائماً. لكنني أؤمن بأنّ التجربة الإبداعية لا ينبغي أن تنحصر في قالب واحد. الشعر هو لغة الروح، لغة التكثيف والإيحاء والوجدان، لكن أحياناً تحتاج التجربة إلى مساحة أوسع للتعبير، إلى تفاصيل أكثر، إلى شخصيات نامية، إلى حبكة متطورة. وهذا ما وجدته في النثر القصصي.
مجموعة "عيون الغرقى" كانت ضرورة إبداعية. كنت أحمل في داخلي عالما من المشاعر والرؤى والتجارب التي لم أجد لها متسعاً كافياً في القصيدة. كانت هناك حاجة ملحة للتعبير عن هذا العالم بصوت مختلف، بلغة أخرى، في فضاء أرحب.
فكرة "عيون الغرقى" ولدت من إحساس عميق بالقلق على عالمنا، على مستقبل أجيال جديدة تواجه تحديات غير مسبوقة. أردت أن أرى العالم من زاوية مختلفة، قدمت شهادة على زمن التسعينات في الأردن من خلال عيون الأطفال والمراهقين الذين هم أكثر حساسية وصدقاً وشفافية في رؤية الواقع. أردت أن أستكشف دواخلهم، أحلامهم، مخاوفهم، تمرّدهم ورفضهم للعالم كما هو. لكنني أيضاً رافقت أبطالا في مستويات عمرية متفاوتة ومتنوّعة بينها الشاب والكهل.
الشخصيات التي ظهرت في "عيون الغرقى" كانت فعلاً تحمل ملامح روائية في بعض جوانبها. كانت تنبض بالحياة، وتحمل قصصاً تستحقّ أن تُروى بتفصيل أكبر. هذا الشعور دفعني فعلاً إلى التفكير في كتابة رواية. وانا لدي بالفعل مخطوطات روائية.
أمّا ما الذي ضاق به الشعر حتى ألجأ إلى النثر، فأقول إن الشعر يظلّ بالنسبة إليّ اللغة الأسمى، لغة الروح، لغة الكثافة والإيجاز. القصيدة قادرة على تكثيف التجربة الإنسانية في ومضة خاطفة، في صورة مكثفة، في إشارة عميقة. الشعر يلامس اللاشعور، الأحلام، الهواجس، المشاعر المتدفقة. لكن الشعر، بطبيعته، يميل إلى الاختزال والتلميح والرمز. أحياناً تحتاج التجربة إلى تفصيل أكثر، إلى شرح أوسع، إلى تتبّع مسار الشخصيات والأحداث، إلى بناء عالم متكامل. وهذا ما يوفره النثر القصصي بشكل أفضل.
في "عيون الغرقى"، أردت أن أقدّم شخصيات حيّة تتنفس، تتحرك، تعاني، تفكر. أردت أن أرسم ملامح عالمهم الداخلي والخارجي بتفصيل ووضوح. أردت أن أتبع مساراتهم في التجريب والتمرّد والرفض، وأن أستكشف دوافعهم وخلفياتهم. هذه التفاصيل، وهذا البناء، وهذه المساحة الأوسع للتعبير، لم تكن لتتسع لها القصيدة، أو على الأقل لم أكن أستطيع أن أقدمها بنفس العمق والوضوح الذي أردته في تلك المجموعة.
أرى "عيون الغرقى" محطة مهمّة في مسيرتي الإبداعية، وهي منعرج لنهر الإبداع ذاته المنفجر من قلبي. أعتبرها تجربة ثرية وممتعة، فتحت لي آفاقاً جديدة في التعبير، ومنحتني شغفاً أكبر في الكتابة النثرية. أنا أؤمن بأنّ التجربة الإبداعية يجب أن تكون حرة ومنطلقة، وغير محكومة بخطط مسبقة أو قوالب جامدة.
وبشأن سؤالك إن كنت أعتبر أن زمن الرواية/ القصة اليوم قضى على زمن الشعر، فأنا أرفض هذه المقولة تماماً. لا أعتقد أن زمن الرواية والقصة قد قضى على زمن الشعر، أو العكس. كل جنس أدبي له خصوصيته وجمهوره ومكانه في المشهد الأدبي. فالرواية والقصة اكتسبتا شعبية كبيرة في العصر الحديث، لكنّ الشعر يظلّ يحتفظ بمكانته الخاصة وقيمته الفريدة لأنّه هو جوهر اللغة، وروح الإبداع.
0 تعليق