عالمٌ في مواجهة… والحرب بصيغة جمركية: هل تشعل الصين وواشنطن فتيل الانقسام الاقتصادي الكبير؟ - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
عالمٌ في مواجهة… والحرب بصيغة جمركية: هل تشعل الصين وواشنطن فتيل الانقسام الاقتصادي الكبير؟ - تكنو بلس, اليوم الجمعة 11 أبريل 2025 11:26 صباحاً

ما يحدث الآن ليس مجرد شدّ وجذب تجاري بين قوتين عظميين، بل مشهد مكتمل لحرب باردة جديدة… أدواتها ليست الدبابات بل التعريفات، ووقودها ليس النفط بل سلاسل التوريد العالمية. في الأيام الماضية، وصل التصعيد بين الولايات المتحدة والصين إلى مرحلة تُهدد بتفكيك النظام التجاري العالمي كما نعرفه. فهل نحن أمام لحظة كسر العولمة؟ أم هي مجرد جولة أخرى في صراع طويل؟

 

خلفية الصراع: عشرون عامًا من الاحتقان
منذ انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001، والعلاقة الاقتصادية بينها وبين الولايات المتحدة تتأرجح بين الانبهار والارتياب. ارتفع حجم التبادل التجاري بشكل مذهل، لكن واشنطن لم تتوقف يومًا عن اتهام بكين بسرقة الملكية الفكرية، وإجبار الشركات على نقل التكنولوجيا، والتلاعب بعملتها الوطنية، اليوان.

 

بحلول 2018، خلال ولاية دونالد ترامب الأولى، تفجّرت شرارة الحرب الجمركية الأولى: رسوم على الألمنيوم والصلب، ثم توسعت لتشمل مئات المنتجات، من الإلكترونيات إلى السلع الزراعية.

 

الصين ردت بالمثل، وبدت الأسواق في حالة غليان. ثم جاء اتفاق “المرحلة الأولى” في 2020 كهدنة هشّة لم تُنهِ شيئًا، بل كانت مجرّد تأجيل لمواجهة حتمية.

 

ترامب يعود… والجمركة تُصبح سلاحًا شاملاً
مع عودة دونالد ترامب إلى الواجهة السياسية في 2025، عاد التصعيد. لكن الأمر هذه المرة لم يكن مجرّد إعادة تفعيل لسياسات سابقة، بل رفع غير مسبوق للحدّة:
فرضت واشنطن رسومًا جمركية بنسبة 104% على واردات الصين، شملت السيارات الكهربائية والشرائح الإلكترونية ومكوّنات الطاقة المتجدّدة.

 

الردّ الصينيّ كان سريعًا: رفع الرسوم على البضائع الأميركية إلى 84%، مع رسائل سياسية واضحة: "لن نتراجع"، بحسب بيان وزارة التجارة الصينية.

 

لكن هذه الحرب الجديدة لا تُقاس فقط بالأرقام، بل بالعمق الرمزي: كلا الطرفين يستخدم الاقتصاد لإثبات الهيمنة. ولم تعُد المسألة من يبيع أكثر، بل من يصمد لفترة أطول.

 

الأسواق ترتجف… لا أحد محصّن
في مشهد يعيدنا إلى ما قبل أزمة 2008، انهارت مؤشرات البورصة العالمية بشكل جماعي. جميع أسواق الأسهم كانت باللون الأحمر سواء. حتى الذهب انخفض من ذروته إلى مستويات 2,956 دولاراً للأونصة مع تقلّبات عنيفة وعودة لمستويات 3,062 دولاراً حين كتابة المقالة. والنفط كان أيضاً في لحظات سقوط حرّ وسط مخاوف من ركود عالميّ يضغط على الطلب.

الأسواق باتت مرتبكة لدرجة أن الملاذات التقليدية لم تعُد مأمونة. وكأننا دخلنا مرحلة جديدة من انعدام اليقين… حيث لا توجد قواعد، ولا ملاذات.

 

صورة تعبيرية (shutterstock)

صورة تعبيرية (shutterstock)

 

عولمة تتفكّك على مهل… ومصانع تبحث عن خريطة جديدة
القرارات الأخيرة دفعت عشرات الشركات متعدّدة الجنسيات لإعادة حساباتها. بعض الشركات الأميركية بدأت دراسة خيارات نقل مصانعها من الصين إلى فيتنام، المكسيك، وحتى مصر. لكن الحقيقة الصادمة أن البنية التحتية، المعرفة، وسلاسل التوريد المرتبطة بالصين لا يمكن تفكيكها بهذه السّرعة.

 

الصين ليست مجرّد مصنع، بل عقل لوجستيّ ومصرفيّ للإنتاج العالمي. ضربها بهذا الشكل سيؤدي حتمًا إلى تداعيات تتجاوز السياسة.

 

التقرير الأخير من بلومبرغ يُظهر أن ما يقارب الـ 30% من كبرى شركات التكنولوجيا الأميركية، من بينها أبل وتسلا. وفي المقابل، يخشى مراقبون صينيون من أن تسارع البلاد نحو تحالفات جديدة، ليست فقط اقتصادية، بل نقدية، بما في ذلك تسوية بعض العقود بالدولار الرقميّ أو اليوان المباشر مع روسيا، السعودية، وأفريقيا.

 

انقسام العولمة: هل نعود إلى الاقتصاد الإقليمي؟
التحوّل الأعمق في هذا النزاع أنه يُهدّد أساسًا فكرة العولمة نفسها.
حين تُفرض رسوم شاملة بهذا الشكل، وتُفكّك سلاسل التوريد، وتُبنى الجدران أمام التجارة… فإننا لا نتحدّث فقط عن أزمة، بل عن إعادة كتابة لقواعد الاقتصاد العالمي.
قد يشهد العالم انتقالًا تدريجيًا من نظام عالميّ مترابط إلى "تكتلات اقتصادية مغلقة":

• الصين تقود تحالف شرق آسيوي
• أميركا تُعيد بناء صناعتها داخليًا
• أوروبا تقف في المنتصف، وتبحث عن دور
في ظلّ هذا الانقسام، تخسر الأسواق حيويتها، وتُعاق الشركات على النمو، ويُصبح المستثمر رهينة قرارات سياسية لا يمكن التنبؤ بها.

 

الرسوم الجمركية… أم رصاصة الرحمة؟
في الظاهر، ما يجري بين واشنطن وبكين هو خلاف على الأرقام… لكن الحقيقة أعمق بكثير.
نحن نشهد مواجهة حول من يكتب قواعد المرحلة المقبلة.
وإن استمر هذا التصعيد، فلن تكون الخسارة اقتصادية فقط، بل فلسفية: تراجع الثقة في التعاون، في التكامل، وفي أن الاقتصاد يمكن أن يتجاوز السياسة.
وفي هذه اللحظة من التوتر، يبدو أن الجميع – من المستثمرين إلى المستهلكين – يدفع الثمن.

 

**رئيس الأبحاث وتحليل الأسواق في مجموعة إكويتي، أحمد عزام

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق