مقاربة مفهوم الحياد اللبناني - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مقاربة مفهوم الحياد اللبناني - تكنو بلس, اليوم الأربعاء 2 أبريل 2025 09:20 صباحاً

 الدكتور سمير حسن عاكوم

 

 

عادت مسألة الحياد اللبناني تطرح نفسها بقوة بعد الأحداث الأليمة التي دفع ويدفع ثمنها لبنان على مستوى صراعات المنطقة، ومن المهم مقاربة هذه المسألة على أكثر من اتجاه ليصار إلى وضعها في سياق خطاب وطني لبناني عالمي، هناك مقاربات متعددة للحياد يجب الاطلاع عليها لتوضيح خاصيّة الحياد اللبناني.
النوع الأول هو "الحياد السويسري" الخارجي، الذي أصبح أساس الاستقرار الداخلي والخارجي وسمح بتجنب النزاعات المسلحة منذ العام 1815. تحوّل هذا الحياد من كونه موقفًا سياسيًا إلى جزء لا يتجزأ من الدستور والمنظومة القانونية والدبلوماسية. يستند إلى مبادئ عدم التدخل في النزاعات الدولية، الاستقلالية في اتخاذ القرارات، حماية الأمن الوطني من خلال جيش قوي للدفاع، تعاون دبلوماسي والالتزام بالقانون الدولي خصوصًا اتفاقية لاهاي لعام 1907. هناك قواعد منظمة للحياد السويسري على رأسها عدم الانضمام إلى الأحلاف العسكرية، عدم السماح باستخدام أراضيها للأغراض العسكرية، حظر تصدير الأسلحة إلى دول متحاربة، الالتزام بالقانون الإنساني الدولي. هو حياد دائم، فاعل معترف به دوليًا منذ مؤتمر فيينا 1915، يتوافق مع ديمقراطية الشعب المباشرة في القضايا الكبرى. من مقوماته فعاليّة استدامة البنية الدستورية والقانونية، اقتصاد قوي ومستقل، يعززها موقع جغرافي محاط بدول كبرى وقبول شعبي لهذا التوجه. ليوفر بالمقابل الاستقرار الداخلي، سمعة دولية جيدة، استضافة المنظمات الدولية، تعزيز الدور الدبلوماسي في وساطات النزاعات الدولية.
الحياد السويسري نموذج فريد، أثبت فعاليته في تحقيق الاستقرار الداخلي والخارجي رغم المتغيرات الجيوسياسية، يمنح سويسرا قوة دبلوماسية واقتصادية وأمنية مستدامة. تعتمد عدة دول مبدأ حياد مماثل في السياسة الخارجية، ولكل منها نهجها الخاص في تطبيقه مثل النمسا، السويد، فنلندا، إيرلندا، بعضها تخلى عن حياده أخيرًا.
النوع الثاني لمفهوم الحياد هو "الحياد الكندي" الداخلي، يشير مفهوم الحياد الدستوري الكندي إلى التزام الدولة بعدم التحيز أو التفضيل في ما يتعلق بالقضايا السياسية، الدينية، واللغوية مع ضمان المساواة بين جميع المواطنين والجماعات داخل المجتمع الكندي متعدد الثقافات. ينبثق الحياد الكندي من مبادئ ديمقراطية سيادة القانون، وحماية الحقوق والحريات الأساسية. ليكفل حرية المعتقد والدين، المساواة أمام القانون. يضمن توزيع السلطات وتنوع الخصوصيات المحليّة بين الحكومة الفيدرالية وحكومات المقاطعات، يحل مفهوم الحياد مكان مفهوم العلمانية. وبذلك يُعَد الحياد في الدستور الكندي أحد عوامل تعزيز التعددية الثقافية والتسامح،  تعزيز الوحدة الوطنية، استقلالية المؤسسات العامة على رأسها القضاء والتعليم والخدمة المدنية بما يعزز ثقة المواطنين، حماية الديمقراطية بما يضمن نزاهة العمليات الانتخابية في حماية المؤسسات من التلاعب السياسي أو التأثير الأيديولوجي، مع ذلك هناك تحديات مستمرة في التوفيق بين الحياد وحماية التنوع ليكون هذا الحياد ليس فقط التزامًا قانونيًا بل ركيزة أساسية للحفاظ على التعايش السلمي والديمقراطي في كندا.
أمام هذا التنوع في المفاهيم نجد أن الحياد اللبناني يجب أن ينطلق قبل أي شيئ آخر من بناء كيانيّة دستوريّة ديمقراطيّة جامعة وعلى رأسها الالتزام الكامل بميثاقيّة مقدمة الدستور لتحقيق سيادة دولة المؤسسات الراعيّة، تترافق مع دراسة تعدد مفاهيم الحياد ومواءمتها مع الخاصيّة اللبنانيّة على مستوى الحياد الخارجي والداخلي، مع الالتزام بقضايا شعوب المنطقة من دون الانجرار إلى سياسة المحاور المتقابلة أو منطق الامتيازات الفئويّة في الحكم، دراسة معمقة للسياسة الدفاعيّة وبناء استراتيجيّة دفاعيّة أمنيّة حديثة يشارك فيها كل مكونات الشعب بما يحقق عوامل القوة اللازمة لحماية هذا الحياد ومتابعته دبلوماسيًا على المستوى العربي والإقليمي والعالمي لضمان استمرار هذا الحياد وتطوره باستمرار.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق