"النهار" تلتقي ستيفان باستيس في الشارقة: من المحاماة إلى الكاريكاتور والشرائط المصورة! - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
"النهار" تلتقي ستيفان باستيس في الشارقة: من المحاماة إلى الكاريكاتور والشرائط المصورة! - تكنو بلس, اليوم الثلاثاء 29 أبريل 2025 08:30 صباحاً

الشارقة - شربل بكاسيني

 

 

يصعب تخيّل ستيفان باستيس واقفاً خلف منصة المحكمة، يرافع بتلك الروح الساخرة والنزعة العابثة التي جعلت منه أحد أشهر رسّامي الكاريكاتور في الولايات المتحدة. ومع ذلك، قبل أن تحوّله سلسلة "Pearls Before Swine" إلى اسم مألوف، كان باستيس يمارس المحاماة؛ مهنة يتذكرها اليوم بمزيج فريد من الفكاهة والرعب المستتر.

على سلّم أولوياته كان الرسم حاضراً منذ سنيّه الأولى في مدينة سان مارينو في ولاية كاليفورنيا. في طفولته، كان يمضي ساعاتٍ طويلة في رسم الشخصيات، فيما كانت مخيلته تتشكّل باكراً على التقاط المفارقات الدقيقة في العالم من حوله. غير أنّ الواقعية- ومعها شيء من ضغط الأهل- دفعته نحو دراسة الحقوق في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس. ومدى سنوات، عمل محامياً في قضايا الدفاع عن شركات التأمين، مكتشفاً أن المهنة كانت خانقة للروح بقدر رماديات المكاتب التي احتوتها.

ظلّ الرسم ملاذه الخاص. في الصباحات الباكرة قبل المثول أمام المحكمة، وفي الليالي المتأخرة بعد عودته كئيباً إلى حضن الكنبة، كان باستيس يفرّغ إحباطاته عبر شرائط الكوميكس. محاولات أولى لم تخلُ من الإخفاق، قبل أن تنضج وتتحول إلى العالم الساخر واللاذع الذي عرفه الناس تحت عنوان "Pearls Before Swine". بشخصياته المرحة، من جرذ ساخر وخنزير ساذج إلى كائنات أخرى تحمل هشاشة البشر في هيئة حيوانات، عكس الشريط رؤية ساخرة للعالم، وأظهر غريزة بقاء: السخرية في مواجهة خيبات الكبار.

طريق مجهول نحو الكاريكاتور
"كنتُ أعيش تحت عبء ثقيل لا يُحتمل، حتى حقيبتي كانت تبدو عبئاً إضافياً على كتفي"، هكذا اختصر الكاتب ورسام الكاريكاتور، في حديث إلى "النهار" خلال مشاركته في "مهرجان الشارقة القرائي للطفل"، تلك اللحظة التي أدرك فيها أنّ عليه القفز لينجو بحياته، "أتذكّر جيداً ذلك اليوم: خرجتُ من قاعة المحكمة محطَّم الروح، رفعتُ عينيّ إلى السماء وشعرتُ كأنني على وشك الانهيار". في تلك اللحظة بالذات، أدرك شيئاً لا مفرّ منه: "أنا تعيس... إلى حدّ لا يمكن تجاهله".

كان لا بد من أن يهرب من هذا المسار بأيّ ثمن. "أدركتُ أنّ الاستمرار مستحيل، وأنّ عليّ أن أبحث عن باب آخر للخروج"، يُخبرنا، "فكرتُ: إذا تركتُ القانون، فلا بدّ من أن تكون لديّ خطة بديلة". عاد إلى البيت، أخبر والدته اعتزامه ترك وظيفته. سألته، بقلق طبيعي، عن خطته الاحتياطية، فأجابها ببساطة: "لا خطة لديّ".

اليوم، حين ينظر إلى الوراء، يرى أنّه ربما كان غياب الخطة هو ما ألزمه البقاء على الطريق الذي اختاره، مهما بدا متهوراً أو خطراً. "كانت تلك اللحظة لحظة الانفصال التام عن الخوف... ولحظة الانطلاق نحو مصيري الحقيقي".

في عام 2000، وبعد سلسلة من الرفض، جاء النجاح حين تبنّت شركة "يونايتد ميديا" نشر السلسلة التي كتبها باستيس ورسمها. وقد حظي "Pearls Before Swine" بشهرة سريعة، بفضل مزجه البارع بين اللعب اللفظي، والنكات السوداء، وما يُعرف بـ"كسر الجدار الرابع" (breaking the fourth wall) بطريقة مبتكرة، في وقت كانت شرائط الصحف الورقية تكافح للاستمرار على مشارف العصر الرقمي.

دعابة باستيس تبدو للوهلة الأولى بسيطة، لكنها تخفي تحت طياتها نظرة حادّة، لاذعة أحياناً، وهشة في أحيان أخرى، لحياة العصر الحديث. شخصياته تهزأ به علناً داخل الشريط نفسه، وهو شكلٌ من أشكال السخرية الذاتية التي تُكسِب العمل عفوية، وتتيح لباستيس أن يسبق النقد الموجّه إليه بنقدٍ يوجّهه الى نفسه. إنها تلك العلاقة التي تحمل شيئاً من الألفة الغريبة: فقرّاؤه لا يعرفونه عبر نكاته فحسب، بل أيضاً عبر عيوبه الظاهرة التي يتعامل معها بخفة دم.

مع مرور السنوات، وسّع باستيس نطاق إبداعه، ودخل عالم أدب الأطفال من خلال سلسلة "Timmy Failure"، التي تبنّتها "ديزني"، والتي تروي مغامرات صبي مخبول يحلم بأن يصبح محققاً عظيماً بمساعدة دب قطبي خيالي. وهنا أيضاً بقي صوته مميزاً: ساخر، متمرّد، متعاطف مع المنبوذين والغرباء عن هذا العالم.

الرقابة الذاتية "قيد يومي"
نسأله عمّا إذا كانت الفكاهة لا تزال تملك القوة ذاتها لدفع الحدود وكسر "التابو" كما في السابق، وهل  يشعر أنه أصبح مضطراً الى ممارسة قدر أكبر من الرقابة الذاتية مقارنة ببداياته، فيجيب أنّ "ما نراه من خطوط في القصص المصوّرة لم يعد يقتصر عليها فحسب، بل يمتد أيضاً إلى كتب الأطفال".

عندما أطلق سلسلة "تيمي"، تطرّق إلى بعض العبارات العادية بين الأصدقاء- مثل "غبي" أو "مجنون"- "كلمات اعتدنا عليها، لكنها سرعان ما فتحت عليّ أبواب الإشكال". هناك اليوم شريحة من القرّاء يُطلق باستيس عليها تسمية "قرّاء الحساسية"، وهم الذين يلتقطون أيّ كلمة قد تبدو مسيئة أو جارحة حتى لو قُدمت في سياق برئ. "هذا التوجّه يزعجني كثيراً"، يقول، "لأننا بتنا نعيش في زمن يمكن فيه تحويل كلّ عبارة، كلّ فكرة، إلى مادة مخيفة أو غير ملائمة للجميع".

ويرى أنّه "في هذا العصر، قد لا تكتفي بالخوف من النقد، بل تخشى أن تخسر مسيرتك المهنية بالكامل بسبب زلّة أو سوء فهم". في مجال نشر كتب الأطفال خصوصاً، الرقابة الذاتية "أصبحت قيداً يومياً يعيشه"، ولا يزال يتعامل مع هذه الرقابة، مضطراً إلى موازنة رغبته في التعبير مع حساسيات جمهور بات سريع التأثر.

اليوم، يعيش ستيفان باستيس في شمال كاليفورنيا، بعيداً من ساحات المحاكم، يرسم شرائط كوميكس تواصل لمس الأجيال الجديدة بروحها الذكية الساخرة. وفي مقابلاته، كثيراً ما يُعرب عن دهشته من المسار الغريب الذي اتخذته حياته، ممتناً ومبتسماً بسخرية، لأن مسيرة قضى فيها عمره يرسم حيوانات ساخرة، كانت أكثر إشباعاً لروحه من الطريق "المرموق" الذي كان مرسوماً له.

 

كادر: رحلة ملهمة لرجل في مطاردة المعنى الحقيقي لحياته

 

 

 

اقتباس: "نعيش في زمن يمكن فيه تحويل كلّ عبارة، كلّ فكرة، إلى مادة مخيفة"

 

رسام الكاريكاتور ستيفان باستيس. (سوزان يونغ)

 

6392235860.jpgشخصيات سلسلة "Pearls Before Swine".

 

ba64ef80ee.jpgكتاب من سلسلة "Timmy Failure".

 

9187687d81.jpgكتاب من سلسلة "Timmy Failure".

 

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق