في تطور مفاجئ يحمل دلالات استراتيجية عميقة، قامت الصين بنقل عدد من مقاتلاتها المتقدمة من طراز “جيه-10 سي” (J-10C) إلى مصر للمشاركة في تدريبات ومناورات جوية مشتركة مع القوات الجوية المصرية، في خطوة أثارت قلقًا واسعًا في الأوساط العسكرية والسياسية في كل من الولايات المتحدة وإسرائيل.

مناورات الصين ومصر تحدث صدمة وقلق لأمريكا وإسرائيل

وبحسب تقارير صينية ومصرية رسمية، فإن هذه التدريبات تُعد جزءًا من تعزيز التعاون العسكري بين بكين والقاهرة، وتأتي في إطار سلسلة من التمارين التي تنفذها القوات المسلحة المصرية مع عدة دول كبرى، إلا أن دخول الصين بثقلها في هذا المجال يفتح الباب أمام تحالفات جديدة قد تُغيّر موازين القوى في المنطقة، مما سبب قلق وصدمة في الأوساط العسكرية والسياسية في أمريكا وإسرائيل.

أبعاد ورسائل سياسية

التحرك الصيني المفاجئ نحو التعاون العسكري مع مصر له دلالات سياسية وعسكرية واضحة، فهو يُرسل رسالة ضمنية إلى الولايات المتحدة بأن الصين باتت لاعبًا حاضرًا بقوة في منطقة الشرق الأوسط، خصوصًا مع تراجع الدور الأمريكي التقليدي.

وبحسب تقرير نشره موقع “Global Times” الصيني، فإن المناورات تأتي في إطار تعزيز “التعاون الدفاعي مع الشركاء الإقليميين”، وأن بكين “تدعم التعددية القطبية وتعاونًا عسكريًا بعيدًا عن الهيمنة”.

الموقع ذاته أشار إلى أن مصر تمثل شريكًا استراتيجيًا مهمًا للصين في مشروع “الحزام والطريق”، وأن تعزيز العلاقات العسكرية يصب في مصلحة البلدين على المستويين الأمني والاقتصادي.

قلق أمريكي وإسرائيلي

ردود الفعل من واشنطن لم تتأخر، إذ صرّح مسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية لموقع “Breaking Defense” أن واشنطن “تراقب عن كثب” المناورات العسكرية بين مصر والصين، محذرًا من أن هذا التعاون قد يُعرض العلاقات العسكرية بين مصر والولايات المتحدة لـ”إعادة تقييم”.

أما في إسرائيل، فقد أثارت التدريبات قلقًا واسعًا في الأوساط الأمنية، وأشارت تقارير عبرية، أبرزها من صحيفة “يديعوت أحرونوت”، إلى أن التعاون العسكري بين مصر والصين، خاصة باستخدام مقاتلات متقدمة قادرة على تحدي المقاتلات الغربية، قد يُغير موازين القوة الجوية في المنطقة، خصوصًا في حال قررت مصر تنويع مصادر تسليحها بعيدًا عن واشنطن.

الخبير العسكري الإسرائيلي رون بن يشاي كتب في مقال تحليلي أن “دخول الصين إلى الساحة العسكرية في مصر هو تحرك خطير يضع إسرائيل في موضع مراقبة وتحسب، خاصة أن مصر تملك أكبر جيش عربي وتربطها اتفاقية سلام معنا، لكن تحركاتها الاستراتيجية لا يمكن تجاهلها”.

مصالح مصر وتوازنات دقيقة

من جانبها، أكدت مصر أن هذه المناورات تأتي في إطار “تنويع مصادر التسليح وتبادل الخبرات مع الدول الصديقة”، مشددة على أن “مصر دولة مستقلة في قراراتها الدفاعية، وتحرص على الحفاظ على توازن استراتيجي في علاقاتها مع القوى الكبرى”.

وتمثل المناورات المصرية – الصينية خطوة مفصلية في العلاقات بين البلدين، وتبعث برسائل عديدة إلى العواصم الكبرى، خاصة واشنطن وتل أبيب، بأن القاهرة تمضي بثبات نحو تنويع تحالفاتها وخياراتها الاستراتيجية.

ويُشار إلى أن مصر، منذ سنوات، تنتهج سياسة تنويع مصادر السلاح، حيث عقدت صفقات مع روسيا لشراء مقاتلات “سو-35” (قبل أن يتم تعطيلها)، وصفقات أخرى مع فرنسا وألمانيا وإيطاليا، والآن تظهر الصين كطرف مهم في هذا التوجه.

تفاصيل المناورات الصينية – المصرية

المناورات، التي أطلق عليها اسم “نسور الحضارة 2025”، تشمل تدريبات على القتال الجوي، والهجوم الأرضي، والدفاع الجوي، كما تتضمن تمارين على التنسيق العملياتي وتبادل المعلومات الاستخباراتية والتكتيكية بين الطيارين المصريين ونظرائهم الصينيين، وقد جرى التدريب في إحدى القواعد الجوية المصرية التي لم يُكشف عنها رسميًا.

تحولات جديدة في الشرق الأوسط

يرى محللون أن المناورات المصرية الصينية تؤكد أن الشرق الأوسط يدخل مرحلة جديدة من التحولات الجيوسياسية، حيث لم تعد الولايات المتحدة اللاعب الوحيد المؤثر في المنطقة.

ومع دخول الصين، وعودة روسيا، وتنامي النفوذ التركي والإيراني، فإن الخارطة العسكرية والسياسية للمنطقة تشهد إعادة تشكيل عميقة.

وقال اللواء د. محمد الغباري مدير كلية الدفاع الوطني الأسبق لـ” خاص عن مصر” إن مصر تسعى لأن تكون في موقع متوازن بين جميع القوى العالمية، والتدريبات المشتركة مع الصين لا تعني استبدال واشنطن، بل هي تأكيد على استقلالية القرار المصري.

وأكد أن مصر لديها علاقات عسكرية قوية مع دول مختلفة حول العالم، وخاصة أن صانع القرار المصري لديه من الأدوات القادر على استخدامها لتحقيق مصالح مصر، مشدداً أن قرار الرئيس عبدالفتاح السيسي بتنويع مصادر السلاح، ساهم في أن يكون لدى مصر استقلالية في قراراتها السياسية والاقتصادية والعسكرية.

وبينما تستمر هذه التطورات، يترقب العالم الخطوة التالية: هل تُبرم القاهرة صفقة ضخمة لشراء مقاتلات صينية؟ وهل سترد الولايات المتحدة بإجراءات لتقييد التعاون العسكري؟ أم أن المنطقة على أعتاب سباق نفوذ جديد تلعب فيه الصين دورًا غير مسبوق؟

اقرأ أيضاً: مقاتلات J-10 الصينية تحلق أعلى سفن أمريكية خلال المناورات مع مصر.. هل تهدد بكين واشنطن؟

نسخ الرابط تم نسخ الرابط