يشير التقرير إلى أن التقدم المحرز يعود إلى حزمة من الإجراءات الإصلاحية التي اتخذتها المملكة خلال العام الماضي، أبرزها تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية مكافحة الفساد وتفعيل دور الرقابة والمساءلة، عبر مؤسسات رقابية أكثر استقلالية و أتمتة عدد من الخدمات الحكومية مما قلص من فرص التدخل البشري والفساد الإداري كما وتعد هذه الخطوات جزءًا من رؤية التحديث الإداري والاقتصادي التي تسعى المملكة إلى تطبيقها لضمان تحقيق تنمية مستدامة قائمة على الحوكمة الرشيدة.

لكن ورغم هذا التقدم، لم يغفل التقرير عن التأكيد على أهمية مواصلة الإصلاحات، خاصة في المجالات تعزيز مبدأ فصل السلطات وترسيخ استقلالية القضاء و مواءمة التشريعات الوطنية مع الاتفاقيات الدولية لمكافحة الفساد و ضمان التطبيق الفعلي للالتزامات والتشريعات ذات العلاقة، بما يعزز الثقة العامة ويقوّي مؤسسات الدولة , كما ان الطريق نحو الشفافية الكاملة محفوفًا بعدة تحديات رئيسية، لعل أبرزها الفساد الإداري الصغير والمتوسط، الذي ما زال موجودًا في بعض المؤسسات الخدمية وبطء الإجراءات القضائية في قضايا الفساد، ما قد يؤثر سلبًا على الثقة العامة في فعالية المنظومة والحاجة إلى حماية فعالة للمبلّغين عن الفساد، وضمان بيئة آمنة تشجع على الإبلاغ دون خوف من الانتقام كما و يواجه الأردن تحدي فيما يخص التركيز على الوقاية لا المعالجة فقط، أي بناء أنظمة داخلية قادرة على كشف وتفادي التجاوزات قبل وقوعها.

إقليميًا، يحتل الأردن المرتبة السادسة عربيًا، بعد كل من:

1.الإمارات العربية المتحدة

2.قطر

3.المملكة العربية السعودية

4.سلطنة عُمان

5.البحرين

ويعكس هذا الترتيب تزايد المنافسة بين الدول العربية في مجالات الإصلاح الإداري وتعزيز الشفافية، وهو مؤشر إيجابي على وعي إقليمي متزايد بأهمية مكافحة الفساد كمدخل رئيسي للتنمية.

إن تحسن ترتيب الأردن في مؤشر مدركات الفساد لعام 2024 هو مؤشر إيجابي يعكس ثمار جهود الإصلاح الجارية. لكنه أيضًا تذكير بأهمية الاستمرارية، فبناء مؤسسات قوية وشفافة يتطلب عملاً دؤوبًا وتعاونًا مستمرًا بين الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص. الطريق ما زال طويلًا، لكن المؤشرات تبعث على التفاؤل.

ان الشفافية ليست مجرد مؤشر يُقاس، بل هي ركيزة للاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي. كلما زادت الشفافية، زادت ثقة المواطن في مؤسسات الدولة، وتعززت جاذبية الأردن للاستثمار الأجنبي، وهو ما تحتاجه المملكة في هذه المرحلة من الإصلاح الاقتصادي.

الارتقاء في هذا المؤشر يعزز أيضًا من سمعة الأردن الدولية، ويمنحه نقاط قوة في التفاوض والتعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين، خاصة في مجالات التنمية، والدعم الفني، ومشاريع الحوكمة.

ما حققه الأردن في تقرير 2024 هو نتيجة لإرادة سياسية واضحة، ورغبة في تحسين الأداء الحكومي والارتقاء بالخدمات. لكن التقدّم في مؤشرات الحوكمة ليس سباقًا سريعًا، بل هو ماراثون طويل الأمد، يتطلب صبرًا، واستمرارية، ومشاركة مجتمعية واعية.

إن مواصلة السير على هذا النهج، وتوسيع دائرة الإصلاح لتشمل الإعلام، التعليم، والمجتمع المدني، سيجعل من الأردن نموذجًا عربيًا ناجحًا في مكافحة الفساد.