مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما يضيء شمعته الـ 11 - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما يضيء شمعته الـ 11 - تكنو بلس, اليوم الاثنين 21 أبريل 2025 06:30 مساءً

سامر محمد إسماعيل

سعى مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما منذ تأسيسه عام 2003 إلى الاحتفاء بعروض الممثل الواحد كأصل من أصول نشأة الفن المسرحي في العالم، إذ كانت المسرحية عند الإغريق القدماء يؤدّيها رئيس الكورس (الجوقة)، وكان يطلق عليه اسم هوبوكريتيس (المجيب)، أو الشخص الذي يعبّر عن آراء غيره، ويظهر على غير حقيقته، فهو الممثل الذي كان يجري على لسانه كلام الشخصيات المختلفة، وكان يؤدي هذا الدور الشاعر نفسه، فيغير ملابسه وقناعه في خيمة قريبة من مكان العرض بما يتفق مع الشخصية المُراد تجسيدها، وبقيت الدراما على هذه الحال كما أوجدها الشاعر ثسبيس (القرن السادس قبل الميلاد) إلى أن أضاف أسخيلوس (525-456 ق.م.) الممثل الثاني، وإليه يُعزى اختراع فن التراجيديا.

وأتت الدورة الـ11 من مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما لهذا العام تحت شعار "الفجيرة مسرح مفتوح". العنوان الذي جسّده حفل افتتاح هذه التظاهرة الدولية بدعم من الشيخ حمد بن محمد الشرقي عضو المجلس الأعلى حاكم الفجيرة، وبحضور الشيخ محمد بن حمد الشرقي ولي العهد.

 

من العرض الروسي 'من يعرف أحداً'.

 

"الفجيرة حتى مطلع الشمس" هو عنوان العرض البصري الراقص الذي كان فاتحة فعاليات المهرجان، وهو من تأليف وأشعار الكاتب الإماراتي محمد سعيد الضنحاني، وإخراج عبد المنعم عمايري. جسد العرض عبر الغناء والرقص والفيديو (فرقة إنانا للفنون الشعبية) عراقة إمارة الفجيرة، وصوّرها كعروس لسواحل بحر العرب عبر تصميم لافت للكريوغراف جهاد مفلح، فيما دمج مخرج العرض بذكاء بين مستويي الشاشة والخشبة، فاستعاد لقطات من عروض مونودرامية لكل من رفيق علي أحمد، وزهيرة بن عمار، ولطيفة أحرار، وأمل عرفة.

ويتجدد اللقاء في مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما كل عامين مرة، إذ اشترك في هذه الدورة 22 عرضاً من أوروبا وآسيا وأفريقيا والعالم العربي، وتميز المهرجان بعروض الفضاءات المفتوحة التي قُدمت جميعها في رحاب القرية التراثية في الفجيرة، ومن أبرز تلك العروض مسرحيات: "تخيّل ذاتك" - (فرنسا) لفنان البانتومايم جوليان كوتيرو، و"يوميات ممثل مهزوم" - (مصر) لمؤلفه عصام نبيل ومخرجه مطر زايد العتيبي، و"بليّد بلا خرافة" - (تونس) لمؤلفه ومخرجه عبد الرحمن الشريف، بينما حضرت الإمارات العربية المتحدة في عرض "محطة انتظار" لمؤلفه ومخرجه عدنان سلوم، وقدمت المملكة العربية السعودية عرضها "تذكرة مغترب" لمؤلفه إبراهيم حامد الحارثي ومخرجه علي حسن الغراب.

 

من العرض السوري 'وجوه'.

من العرض السوري 'وجوه'.

 

حضور المرأة في المهرجان كان لافتاً لهذا العام عبر العديد من العروض العربية والأجنبية، وكان من أبرز هذه العروض: "اليوم الأخير" - (الجزائر) لمؤلفه قاسم المطرود ومخرجه نور الدين كحيل وتمثيل شهيناز دريال. وبينما شاركت جورجيا بعرض "زوجة شكسبير" لمؤلفته نينا مازور ومخرجه أفتاند يلفار سيماشفيلي، قدمت مصر عرضاً بعنوان "ودارت الأيام" لمؤلفته أمل فوزي، ومخرجه فادي فوكيه، وأداء وفاء الحكيم. البحرين أيضاً وقعت حضورها في عرض "شرخ في جدار الزمن" - لمؤلفه ومخرجه محمد الحجيري، وأداء إلهام علوي، فيما قدمت اليونان عرضاً بعنوان "ميديا الفراغ الأحمر" لمؤلفته صوفيا ديونيسو بولو، ومن روسيا أتى عرض "من يعرف أحداً" لمؤلفته دينا زوماييفا، ومخرجه يوري إيفليف، وأداء ديوبساييفا يوليا.

وتجاوزت معظم العروض توقعات جمهور الفجيرة عبر توظيف تقنيات رقمية لعروض معاصرة، كان من أبرزها عرض "مستطيل" - (إيران) لمؤلفته ومخرجته سحرا رمزانيان. استحضر "مستطيل" الذي حاز المركز الثالث شخصية الدون كيشوت ضمن فضاء متقشف تحولت فيه خشبة المسرح إلى صالة تحفُّ بها كراسي المتفرجين، وعبر توظيف تقنية الإسقاط الضوئي (الفيديو بروجكتور) أبحر الفنان سيد إمام أصفهاني في عوالم الميديا والاغتراب الذي أنتجته منظومات الذكاء الاصطناعي وبرمجياته المعقدة. "عمق ضحل" - (جائزة المركز الثاني) هو عنوان عرض الفرقة الألمانية "مسرح الأشكال التصويرية"، وفي هذا العرض البصري اللافت تحوّل جسد الممثل جان جديناك إلى ما يشبه وسيطاً مفاهيمياً في مواجهة ثنائية الوجود والعدم، وذلك عبر لعبة لا تستند إلى حكاية محددة، بل سعى المخرج جوناس غليينبرغ إلى توليف الأداء ضمن سديم من الظلال والدخان والصور الشعاعية في مقاربة لرواية "المسخ" لفرانز كافكا (1883-1924).

 

من العرض العراقي 'الجوكر'.

من العرض العراقي 'الجوكر'.

 

بدوره مسرح العرض الأرمني "تأثير ألجيرنون- جوردون" رواية "أزهار ألجرنون" لدانيال كيز، وهي أشهر روايات الخيال العلمي، إذ عملت مخرجة العرض إيلغا شاهابازيان على التعاون مع الممثل أرمان مارتيروسيان على تجسيد حكاية عن الذكاء الإنساني طرحت قضايا فلسفية عن شاب مصاب بإعاقة ذهنية يخضع لعملية جراحية تهدف لتعزيز ذكائه. لكن حياة الشاب سوف تتحول جذرياً بعد هذه العملية. في سياق متصل انتصر العرض العُماني "متر في متر" لمؤلفه أسامة السليمي وأداء سامي البوسعيدي لحضور الضوء والصوت في هذه التجربة. الممثل جسّد حكاية سجين يقف طوال العرض (47 دقيقة) في مواجهة حبل المشنقة، فبين الانتحار والإعدام يرفض هذا السجين المناضل الإذعان لسوط جلاده، مستحضراً أجواءً أقرب إلى الكابوس، وعبر مؤثرات لأصوات فئران تنقض على السجين في وحشة زنزانته الفردية.

تونس كانت حاضرة في الفجيرة عبر عرض "وحدي" لمؤلفه ومخرجه وليد الدغسني (جائزة أفضل ممثل). قدم العرض قصة سائق شاحنة يعمل على نقل البضائع على الطرق الدولية، وتتعرّض حبيبته الناشطة والمناضلة السياسية للقتل على أيدي مجهولين، فيما يكافح بطل العرض في عالم يسوده الطغيان وقتلة الأحلام. جسّد الممثل أسامة كشكير قصيدة الشاعر محمود درويش "وحدي" كخاتمة لرحلة حياة مفعمة بالمشقات والفقدان عبر أداء جسدي لافت. "قطار ميديا" كان عنوان العرض القادم من إسبانيا (جائزة أفضل عرض)، وفيه قدم الفنان رفائيل بينتو معالجة جديدة لمسرحية يوربيديس (480-400 ق.م) الشهيرة. بنية شعرية لعبت فيها الموسيقى دوراً جوهرياً في تحقيق ما يشبه ترنيمة تراوحت بين المناجاة الداخلية للممثل وبين الدفاع عن ميديا التي قتلت أطفالها انتقاماً من زوجها الذي خانها واقترن بأخرى بعدما ساعدته في الحصول على "الجزّة الذهبية".

 

من العرض الفرنسي 'تخيل ذاتك'.

من العرض الفرنسي 'تخيل ذاتك'.

 

المسرح السوري شارك في المهرجان عبر عرضين: الأول جاء بعنوان "وصية مريم" لمؤلفه جمال آدم، ومخرجه عجاج سليم، وأداء الفنان محمد حداقي. يروي العرض حكاية معلم مدرسة يصر على البقاء في بيته رغم ظروف الحرب الدموية. جسّد "وصية مريم" حكاية لافتة عمل عليها كل من مؤلف العرض ومخرجه ضمن استرجاع الشخصية لماضيها، وعبر تقنية المخاطب الغائب التي أتت هنا لتخاطب أحذية أطفال سوريين قضوا في سنوات الحرب الطويلة. بدوره قدم الفنان جهاد سعد عرضه "وجوه" عن نص الكاتب أحمد قشقارة وتمثيل الفنان سهيل حداد. يروي "وجوه" حكاية شخصيات غائبة يجري استحضارها في مقهى عبر مونولوغ طويل، ويعود فيها إلى الحياة كل من حنا مينة وغابي سعادة والياس مرقص، جنباً إلى جنب مع جورج سعد ومحمود عجان وعبد الله عبد. حدث ذلك على لسان راوٍ حاول استحضار أرواحهم، واستعاد الجمهور من خلال ما يشبه "تحضير أرواح" لفنانين وأدباء وأماكن ومقاهٍ وصالات سينما ومسارح لم تعد موجودة في مدينة اللاذقية.

وفاجأ عرض "ميا كولبا" القادم من بوركينا فاسو جمهور المهرجان بأداء لافت للممثل تشارلز نومويندي تيندريبوغو الذي وظّف الأقنعة للعبة تحولات غرائبية من قرد إلى حمار فجاموس. تحولات عكست مثيولوجيا البلاد عبر مزاوجة الضوء مع القناع، وباستعارات فلكورية لثنائية الطوطم والتابو. مهارة الأداء الجسدي تضافرت هي الأخرى في تلوين نبرة الصوت، وكسر الجدار الرابع مع الجمهور، وصولاً إلى طقسية كثيفة يتلاقى فيها السحري بالواقعي.

وكان لمونودراما المسرح المدرسي جانب مهم من مهرجان الفجيرة، إذ قدم طلاب مدارس الإمارة على مدى ثلاثة أيام 15 عرضاً مسرحياً أدّى بطولتها مجموعة من الأطفال، وجسّدوا العديد من الأفكار المستلهمة من التراث المحلي والواقع التربوي والمجتمعي. مونودراما الطفل هذه شهدت بزوغ العديد من المواهب، وأعطت مساحة مغايرة لتحقيق مستوى جديد من مسرح الممثل الواحد، فيما أصبحت الندوات الفكرية والمجال الفكري واحداً من أبرز مسارات المهرجان، إذ استقطبت العديد من الباحثين والنقاد والفنانين والمهتمين بفن المونودراما من حول العالم، وقدم هؤلاء رؤاهم النقدية والفكرية التي أسهمت في تحديث وتطوير المونودراما عبر مساراتها المتعددة في الكتابة والإخراج والتمثيل.

 

من المسرحية التونسية 'وحدي'.

من المسرحية التونسية 'وحدي'.

 

وفي هذه الدورة الاستثنائية والحافلة لمهرجان الفجيرة بكل ما هو جديد، شهد المهرجان تنظيم دورات فكرية نوعية على مستوى المضمون والمشاركون فيها. وأشرف على تسيير أعمال جميع هذه الندوات الكاتب والفنان المسرحي حمد الضنحاني بما يسهم في طرح الأسئلة الحارة حول مستقبل المونودراما في عصرنا الحالي، والحفر المعرفي في مسالكها سعياً لإضافة الجديد من البحث والمعرفة والفكر في هذا المجال، وذلك من خلال إطلاق المجال الفكري الحافل بالعديد من المحاور المتسقة.

وفي ندوة "المونودراما - تجارب ريادية عربية" تحدث كل من الفنانين رفيق علي أحمد (لبنان) وزيناتي قدسية (فلسطين) عن تجربتهما الطويلة في هذا المجال، فيما سردت الناقدة فتحية الحداد ذكرياتها عن تجربة الفنان الكويتي الراحل عبد العزيز الحداد وتجربته الرائدة في تاريخ المونودراما الخليجية. وفي ندوة المسرح الإماراتي شارك كل من الفنانين الإماراتيين حبيب غلوم، وناجي الحاي، وأحمد الجسمي، وفي ندوة "حفريات معرفية في المونودراما" قدم الباحث كورت إغلهوف (جنوب أفريقيا) دراسة عن علاقة الجسد البشري بالأنثربولوجيا الأفريقية، وذلك بما يتعلق بمسرحية المؤدي الواحد على الخشبة، فيما شرح الباحث طلال أيوب (تونس) عبر دراسة بعنوان "مسرح الشارع والمونودراما - مزايا مسرح الممثل الواحد وأثرها على المتلقي في الفضاء المفتوح".

أما الناقد أنطونيو بيزو (إيطاليا) فقدم دراسة بعنوان "المونودراما، الممثلون، والوساطة"، فيما شرح حيدر عبد الله الشطري (العراق) دراسته التي حملت عنوان "ورشوية المونودراما - أصوات جديدة". وقدمت الفنانة مروة قرعوني (لبنان) دراسة بعنوان "المسرح الفردي بين العمق الدرامي والبناء المفتوح"، ويسّر هذه الندوات الأكاديمي المصري محمد سمير الخطيب.

وضمن مسارات المجال الفكري للمهرجان، وسعياً من إدارته لرفد المكتبة المسرحية العربية بإصدارات فكرية جديدة تهتم بدراسة فن المونودراما، شهدت هذه الدورة إصدارات نوعية، إذ أصدرت إدارة المهرجان العديد من الكتب، وكان منها: "المونودراما العربية المعاصرة - قراءة ثقافية" للناقدة والكاتبة صفاء البيلي (مصر)، وكتاب "السرد المسرحي في المونودراما" لمؤلفه الناقد رمزي الهاني (مصر)، وكتاب "يوسف العاني وريادة المونودراما" لمؤلفه عامر صباح المرزوك (العراق)، وكتاب "مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما- تأريخ وإنجاز" لمؤلفه بشار عليوي (العراق)، وكتاب "قوة الفرد - المونودراما للكتّاب والممثلين والمخرجين" لمؤلفه لويس كاترون (أميركا) ونقله إلى العربية محمد رفعت يونس (مصر).

وكانت مسابقة كتابة نصوص المونودراما من أبرز المسابقات العربية التي عملت إدارة المهرجان عليها لإتاحة الفرصة لكتّاب هذا النوع الصعب من التأليف المسرحي، وعليه تشكلت لجنة تقييم النصوص برئاسة سامح مهران (مصر) وبعضوية كل من: مثال غازي (العراق)، وسامي الجمعان (السعودية)، وسامر إسماعيل (سورية) وكميل سلامة (لبنان)، ومرعي الحليان الإمارات)، وسعداء الدعاس (الكويت). وقيّمت اللجنة على مدى عملها الذي امتد لثلاثة أشهر متتالية أكثر من 700 نص من 28 دولة عربية وأجنبية، وتأهلت عشرة نصوص للقائمة الطويلة، فيما فاز بالمركز الأول نص "السماء ليست لك" لهوشنك وزيري (العراق)، وجاء في المركز الثاني نص "ثلاثة صفر" لمهند العاقوص (سورية)، أما في المركز الثالث ففاز مناصفة كل من نصي "ميسي فوق الخشبة" لمحمد دادي عدون (الجزائر) و "على شفاه الريح" لميسون عمران (سورية).

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق