نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الجيش اللبناني بين الإسلام السياسي السني المسلح وحزب الله - تكنو بلس, اليوم الجمعة 18 أبريل 2025 07:05 صباحاً
صرّح رئيس الجمهورية اللبنانية العماد جوزف عون، مؤخراً، بأنه سيقود حواراً مباشراً مع قيادة "حزب الله" بشأن تسليم السلاح للسلطات الشرعية، وبأنه مع انخراط عناصر من الحزب في المؤسسة العسكرية لتكون جزءاً منها، لا أن تكون قوة مقاومة شرعية مستقلة شبيهة بالحشد الشعبي. ويأتي هذا ضمن الجهود الكبيرة التي يقودها الرئيس عون لحل معضلة سلاح "حزب الله" التي تؤخر انطلاق جهود إعادة إعمار الدولة ومدّها بالمساعدات الدولية. وتشير التقارير إلى تقدم يُحرز في موضوع جمع الجيش اللبناني للسلاح من مواقع عدة للحزب بعيداً عن عدسات الكاميرات، منعاً لأي إحراج. إلا أن موضوع ضمّ عناصر الحزب إلى الجيش سيشكّل معضلة كبيرة داخلياً وخارجياً، ربما فاتت تفاصيلها فريق المستشارين لرئيس الجمهورية، ويتوجب الإضاءة عليها.
للجيش اللبناني تجربة سابقة ناجحة إلى حدّ ما في استيعاب عناصر الميليشيات المسلحة بعد انتهاء الحرب الأهلية وبدء تطبيق اتفاق الطائف في مطلع تسعينيات القرن الماضي. حينها تم استثناء سلاح "حزب الله" بعد اتصالات إقليمية للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، بحجة أنه مخصص لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان. الميليشيات التي دُمجت بالجيش آنذاك كانت تنتمي لأحزاب وطنية علمانية، من اليمين واليسار. وقد تحوّل قادة تلك الأحزاب إلى نواب ووزراء في الدولة، وبالتالي كانت عملية تأهيل المقاتلين تقتصر على تدريب العناصر على الانضباط، واتباع التسلسلية في القيادة، واستيعاب العقيدة العسكرية للجيش.
"حزب الله" هو حزب عقائدي يُمثّل الإسلام السياسي الشيعي المسلح الذي شكّله الحرس الثوري الإيراني ضمن مشروع إقليمي واسع النطاق، شهد العالم خطوات تنفيذه وانتشاره انطلاقاً من لبنان خلال العقود الأربعة الماضية. العديد من شباب الحزب تربّوا على عقيدة التبعية للولي الفقيه منذ كانوا أطفالاً في مدارس "حزب الله". وقاد عناصر الحزب عملية عسكرة مجموعات شيعية عربية، ونشر العقيدة في دول عدة في المنطقة بدءاً من عام 2004.
ودور العقيدة الدينية في تنفيذ العمليات العسكرية في الإسلام السياسي الشيعي لا يختلف كثيراً عن تلك المتبعة في مجموعات مسلحة تنتمي إلى الإسلام السياسي السني. فكلٌّ منهما يستخدم تشريعات وفتاوى من الجهات التي يعتبرانها تمثل السلطة الدينية. ففي حالة المجموعات السنية، مثل "داعش" و"القاعدة"، يكون الأمير هو من تُقسم المجموعة له الولاء، أو رجل دين يُمنح سلطة التشريع من الأمير. وهو من يُحلل عمليات القتل وتنفيذ العمليات الانتحارية ليتأكد المقاتل أنه ينفذ أمراً إلهياً، وبالتالي سيدخل الجنة. وفي حالة "حزب الله"، فإن الأمر أكثر تنظيماً، إلا أنه لا يختلف في الجوهر، إذ يتم إعطاء ما يُسمّى محلياً بـ"التكليف الشرعي" الذي يحدّد للأشخاص المعنيين المهمة المطلوبة منهم، ويضمن دخولهم الجنة في حال قُتلوا، إذ يُعتبرون حينها شهداء. ولم يُنكر قادة الحزب يوماً انتماءهم لجيش الولي الفقيه وعلاقتهم العضوية بالحرس الثوري الإيراني. والإسلام السياسي المسلح، بشقيه السني والشيعي، لا يعترف بالأوطان والحدود بينها، إذ إن الهدف النهائي هو الأمة وإعادة إحياء الخلافة – كلٌّ بحسب عقيدته.
لم يُنكر قادة الحزب يوماً انتماءهم لجيش الولي الفقيه. (ا ف ب)
لا توجد سابقة عالمية لتأهيل عناصر من مجموعات كانت تنتمي إلى الإسلام السياسي العقائدي المسلح وضمّها إلى صفوف القوات المسلحة، خاصة في بلد شهد حروباً طائفية ومذهبية. هل هناك خطة وُضعت من قبل قيادة الجيش لذلك؟ كيف سيتم تحويل شباب الحزب من التبعية لعقيدة دينية مرتبطة بالولي الفقيه إلى عناصر منضبطة لا تأخذ أي أوامر عسكرية من أي جهات دينية داخلية أو خارجية، وتتبع فقط هرمية القيادة في الجيش؟ هل سيتم الاستعانة بعلماء دين شيعة لبنانيين لهذه المهمة؟
ومنذ عام 2001، ونتيجة الحرب الدولية على الإرهاب، وظهور مجموعات تابعة لتنظيم "القاعدة" ولاحقاً "داعش" في المنطقة، يتركز الجهد الغربي والعربي على محاربة الإسلام السياسي السني المسلح. وقد خاض الجيش اللبناني مواجهات مع مجموعات إسلامية مسلحة في نهر البارد، ولاحقاً في طرابلس وصيدا وجرود عرسال. وتم القضاء على هذه المجموعات، وسجن العديد من عناصرها، وتستمر الأجهزة الأمنية في ملاحقة أي أفراد يحاولون التواصل معها. وهناك مئات الموقوفين دون محاكمة في السجون اللبنانية منذ سنوات بتهم الانتماء إلى هذه المجموعات.
كيف سيتم التبرير للمنتمين إلى الإسلام السياسي السني في لبنان بقبول عناصر الإسلام السياسي الشيعي في المؤسسة العسكرية ذاتها التي تطاردهم؟ هذا موضوع حساس جداً في بلد نظامه طائفي، ويجب عدم تجاهله. كما أن الإدارة الجديدة الحاكمة في سوريا وقواتها المسلحة وُلدت من رحم الإسلام السياسي السني، ما قد يشكّل إشكالية مستقبلاً إذا ما تم ضمّ عناصر "حزب الله" إلى الجيش اللبناني. والدول العربية بشكل عام، والخليجية بشكل خاص، رفضت وواجهت الإسلام السياسي المسلح بشقيه الشيعي والسني. حتى الغرب، الذي كان قد تعامل مع الميليشيات الشيعية وتعايش معها لسنوات، بات يصنّفها إرهابية اليوم ويعمل على تفكيكها ضمن سياسة حلّ أذرع إيران في المنطقة. وعليه، وبالرغم من حسن نية ونُبل فكرة دمج عناصر "حزب الله" بالجيش اللبناني، إلا أن الأمر يترتب عليه أخطار ومحاذير عدة يجب التنبه لها، تجنباً لأي فتن مستقبلية.
0 تعليق