ثلاثية الخوف - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ثلاثية الخوف - تكنو بلس, اليوم الأربعاء 16 أبريل 2025 01:00 صباحاً

ثلاثية الخوف

تعبيرية

Smaller Bigger

كانت جدتي تستعين على شواهدها بالأمثال التي حفظت الكثير منها من روايات السهارى، أو عظات الأحد، وأما جدي، فقد كانت شواهده كلها من لامية ابن الوردي، ولكل حكاية حكمة موزونة، ومقفاة، أو سجعة، على الاضطرار. لكل مقام مقال، ولكل مقال وقفة موسيقية على أوزان الخليل.
وما بين أمثال جدتي مشددة بلفظ القاف، ونواهي ابن الوردي، (لا تقل أهلي وفصلي أبداً) تجمعت مدرسة تربوية تامة، ورسخت في الأطفال المخاوف، وبدا كأن البيوت في القرى تعدّ الأجيال للجنّة وليس للحياة.
كانت جدتي تعرف وهي تكرر "أمثالها"، أنها تعبثُ باللغة، لذلك كانت تخفض صوتها في حَرَج، وفي خفر، عند مخارج الكلام. أو تلجأ كلياً إلى العامية، والمعنى في قلب الشاعر. لم تكن تعي دائماً ما تقول، أو ما تريد أن تقول. ولا كانت تدرك أننا لا نزال صغاراً على الفهم. ولم نعِ إلا شباباً ما كانت تكرره في حكاياتها، أن ثلاثة لا يعرفون النوم: الجائع، والخائف، والشاعر بالبرد.
الجميع خائفون، يكتب المفكر رضوان السيد في "الشرق الأوسط". الخوف في كل مكان. وماذا يستطيع الخائف أن ينجز؟ إنه غير قادر حتى على تحديد موعد عمل إلى نهاية الأسبوع، وهو جائع لا يستطيع أن يحدد متى يستطيع أن يسدّد فاتورة غداء، كما أنه يرتجف برداً وقراً.
هذه ليست حالة فردية، بل حالة عامة تشلّ الناس عن العمل والتفكير والإنتاج. المصاب بالآفات الثلاث، لا يستطيع أن يخطط ليوم مقبل. البؤس واليأس في لوحة معبّرة، كما يقول النقاد.
في مثل هذا الجو المحزن، ووادي الدموع، صدر، بالمصادفة، كتابان عن أشهر أيتام الملحمة اللبنانية: الطوباويان، فؤاد شهاب وريمون اده. الأول "فؤاد شهاب ما له وما عليه، بقلم الدكتور لويس صليبا". والآخر "ريمون إده عميد الديموقراطية اللبنانية"، بقلم الدكتور رياض نخول". عملان في غاية المهنية، والفارق في ألوان السيرة. شخصية ريمون إده مليئة ظرفاً وشجاعة واندفاعات. و"الأسلوب هو الرجل". شخصية كثيرة الألوان، يعارض كل مخالفة دستورية، ينتقد بلا توقف، لا يهادن ولا يساير، ولا يأخذ شيئاً أو أحداً في الاعتبار. 
كلاهما تمسك بـ"الكتاب" حتى الموت. لا أبناء ولا أصهار، ولا حوسة (حوزة). وكلاهما كان خصماً للآخر. "اللواء" بمسلكية عسكرية، والعميد بروحية مدنية دستورية أكثر عناداً وترفعاً من الصخر. طوباويان في مستنقع  من الرخويات الأخلاقية.
أليس من الروعة أن يعيش المرء في زمن ريمون إده وفؤاد شهاب؟ أليس من الفظاعة والإهانة ألا يكون لدينا غير هذين السيدين نعود إليهما كلما أردنا أن نبحث في الأمثال، على طريقة جدتي؟ ما هذا الفقر في الأنقياء الأتقياء الذين وُعدنا بهم؟ بعد انتخابه، قال الرئيس جوزف عون إنه سوف يستلهم في عهده نموذج فؤاد شهاب. ليس هناك ما هو أفضل، بعد كل تلك السنوات السيب. لا تستطيع أن تنقذ اللبنانيين إلا رغماً عنهم. فقد تعودوا الحياة في الخطأ.

العلامات الدالة
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق