تعريفة لا ترحم: حين يطارد التضخم الأميركيين إلى غرفة نومهم - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
تعريفة لا ترحم: حين يطارد التضخم الأميركيين إلى غرفة نومهم - تكنو بلس, اليوم الاثنين 14 أبريل 2025 03:02 مساءً

ليس من المعتاد أن يخشى الأميركي ارتفاع سعر كوب القهوة صباحاً بسبب قرار سياسي. لكن منذ أن أعلن الرئيس دونالد ترامب فرض تعريفة جمركية شاملة على الواردات مطلع نيسانأبريل 2025، تغيّر المشهد رأساً على عقب. لم تعد الرسوم تستهدف السيارات الألمانية والنظارات الفاخرة فحسب، بل تسللت إلى أكثر المساحات حميمية في حياة الأميركيين: السرير، المطبخ، علبة الحليب، وحتى الرموش الاصطناعية. الرسالة واضحة: لا شيء في سلة الاستهلاك اليومي بمنأى عن التكلفة الجديدة، والسؤال الذي بدأ يراود كل أسرة ليس: ماذا نشتري؟ بل: كم سنخسر؟

 

الرسم الباهظ على البذخ؟ بل على القهوة والشعر المستعار أيضاً
في لحظة واحدة، أصبح استيراد كبسولات نسبريسو من سويسرا خاضعاً لتعريفة بنسبة 31%. قد يبدو هذا رقماً عابراً لعشاق الإحصاء، لكن في الحقيقة هو تغيير في طبيعة العلاقة بين المستهلك الأميركي وسلع يستهلكها منذ سنوات من دون تفكير في مصدرها. شركة نستله، التي تبيع أكثر من 14 مليار كبسولة سنوياً، لا تصنع نسبريسو إلا في ثلاثة مصانع في سويسرا، وهذا يعني أن كل فنجان قهوة مستورد بات أغلى، ومعه ارتفعت التكلفة النفسية للبدايات اليومية.

 

وإذا كانت القهوة رفاهية يمكن استبدالها، فماذا عن المنتجات التي أصبحت جزءاً من نمط حياة الملايين؟ الشعر المستعار والرموش الاصطناعية القادمة من الصين – والتي تمثل نحو 80% من السوق العالمية – باتت تخضع لرسوم تبلغ 34%. بالنسبة الى صناعة التجميل التي تعتمد على هذه المستلزمات، يُمثل هذا القرار زلزالاً. من الآن فصاعداً، كل منتج تجميلي يُباع في صالونات نيويورك أو لوس أنجيلوس يحمل في طيّاته ضريبة جيوسياسية.

 

صورة تعبيرية (وكالات)

صورة تعبيرية (وكالات)

 

الفاتورة لا تنتهي عند حدود الكماليات… إنها تطاول السرير والمستشفى أيضاً
المفارقة المزعجة أن هذا التصعيد الجمركي لا يقتصر على مظاهر الرفاهية فحسب، بل يضرب حتى البنية التحتية للحياة الصحية. شركة Linet التشيكية، إحدى كبار مورّدي أسرّة المستشفيات الإلكترونية، أعلنت أنها سترفع أسعارها على السوق الأميركية بنسبة قد تصل إلى 20%. في بلد يُعاني أساساً من تضخم في الرعاية الصحية، تُضيف هذه الرسوم عبئاً جديداً على المستشفيات التي تكافح لضبط الأكلاف. الأسوأ أن الشركة لمّحت إلى أن تركيزها سينتقل نحو المنتجات الأعلى سعراً والأغلى ربحاً… ما يعني أن المستهلك الأميركي – أو بالأحرى المريض – هو الحلقة الأضعف في المعادلة.

 

أزياء، أثاث، وتكنولوجيا: حرب لا تستثني أحداً
الرسوم لم تُفرّق بين صناعة وصناعة. شركات الأزياء الكبرى مثل Nike وGap وRalph Lauren بدأت تشعر بالخطر، خصوصاً بعد أن شملت التعريفة الجديدة بلداناً رئيسية في سلاسل التوريد مثل فيتنام وبنغلاديش. أسهم هذه الشركات تراجعت بين 20 و30% خلال أسبوعين، وهناك مخاوف حقيقية من تسريح آلاف العمال في قطاع التجزئة إذا ما استمر هذا الضغط.

 

وفي سوق الإلكترونيات، لا حديث سوى عن آبل. فمع أن الشركة لم تصدر بياناً رسمياً، إلا أن خبراء في سلاسل التوريد يؤكدون أن 90% من مكونات الآيفون تُجمّع في الصين. والتعريفة بنسبة 54% على الصين تضع الشركة أمام خيارين أحلاهما مر: رفع الأسعار بشكل يُفقدها تنافسيتها، أو تقليص هوامش الربح بشكل مؤلم.

 

ولم يكن الأثاث في مأمن. أكثر من نصف الأثاث الأميركي يُستورد من الصين وفيتنام. والآن، حتى غرفة المعيشة قد تتحول إلى مساحة حسابية لا مالية فقط. تقارير تشير إلى زيادة بنسبة 8 إلى 12% في أسعار الأسرة والخزائن خلال الأسابيع الثلاثة الماضية فقط، والبدائل المحلية – إن وُجدت – تأتي بأسعار أعلى بكثير وبقدرة إنتاجية أقل.

 

شركات تبحث عن مخرج… والمستهلك هو الضحية الدائمة
حتى الشركات التي اعتادت توزيع الأكلاف بهدوء أصبحت تصرخ. Birkenstock، شركة الصنادل الألمانية العريقة، أعلنت أنها ستنقل ارتفاع الأسعار إلى الأسواق العالمية، وليس فقط إلى السوق الأميركية. الأمر ذاته مع شركة “أورا” الفنلندية، التي تنتج خواتم تتبع النوم واللياقة: هذه المنتجات، التي كانت تقدم بديلاً أنيقاً وصحياً من الساعات الذكية، ستشهد ارتفاعاً حتمياً في الأسعار، لتتحول من منتج عصري إلى عبء مالي إضافي على المستهلك المهتم بصحته.

 

أما البوتوكس؟ فقد دخل هو الآخر في دائرة الخطر. رغم أن الرسوم لم تطل الأدوية بعد، إلا أن المخاوف تتصاعد، خصوصاً مع اعتماد السوق الأميركية على الإنتاج الأوروبي – وتحديداً الأيرلندي – لحقن التجميل. ومع غياب التغطية التأمينية لهذه الإجراءات، سيتعين على عشاق مراكز التجميل إعادة النظر في جدول مواعيدهم.

 

هل يستطيع المستهلك الأميركي ابتلاع هذه الزيادات؟ أم أننا على أعتاب تبدّل في السلوك؟
ما نشهده الآن لا يُشبه ما حدث في عهد ترامب الأول. آنذاك، كانت الرسوم محدودة ومحصورة بالصين، والعديد من الشركات كانت قادرة على امتصاص الضربات. أما اليوم، فالواقع مختلف كلياً. التعريفة تشمل الجميع: أوروبا، اليابان، كوريا، وحتى سويسرا. ولم تعد الشركات تتمتع بهوامش ربح كافية لتأجيل التكلفة. النتيجة الحتمية؟ المستهلك سيدفع الثمن، إن لم يكن على الفور، فعلى مراحل.

 

بيانات “معهد بيترسون للاقتصاد الدولي” تؤكد أن الولايات المتحدة تستورد نحو 90% من الأحذية، و80% من الأثاث، وقرابة 100 مليار دولار من الهواتف المحمولة. هذا يعني أن غرفة الجلوس، الهاتف الذكي، وحتى الأحذية الرياضية… كلها ستصبح أغلى. في المقابل، البدائل المحلية – إن وُجدت – غالباً ما تكون أقل تنوعاً وأعلى سعراً، مما يضع المستهلك الأميركي أمام خيارين أحلاهما مر: القبول بالسعر الجديد، أو التخلي عن منتجات طالما اعتاد عليها. 

 

ما بعد الحرب التجارية… اقتصاد قائم على المفاضلات
الرسوم الجمركية الجديدة تخلق واقعاً اقتصادياً صاخباً، لا تسلم منه القهوة ولا الأسرة، ولا الأثاث ولا الجمال. إنها ليست حرباً بين دول، بل بين أنماط استهلاك، بين عولمة اعتادها المواطن الأميركي، ومحاولة إعادة تعريف الهوية الاقتصادية الوطنية. السؤال الآن: هل يستطيع الأميركي أن يعيد ترتيب أولوياته الاستهلاكية؟ أم أن الاقتصاد نفسه سيدفع ثمن هذا التغيير القسري؟

 

ما نعرفه حتى اللحظة هو التالي: غرفة النوم أصبحت أغلى، فنجان القهوة لم يعُد بداية الصباح بل بداية غلاء التكلفة اليومية… والجمركة، باتت ضيفاً ثقيلاً على المائدة الأميركية. فيبدو أن الركود سيناريو قادم لا محالة، لا بل الخوف من الركود التضخمي بات فكرة ممكنة.

**المحلل المالي الأول في مجموعة "إكويتي"، أحمد عزام

 

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق