سلطنة عُمان واحة للسلام تشهد ميلاد اتفاق جديد بين واشنطن وطهران - تكنو بلس

الجمهورية اونلاين 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
سلطنة عُمان واحة للسلام تشهد ميلاد اتفاق جديد بين واشنطن وطهران - تكنو بلس, اليوم الأحد 13 أبريل 2025 01:15 صباحاً

 في الوقت الذي يعج فيه العالم بالصراعات والنزاعات السياسية والاقتصادية والتكنولوجية بل والعسكرية، برزت سلطنة عُمان مجدداً كوسيط إقليمي ودولي حيوي ونزيه موثوق به، وذلك بفضل سياسة الحياد الإيجابي ودبلوماسيتها الأخلاقية وعدم الانحياز، والتي أكسبتها ثقة كافة الفرقاء الإقليميين والدوليين، وأهَّلتها لتكون واحة للسلام ووجهة العالم المفضلة للمحادثات السرية والعلنية، والتي ستشهد ميلاد اتفاق جديد يؤسس لمرحلة أخرى في العلاقات بين واشنطن وطهران. 

إذ احتضت العاصمة العُمانية "مسقط" 12 أبريل الحالي، أولى جولات الحوار والمحادثات بين واشنطن وطهران الأمريكية بحثاً عن حلول واقعية لأزمة الملف النووي الإيراني، النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط بعيداً عن الحلول العسكرية.

ترأس الوفد الإيراني خلال المحادثات وزير الخارجية عدنان عراقجي، فيما ترأس الوفد الأمريكي المبعوث الرئاسي ستيف ويتكوف، يأتي هذا بعد تسلّم طهران رسالة أمريكية نقلتها الإمارات، إلى إيران منتصف مارس الماضي، إلّا أن إيران اختارت

 أن تردّ برسالة من خلال سلطنة عُمان، وجعلها مركزاً محورياً تاريخياً لاستئناف المحادثات حول برنامج طهران النووي، بما قد يفضي لرفع العقوبات المفروضة عليها حالياً.
تتأسس الثقة الإقليمية والدولية لسلطنة عُمان لاحتضانها المحادثات بين واشنطن وطهران، على الخبرات التاريخية للجهود الدبلوماسية العُمانية في مجال السعي للتوصل للحلول التوافقية، التي تحقق المصالح الإقليمية للشرق الأوسط ولمنطقة الخليج والمصالح الدولية في كبح السباق نحو الحلول العسكرية، وقبل كل ذلك تحقيق المصالح الوطنية العُمانية لإحلال الاستقرار والسلام باعتباره البيئة الخصبة للبناء الاقتصادي والتنمية المستدامة.
ولطالما أكدت القيادة السياسية العُمانية بأنّ السلام الشامل في الجوار يخدم عُمان ومصالح جيرانها التجاريّة، ومن هذا المنطلق، يمكن اعتبار جهود مسقط لتيسير الدبلوماسيّة والحوار بين الخصوم الإقليميين براجماتيّة وعملية وواقعية في جوهرها.
إذ يُعد نهج سلطنة عُمان القائم على الحفاظ على الروابط الدبلوماسية الودية مع القوى المتخاصمة ودعم المفاوضات كالآلية المفضلة لحل النزاعات، الأسلوب الأكثر فعالية لصَون أولوياتها الاستراتيجية، وقد عادت هذه الجهود الحثيثة بمكاسب إيجابية عليها، إذ أكسبتها لقب "سويسرا العرب" عن جدارة، وعززت مقوّماتها كقوّةٍ حقيقية لإرساء الاستقرار بنظر الأطراف الإقليمية والدولية. 

تؤكد الوقائع التاريخية أنه لطالما ابتُليت عُمان بنزاعاتٍ عالية الاستقطاب، وعلى الرغم من تعرّضها لضغوط خارجية كبيرة لتغيير سياساتها الخارجية، لكنها قاومت هذه القوى وحافظت بحذرٍ كبير على استقلاليتها في صنع القرار وحياديتها الأخلاقية الإيجابية المستقرة، إذ تقع عُمان على الخطوط الأمامية للتنافس بين السعودية وإيران. ومع ذلك، سعت مسقط إلى تعزيز دورها الدبلوماسي الحيادي البناء كدولةٍ فاصلة لممارسة سياسة خارجية مستقلة. كما سعت جاهدةً على مر التاريخ إلى عدم الانجرار إلى الانشقاقات السياسية والعسكرية التي لا تشكّل خطرًا مباشرًا على مصالحها الأمنية الوطنية.
ثمة عوامل عدة أهلت سلطنة عُمان لأن تكون ساحة أو واحة للسلام وملتقى للحوار والمحادثات الأمريكية الإيرانية التي يصر الطرف الأول الأمريكي على أن تكون مباشرة، فيما يصر الطرف الثاني الإيراني على أن تكون غير مباشرة، الأمر الذي يقتضي من عُمان بذل المزيد من الجهود لإنجاح تلك المحادثات مثلما نجحت سابقاً في التوصل إلى الاتفاق النووي عام 2015 بعد استضافتها لنحو عشر جولات من المحادثات المباشرة وغير المباشرة بين واشنطن وطهران.
هذه المحادثات الأمريكية الإيرانية أو المباحثات اتسمت بالسرية إلى أن تم التسريب بعد سنوات عدة، وفي عام 2015، في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، تم توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة، أو ما يُعرف بالاتفاقية النووية بين إيران وست دول كبرى. إلا أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سارع إلى سحب بلاده من هذا الاتفاق عام 2018، خلال ولايته الرئاسية الأولى.لكنّه عاد هذه المرة إلى البيت الأبيض، مستعداً لإجراء محادثات مباشرة مع طهران، مُبقياً في الوقت نفسه، على لهجته التصعيدية تجاهها.
أول العوامل التي أهلت عُمان لأن تكون المكان الذي يشهد ولادة اتفاق جديد بين واشنطن وطهران مرة أخرى: ثقة طرفي النزاع في مصداقية ونجاعة الدور العُماني، كون مسقط تقف دوماً على مسافة واحدة من الطرفين، ولا تتدخل في المحادثات، إنما تعمل على توفير وتهيئة البيئة المناسبة والمكان المناسب في سرية تامة ومطلقة، ومن بين هذه العوامل أيضاً، موقع عُمان الجغرافي والجيواستراتيجي، وعلاقاتها الدبلوماسية الجيدة، واعتمادهه الحياد والمصداقية في تعاملاتها الدولية، واستقرارها السياسي الداخلي. 
هذه عوامل كلها متوفّرة في سلطنة عُمان منذ عشرات السنين، إذ تتأسس سياستها الخارجية منذ مطلع السبعينيات على مبادئ ثلاثة: الحياد والوساطة وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول. ولعل أبرز ما قاله السلطان الراحل "قابوس" في هذه الصدد يتلخص في جملته الشهيرة: "أبتعدُ تماماً عن سياسة المظاهر، والأصداء الرنّانة، ولا أسعى من وراء ما أعمل إلى خطف بريق، وسياستنا الخارجية تتلخّص في الحياد، وعدم التدخّل مطلقاً في شؤون الآخرين".
العامل الثاني: أن الحياد العُماني طالما كان حياداً أخلاقياً إيجابياً، حيال  أكثر الملفات حساسية في المنطقة، كالحرب بين إيران والعراق في ثمانينيات القرن العشرين، ومن ثم الغزو العراقي للكويت عام 1990.
وبعد تأسيس مجلس التعاون الخليجي عام1981، تمسّكت مسقط بموقفها المحايد من الحرب العراقية الإيرانية التي بدأت عام 1980 وانتهت عام 1988، خلافاً لمواقف الدول الخليجية التي وقفت حينها إلى جانب بغداد بسبب القلق من توسّع النفوذ الإيراني في المنطقة. وحافظت مسقط على علاقاتها المتميّزة مع طهران، من دون الإخلال بعلاقاتها مع دول المجلس في الوقت نفسه.
ولعل المثال الأبرز في المواقف الحيادية العُمانية يتعلق بالعلاقات مع مصر، فبعد توقيع اتفاقية كامب دايفيد بين مصر وإسرائيل عام 1978، والتي تلتها معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979، قاطعت دول عربية عدة مصر بسبب توقيعها الاتفاقية، وذلك احتجاجاً على تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وكانت عُمان من الدول العربية التي لم تقاطع مصر بعد توقيع الاتفاقية، من دون أن يؤثّر ذلك على علاقاتها مع الدول العربية الأخرى.
وفي سياق مشابه، اتخذت سلطنة عُمان موقفاً محايداً وداعماً للسلام خلال الغزو العراقي للكويت عام 1990، وعلى الرغم من أن معظم دول مجلس التعاون الخليجي قد أدانت الغزو ودعمت التدخّل العسكري لتحرير الكويت، حافظت سلطنة عُمان على سياسة الحياد والتمسّك بالحلول السلمية بدلاً من التصعيد العسكري. كما أن عُمان لم تشارك في التحالف الدولي الذي تشكّل لتحرير الكويت، لكنها في الوقت نفسه لم تكن ضد قرار التحالف.
وفي أحدث موقف للحيادية العُمانية الأخلاقية، أنها لم تشارك في العملية العسكرية لما تسمّى "قوات التحالف العربي" ضد حركة أنصار الله الحوثية في اليمن في مارس 2015، فضلاً عن التزامها الحياد حيال الأزمة التي نشبت بين دول في مجلس التعاون الخليجي وقطر عام 2017، علماً أنها أيّدت بقوة جهود الوساطة التي قامت بها الكويت لحل الأزمة الخليجية والتي انتهت باتفاق العلا في يناير كانون الثاني 2021.
وقد واصل السلطان هيثم بن طارق تطبيق وتنفيذ الدبلوماسية العُمانية في الحياد الإيجابي والأخلاقي القائم على العمل على إحلال السلام والاستقرار الإقليمي والدولي، وهو ما جسده في مساعيه الدؤوبة للعمل على إعادة العلاقات بين السعودية وإيران، وقد شكّل اتّفاق إعادة التطبيع بين البلدين في مارس 2023 نقطة تحوّل في دبلوماسيّة الشرق الأوسط الحديثة. 
ورغم أنّ الصين حظيت بمعظم الثناء لدورها في المصالحة، كان العمل الشاق الذي أُنجز في خلال العامين السابقين من صنع سلطنة عُمان والعراق إلى حدّ بعيد. وعندما أدرك الوسطاء العُمانيون والعراقيون أنّ دعم قوة عالميّة رئيسيّة سيعزز من قوة الاتفاق وسيجعله أكثر استدامةً، طلبوا أن يُوقَّع الاتّفاق في بكين برعاية الصين.
ولم تقتصر الوساطة العُمانية على الأزمات الكبرى، بل شملت قضايا إنسانية، كدورها في إطلاق سراح رهينة فرنسية كانت قد اختُطفت في اليمن عام 2015. ومحطات أخرى لإطلاق سراح رهائن بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، وأيضاً بين إيران وبلجيكا.
وعلى أية حال يمكن القول أن احتضان مسقط للمحادثات الأمريكية الإيرانية، سيشكل ويدشن  مرحلة جديدة لما بعد 2018، وربما تكون هذه الجولة التي تنطلق في 12 أبريل 2025 بداية جديدة بمعطيات مختلفة وجولة أولي يتبعها جولات أخرى تستغرق وقتاً للتوصل إلى حلول توافقية يرتضيها الطرفين، منذ انسحاب واشنطن من اتفاق 2015، وتقلص قوة حلفاء طهران في المنطقة، مما يفرض معادلات ومساومات جديدة. 
وفي الوقت الذي ستركز فيه مطالب واشنطن في محادثات مسقط، على الحد من نفوذ طهران وتقييد برامجها العسكرية والنووية، وإخضاعها لتفتيش دولي دوري مكثف، مقابل أن تحصل إيران على تخفيف للعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها في قطاعات مثل النفط والبنوك والتجارة، ترغب طهران في مفاوضات ندية ومتوازنة على أساس الاحترام المتبادل، لكي تحصل على امتيازات تتناسب والقيود التي ستقبل بها على برنامجها النووي ونفوذها الإقليمي.
ويبقى أن قطار الدبلوماسية والحوار الذي تحتضنه سلطنة عُمان وينطلق من أراضيها هو الذي يتحرك الآن، وثمة أمل في صفقة تبعد شبح الحرب وتحقق السلام، خاصة أنه عقب انسحاب ترامب من الاتفاق، عادت إيران إلى تخصيب اليورانيوم بمستويات أعلى من المسموح به في الاتفاق.

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق