نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
إضراب عالمي من أجل وقف إطلاق النار في غزة: هل يصح المزاح في قضية كهذه؟ - تكنو بلس, اليوم الأربعاء 9 أبريل 2025 11:39 صباحاً
مضى أكثر من سنة وثلاثة أشهر على الدعوة الأولى لإضراب عالمي من أجل وقف إطلاق النار في غزّة، في 11 أيلول (ديسمبر) 2023. كانت حرب إسرائيل على غزّة في بداياتها ولم نكن نتكلّم بعد عن إبادة جماعيّة وعن تهجير لسكان القطاع.
الدعوة الثانية للإضراب العالمي في 7 نيسان 2025 تقاطعت مع وصول نتنياهو الى واشنطن لمقابلة ترامب، فيما مأساة ابادة شعب غزّة وتهجيره أصبحت شبه غائبة عن اهتمامات الدول ومؤسّسات الأمم المتّحدة، وذلك بعد تحركات شعبيّة وطلابيّة واسعة في الغرب، وبعد قرارات لمجلس الأمن الدولي طالبت إسرائيل بوقف إطلاق النار، فضلاً عن الاتفاق الأخير على هدنة لم تحترمها اسرائيل، رعتها بعض الدول الفاعلة مثل الولايات المتّحدة الأميركيّة وفرنسا ومصر وقطر.
"الفكرة العظيمة"، بحسب نتنياهو، بتهجير سكان غزة، والتي أطلقها ترامب مع بداية عهده، يبدو ان تطبيقها أصبح أكثر احتمالاً وقد تكون هذه المسألة الخطيرة من المواضيع التي سيناقشها نتنياهو مع ترامب في زيارته الحالية.
الدعوة الثانية الى الإضراب العالمي تأتي في هذا الظرف. الدعوة الأولى لم تلقَ تجاوبًا عالميًّا إلاّّ من قِبل بعض المجموعات المحليّة المتفرّقة، التي نظمت مسيرات ولم تضرب. وكذلك الدعوة الثانية. التجربتان الفاشلتان تستدعيان ملاحظات صارمة:
1- لم تُعرَف هويّة الداعين للإضرابين وما إذا كان جرى التنسيق بينهما وبين النقابات الفلسطينية أو بينهما وبين النقابات والجمعيات المعنيّة بالإضراب في العالم. البعض قال ان الدعوة أتت من الاتحاد العالمي للنقابات، وهو وريث الاتحاد العالمي للنقابات الذي كان بقيادة نقابات الاتحاد السوفييتي، والذي فقد اليوم الكثير من قدرته التمثيلية بالمقارنة مع الاتحاد الدولي للنقابات الذي تقوده النقابات الأوروبية والاميركية. في جميع الحالات الأمر مستغرب جداً لا بل مُستنكر ان يلف الغموض دعوة بهذا الحجم تتعلق بقضية حياة أو موت شعب بأكمله.
2- الإضراب العام الذي يوقف العمل على كامل أراضي دولة معينة، كان حلمًا راود الحركات العمّاليّة منذ نشأة الرأسماليّة، فاعتقد بعض المنظرين لكيفية القضاء على الرأسمالية، انه بالإمكان من خلال هذا الإضراب قلب الأسس التي قامت عليها الرأسماليّة والتي لا يمكن ان تستمر بدون عمل العمّال. لكن هذا الحلم لم يتحقّق، وجرى اختبار صعوبة تنظيم اضرابات عامة، فاستُبدِل الحلم بمقاربات أكثر براغماتيّة وواقعيّة توفّق بين الإضرابات القطاعيّة والمفاوضة بهدف إدخال إصلاحات على النظام القائم بدل تغييره. وعرفت بلدان العالم اضرابات عامة نادرة، نجح بعضها في إطار ثورات قامت ضد الأنظمة القائمة او ضد حكامها.
3- جرى انتقال مفاجىء من التظاهرات والاعتصامات من أجل فلسطين، لكن بعد أن همدت، الى الدعوة الى الإضراب العالمي. وهذا النوع من الإضرابات يحتاج لإنجاحه، اولاً الى ظروف ملائمة وثانياً الى تحضيرات ضخمة تتطلب جهدا وتنسيقا اكبر بكثير من الإحتجاجات في الشارع. كما يفترض ذلك مواجهة تحدّيين كبريين على الاقل.
التحدي الاول: انه إضراب والاضراب هو من صنع العاملين، عمالا وموظفين. صحيح أن العاملين يتحملون أكثر من غيرهم عبء الحروب والاعمال العسكرية، وهم بالتالي يتحسسون الحاجة الى وقف الحروب. لكنهم في اضراباتهم المعتادة يرفعون المطالب الاجتماعية والاقتصادية التي تنعكس مباشرة على معيشتهم، في حين ان إضرابهم من أجل غزة، يتطلب التضحية ببدل اتعاب يومهم، ليصوّبوا رمزيا على الأرباح، المحرّك الأول للحروب والغزوات، ودون رفع مطالب خاصة بهم. كما عليهم ان يقولوا في إضرابهم أن البشر أهم من الارباح، وان وقف عجلة الانتاج غير ذات شأن، اذا كان الهدف هو إنقاذ أرواح الفلسطينيين واحلال السلام.
للاسف هذا الوعي العمالي المتقدّم غير متوفّر على مستوى معظم بلدان العالم، ولا سيما في البلدان العربية، حيث نقرأ في بيان اتّحاد عمّال عربي في دولة محاذية للأراضي المحتلّة ما حرفيّته: "يدعو الاتحاد العام كافة العاملين في مواقع العمل والإنتاج وسائر القطاعات والأنشطة الاقتصادية إلى عدم الإستجابة لدعوات الإضراب بحجة دعم الأشقاء في غزة والتضامن معهم، ويؤكد ان نصرة الأشقاء في غزة والتضامن معهم لا يكون بالاضراب والتوقف عن العمل وإلحاق الضرر بالاقتصاد الوطني. أن الإضراب في هكذا حالات غير قانوني، والعامل يتحمل المسؤولية القانونية في حال التوقف عن العمل. أن دعم غزة ونصرتها يكون بالوقوف في خندق الوطن، والتمسك بمواقف الدولة الجريئة والواضحة".
لم يصدر عن اتّحادات عربيّة أخرى مواقف بهذا الوضوح رفضًا للإضراب، كما لم يصدر عن أي واحد منها، بما فيها الاتحاد العام اللبناني، دعوة صريحة للمشاركة بالإضراب، باستثناء اتّحاد نقابات عمّال فلسطين الذي نفّذ إضرابًا شاملاً في الضفة الغربيّة. لكن في بعض البلدان العربية، وخاصة في المغرب، استعيض عن الاضراب بتجمعات ومسيرات شعبية. وللعلم ان معظم الاتحادات النقابية العربية تخضع في تركيبتها وفي توجهاتها للأنظمة العربية.
التحدي الثاني: من المفترض انه إضراب عالمي، لا وطني ولا قطاعي. وكأنه مطلوب من الانسانية جمعاء ان تحتج على دوس الانسانية وقهرها في غزة. وكأنها انتفاضة عمال وشعوب العالم ضد حكومات العالم ومؤسساتها الاممية، اللامبالية بحياة شعب بأكمله. وكأنه صوت عمال وشعوب العالم يصدح عالياً بأن الشعب الفلسطيني هو شعب أيضا، ومثل غيره يستحق الحياة والحرية والكرامة.
للأسف لم يصدر أيضاً مواقف صريحة من المنظمات النقابية الدولية تدعو فيها للمشاركة في الإضراب، وهي الاتحادات التي تجمع النقابات على المستوى العالمي، ومن المفترض ان تقود إضراباً عالمياً. معلوم انه للأسف، تسيطر النقابات الأوروبية والأميركية على مراكز القرار في الاتحادات النقابية الدولية.
هذه الدعوات غير المدروسة الى الإضراب العالمي، وبالإضافة الى توقع فشلها الحتمي، يمكن ان تعطي انطباعاً وكأن معظم عمال العالم هم مع اسرائيل وضد القضية الفلسطينية، في حين اني اختبرت شخصياً في عدة مناسبات عدم صحة هذا الانطباع، حتى في ما يتعلق بالقاعدة العمالية في اوروبا واميركا. لكن تظهير تأييد عمال العالم للقضية الفلسطينية يحتاج الى تواصل وتنسيق حثيثين من قبل النقابات الفلسطينية وحلفائها في العالم.
يبدو ان هذا "اللامعقول" الذي يجري في غزة، انسحب في عبثيته، على ذهنية بعض الذين يريدون الدفاع عن غزة، فإنجروا الى مبادرات عشوائية تضعف من القضية الفلسطينية بدل أن تقوّيها.
0 تعليق