نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
تأثير قرارات الإدارة الأميركية على الاقتصاد في الخليج - تكنو بلس, اليوم الثلاثاء 8 أبريل 2025 05:01 صباحاً
من الخطأ الافتراض أن الحرب التجارية التي اندلعت بين الولايات المتحدة وحلفائها الأقدم وأيضاً الصين ودول أخرى أمر لا يعنينا، أو لا توضع له تصورات مسبقة لتخفيف الأضرار وتعظيم المنافع إن وجدت. نحن في مرحلة تنتقل من حرية التجارة التي سادت بعد الحرب العالمية الثانية، إلى مرحلة جديدة لها عنوان: "التجارة العادلة" على صعوبة تحديد المفهوم.
استيقظ العالم صباح الخميس الماضي على حجم القرارات وشمولها في ما سماه الرئيس الأميركي "يوم التحرير"، وقد شملت تلك القرارات معظم الدول، صغيرها وكبيرها في العالم الأول أو الثالث.
البعض يرى أن ثمة تبريراً وهو أن الولايات المتحدة اتخذت تلك القرارات بسبب أن منتجاتها تعامل بالصورة نفسها، إلا أن ما يؤخذ عليها أنها شاملة، مفاجئة وفي بعضها غير مبررة، ما أطلق عليها الحرب التجارية التي بدأت ولا يعرف أحد متى وكيف تنتهي!
الرسوم على المنتجات الآتية إلى الولايات المتحدة بالضرورة تؤدي إلى ارتفاع التكاليف التجارية على دول الخليج التي تعتمد بشكل كبير على الواردات الصناعية والتقنية الواردة من الولايات المتحدة، كما تؤثر الحرب التجارية على الاستثمارات الخليجية في كل من الصين والولايات المتحدة، كما تزيد من تذبذب الأسعار، وترفع نسبة عدم اليقين الاقتصادي. السلعة الأساس في التصدير لدول الخليج هو النفط، وتباطؤ الإنتاج الصناعي الصيني، الذي سوف يتأثر بتدني الطلب ما سوف يقلل من الاستهلاك، بشكل قد يكون مؤثراً في اقتصاديات دول الخليج؛ فقد أصبح النفط ساحة حرب تجارية خلفية، من جهتين: الأولى إنتاج أكثر من الداخل الأميركي، والثاني احتمال تدفق النفط الروسي إلى المستهلكين في القريب، واليوم يسعد المستهلك الأميركي في هذا الملف، إذ انخفضت تكلفة شحن السيارة بالبنزين في المدن الأميركية بشكل ظاهر، إلا أن بقية السلع بدأت أسعارها في الصعود .
تشديد العقوبات على إيران سوف تتأثر به بعض أسواق الخليج، والتي تعتمد جزئياً على التجارة البينية مع إيران، ما يزيد عدم اليقين الاقتصادي، وإن تم الاشتباك العسكري المباشر بين إيران والولايات المتحدة، فإن المنطقة سوف تدخل في منعطف لا يعرف أحد كيف وبأي شكل سوف تخرج منه.
الفضاء التجاري والاقتصادي والتقني والجيوسياسي، يتحول بشدة من اليقين الذي ساد إلى عدم اليقين، فمن الأوفق أن تقوم الدوائر المختصة في دول الخليج بالنظر، جماعياً إن أمكن، إلى الخيارات المتاحة والممكن تنفيذها لتمرير فترة اللايقين التي تحوم حول العلاقات الاقتصادية الدولية والأوضاع السياسية، لعل أولها حماية أسعار النفط. وعلى الرغم من وجود منظمات دولية تشارك فيها معظم دول الخليج لمتابعة سياسة العرض والطلب العالمي على النفط، مثل "أوبك"، فالأمر يحتاج إلى مبادرات مجتمعة لضبط آلية السوق، والحفاظ على مستوى من أسعار النفط يكون مريحاً للميزانيات الموضوعة، وأما الخطوة الأخرى، فهي تفعيل شعار "تنويع مصادر الدخل" وعلى رأسها العمل على تجويد رأس المال البشري، والذي يمكن أن يقال إنه في الخليج قاطبة مريح من حيث الكم، ولكنه فقير نسبياً من حيث الكيف، حيث ترقية التعليم من حيث الكيف تعني استطاعة رأس المال البشري تقليص الاعتماد على التكنولوجيا المستوردة، وتوليد أفكار تقنية محلية تساعد الاقتصاد على النمو. من هنا فإن صرف ميزانيات مجزية على البحث والتطوير وتجويد التعليم، هو استثمار له الأهمية القصوى في سبيل تنويع الدخل.
طبيعة الاقتصاد تتغير، فمعظم الشركات الكبرى في الولايات المتحدة تعتمد على "القوة الناعمة" كمثل "مايكروسوفت"، "غوغل" وغيرها، وهي نتاج رأس المال البشري، وليس رأس المال أو حتى المواد الخام!
العالم يشهد اليوم عملية متعاكسة، إذ تقلصت ميزانيات البحث العلمي في الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه الصين تضخ ميزانيات ضخمة للبحث العلمي والتطوير، وتتحدث عنها حتى المصادر الغربية.
يأتي بعد ذلك بناء الشراكات؛ لقد تم تسويف الشراكة الجماعية بين دول مجلس التعاون وبين الاتحاد الأوروبي لفترة طويلة. فقط أخيراً انتبهت تلك الدول إلى أهمية الشراكة مع دول الخليج مجتمعة، فتم اجتماع قمة في العام الماضي (تشرين الأول / أكتوبر 2024). بناء الشراكة مع الاتحاد الأوروبي خطوة متقدمة، وهناك أيضاً الصين والهند، وهي القوى الأقرب وسريعة الصعود في الاقتصاد العالمي، وهي تحتاج، في هذه المرحلة، إلى أسواق وأيضاً إلى رأس مال.
سياسة الولايات المتحدة الاقتصادية، حتى لو كان أثقلها على دول أخرى، لها تأثير ملموس على الاقتصاد الخليجي. لذلك فإن المعادلات بدأت تختلف ومن الواجب أن تواكبها سياسات إقليمية تتطيف معها باتجاه تقليل المخاطر وتعظيم المكاسب.
0 تعليق