نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مسرح كركلا اللبنانيّ العالميّ: هويّة تراث وثراء تاريخ - تكنو بلس, اليوم الاثنين 7 أبريل 2025 12:59 مساءً
اللّغة العربيّة للمعفيّين من تعلّمها بحسب المنهج اللبنانيّ الرسميّ
مدرسة الليسيه مونتاين – بيت شباب
منذ قرّر المايسترو عبد الحليم كركلا أن ينتقل من عالَمِ البُطولَةِ في القفز العالي بالعصا إلى عالم الفنّ، أصبحت رحلته رمزًا للإبداع والتحدّي في العالم العربيّ. بدأ كركلا مسيرته الفنّيّة بعد أن اكتشف المستشارُ الفرنسيُّ أندريه بونيه قدراته الإبداعيّة، فأرسله للدراسة في أوروبا، حيث تعلّم فولكلور شعوب العالم.
عندما أنهى دوراته، عاد كركلا إلى لبنان مُدرّبًا في مهرجانات بعلبك الدوليّة حيث عمل مع المستشار الألمانيّ الكوريغراف فرانس باور بونتوليه، الّذي حثه على تنمية موهبته بالعلم والمعرفة، فالتحق بمدرسة "London School of Contemporary Dance" في بريطانيا، الّتي أسّستها مارتا غراهام، رائدة الرقص المعاصر، وتخرّج منها حائزًا على ماجستير بفنّ الكوريغرافيا.
بعد أن أغنت لندن ثقافته الفنّيّة، عاد إلى لبنان، ليحقّق حلمه بتأسيس أوّل مسرح عربيّ راقص، لكن لم تكن المهمّة سهلة، فلم يكن هناك راقصون محترفون إلى جانب نظرة المجتمع السلبيّة تجاه الرقص آنذاك. لكنّ ذلك لم يردعه بل جعله أكثر إصرارًا على تحقيق حلمه، فاستقطبَ الطاقات الرياضيّة، وحوَّل الرياضيّينَ إلى راقصين محترفين، وابتكر لغة رقص جديدة تُعرف بأسلوب كركلا، الّتي تقوم على تلاقي تقنيّة الغرب مع التراث العربي. نجح في تأسيس أوّل مسرح عربيّ للرقص المسرحيّ (Caracalla Dance Theatre) عام 1968.
منذ بداياته، تلقّى كركلا دعوات عالميّة، ابتدأت في معرض أوساكا الوطنيّ في اليابان، حيث قدّم مسرحيّة "لبنان عبر التاريخ" الّتي كتب مقدّمتها الشاعر الكبير سعيد عقل.
شَكَّلَت أبوابُ العالميّةِ الَّتي انفتَحَت أَمام كركلا مَحطَّةً مفصليَّةً في مَسيرَتِه، وكانَ تعرّفه على فرانكو زيفيريللي، المخرج المسرحيّ والسينمائيّ الإيطاليّ، مِن أبرز المحطّات المضيئة في مسيرته. أسهمت الصداقة بين المايسترو والمخرج في ترسيخ رؤية كركلا المسرحيّة وإبراز الفنّ اللبنانيّ والتراث العربيّ على الساحة الدوليّة؛ وبِخاصَّة بعدما وضعَ زيفيريللي فريقه التقنيّ في خدمة مسرح كركلا بإشراف المخرج إيفان كركلا، ما أتاح له تطوير إنتاجه والوصول إلى مستويات فنيّة وتقنيّة غير مسبوقة. ومِن 40 سنة إلى اليوم، لا يزال الفريق يعمل مع مسرح كركلا في تصميم الإضاءة والسينوغرافيا والبثّ الإفتراضيّ، بإشراف المايسترو كركلا، كوريغرافيا أليسار كركلا وإخراج إيفان كركلا.
تناولت إبداعاتُ كركلا أكبر الصحف والإعلام العالميّ، وتقدّمت أعماله على أهمّ المسارح ودور الأوبرا حول العالم. فمسرحيّة "ألف ليلة وليلة" الّتي قدّمها المايسترو في لندن، نافست أهمّ الفرَق في روسيا فرقة "بوريس إيفمان" وفي أوروبا فرقة "موريس بيجار" حيث كانت الفرق الثلاث تقدّم عروضها في الأسبوع نفسه، وكانت تلك المنافسة تتويجًا عالميًّا لإبداع كركلا، إذ كتبت صحيفة الـ Daily Telegraph :
One night of Caracalla is better than one night of Bejart.
وصنّفت صحيفة الـSunday Express مسرحية "ألف ليلة وليلة" لكركلا بثلاث نجوم، في حين أعطت نجمتَيْنِ لمسرحيَّة "ريد جيزيل" لبوريس إيفمان.
حرص كركلَّا على تقديم أعمال تُجسّد تاريخ القادة العظماء وقيمَهم، منها "زايد والحلم"، الّتي تروي مسيرة سمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، موحِّد الإمارات العربيّة المتّحدة. وحصلت هذه الأعمال على تقديرٍ عالميٍّ، فنال كركلا أوسمة من دول عدّة، بينها الإمارات حيث نال وسام الاستقلال، ومن الجزائر وسامًا من رتبة عهيد إلى جانب أربعة أوسمة من الدولة اللبنانيّة.
هذا المسرح المتمسّك بالجذور، طار بإبداعاته، وانفتح متعاونًا مع كبار المبدعين، بكوريغرافيا أليسار كركلا وإخراج إيفان كركلا. ورغم التحدّيات الّتي واجهتها الفرقة، كغياب الدعم الرسميّ، استطاعت أعماله أن تُثبت نفسها كقوّةٍ فنيّة عالميّة، متمسّكة برسالتها الثقافيّة والفنّيّة.
ختامًا، يمكن القول إنّ كركلا ليس مسرحًا ترفيهيًّا، ولا هو مجرّد فرقة رقص، بل هو مسرح يحمل رسالة لبنان والثقافة العربيّة إلى أكبر المحافل ودور الأوبرا العالميّة، معبرًا عن أصالة شعب وثراء تاريخ.
0 تعليق