رسوم ترامب الجمركية: العالم يترنّح والصين تتوعّد بردّ الصاع صاعين - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
رسوم ترامب الجمركية: العالم يترنّح والصين تتوعّد بردّ الصاع صاعين - تكنو بلس, اليوم الاثنين 7 أبريل 2025 08:29 صباحاً

لم يكن الثاني من نيسان (أبريل) 2025 عادياً في عالم الاقتصاد. اختاره دونالد ترامب ليعلنه "يوم التحرير" الأميركي، كاشفاً عن أكبر موجة للرسوم الجمركية منذ قرن من الزمن تقريباً. لكنه، على أرض الواقع، بدا أشبه بيوم قيامة تجاري. 

فرض ترامب تعريفة موحّدة بنسبة 10% على الواردات الأميركية كلّها، ثم رفع السقف إلى 50% على عشرات الدول. كندا والمكسيك نالتا استثناءً مؤقتاً، لكن باقي دول العالم، من حلفاء إلى خصوم، تلقوا الصفعة كاملة. الصين، التي كانت الهدف غير المعلن، وجدت نفسها في عين العاصفة.

يتأرجح التبرير الرسمي للخطوة بين خطاب قومي يسعى إلى إعادة التصنيع إلى الداخل الأميركي، وحسابات مالية تبحث عن موارد تموّل التخفيضات الضريبية الضخمة التي وعد بها ترامب في عام انتخابي حساس. يقدّر البيت الأبيض العوائد الجمركية السنوية المتوقعة بنحو 600 مليار دولار، أي ما يقارب 6 تريليونات خلال عقد من الزمن. إلا أن هذه الإيرادات تأتي في مقابل ثمن باهظ: تشير نماذج الاقتصاد الكلي إلى أن هذه الرسوم سترفع الأسعار بنسبة 9.5%، وتخفض الناتج المحلي الإجمالي الأميركي بنسبة 1%.

ردة فعل الأسواق لم تتأخر. في اليوم التالي، خسر مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" نحو 3.2%، في حين تراجع مؤشر "داو جونز" بأكثر من 950 نقطة، وارتفعت أسعار الذهب 4% مسجلة أعلى مستوى لها منذ الأزمة المصرفية في 2023. أما في سوق السندات، فقد انخفض عائد سندات الخزينة التي تستحق بعد 10 سنوات إلى 3.92% بعدما كان مستقراً حول 4.3% قبل أسبوع فقط، ما يعكس توقعات الركود التي بدأت تتغلغل في الأسواق.

أما الدولار الأميركي، فعاش لحظات من التخبّط. في البداية، تراجع أمام معظم العملات مع إعلان الرسوم، لكنه سرعان ما استعاد بعض مكاسبه حين تبيّن أن بعض الدول ستُعفَى جزئياً أو مؤقتاً. غير أن الخسارة الكبرى كانت في آسيا. فقد تراجع اليوان الصيني أمام الدولار بنسبة 1.8% في غضون ساعات، بينما هبط الدولاران الأسترالي والنيوزيلندي بنسبة تجاوزت اثنين في المئة، وأظهرت عملات مثل الوون الكوري والروبية الإندونيسية تراجعاً حاداً أيضاً. لاحقاً، أشار صندوق النقد الدولي إلى أن الأسواق الناشئة الآسيوية قد تخسر ما بين 0.7 و1.4% من ناتجها المحلي الإجمالي إذا استمرت هذه السياسات خلال 12 شهراً.

أطلق الزلزال الأميركي موجة ارتدادية حول العالم، لكن الارتداد الأقوى جاء من بكين. الصين، التي خضعت إلى رسوم "مقابلة" بنسبة 34% طاولت صادراتها إلى أميركا، اعتبرت الخطوة "عدواناً اقتصادياً سافراً". فقد أصدرت وزارة التجارة الصينية بياناً حادّ اللهجة، اتهمت فيه واشنطن بخرق قواعد منظمة التجارة العالمية وممارسة "تنمر اقتصادي". وأضاف البيان أن "الحرب التجارية لا رابح فيها، والحمائية ليست طريقاً نحو المستقبل".

ولم تكتفِ الصين بالكلام. أعلن المصرف المركزي الصيني عن إجراءات لدعم السيولة في السوق الداخلية وتثبيت سعر صرف اليوان، كما طلبت الحكومة من الشركات الكبرى تنويع أسواق التصدير بعيداً عن الولايات المتحدة. وفي تطوّر لافت، أصدرت وسائل الإعلام الرسمية مقاطع مصوّرة وأغانٍ بتقنية الذكاء الاصطناعي تندّد بسياسات ترامب وتدعو إلى "الصمود القومي". هذا المشهد يعيد إلى الأذهان بدايات حرب عام 2018 التجارية، خلال ولاية ترامب الأولى، لكن مع فارق حاسم: اليوم، بكين أقوى، وأميركا أكثر انقساماً.

اقتصادياً، تبلغ الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة نحو 560 مليار دولار سنوياً، ومع متوسط تعرفة جديدة بحدود 54% بعد احتساب الرسوم السابقة، فإن أكثر من 300 مليار دولار من المنتجات الصينية باتت مهددة بفقدان قدرتها التنافسية. وعلى الجانب الآخر، تمثّل السوق الأميركية نحو 17% من إجمالي الصادرات الصينية، ما يجعل الردّ الصيني حتمياً، لكن مدروساً. أحد السيناريوهات المطروحة في بكين هو تقليص صادرات المعادن النادرة إلى الشركات الأميركية، وهي معادن تدخل في صناعة السيارات الكهربائية والشرائح الإلكترونية، ما قد يشلّ سلاسل الإنتاج في عدد من القطاعات الحيوية داخل الولايات المتحدة.

في أوروبا، كان الرد متحفظاً في اللهجة لكنه صارم في المضمون. أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين عن حزمة تدابير انتقامية قيد التحضير، ووصفت ما جرى بأنه "ضربة كبرى للاقتصاد العالمي". المستشار الألماني أولاف شولتس قال بوضوح إن الاتحاد الأوروبي "لن يقف مكتوف الأيدي"، بينما وصف وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك "يوم التحرير" الأميركي بـ"يوم التضخم". في فرنسا، اعتبرت الحكومة أن ترامب "يتصرّف كسيّد للعالم"، في حين أشارت إيطاليا إلى أن "الحرب التجارية ستضعف الغرب لصالح قوى عالمية أخرى".

الدول الآسيوية غير الصين حاولت التماسك، لكن بعضها أُصِيب مباشرة: كوريا الجنوبية فُرِضت عليها رسوم بنسبة 38%، والهند 26%، وتايوان 32%، وتايلاند 36%، وفيتنام 45%. في طوكيو، وُصِف القرار بأنه "مؤسف للغاية"، فيما طالبت بانكوك بإعادة التفاوض فوراً، ملوّحة بتحويل تايلاند إلى مركز صناعي بديل يخدم السوق الأميركية. أما فيتنام، فأرسلت مذكرة دبلوماسية تطالب بتجميد الإجراءات لإفساح المجال أمام "حل عادل للطرفين".

وفي أميركا اللاتينية، عبّرت البرازيل عن امتعاضها، ملوّحة باللجوء إلى منظمة التجارة العالمية. أما كولومبيا، فتبنّت خطاباً براغماتياً، معتبرة أن الفرصة مواتية لتعزيز صادراتها نحو السوق الأميركية، شرط ألا تُفقَد الوظائف داخلياً. المكسيك، التي لم تطاولها الرسوم حتى الآن، اكتفت بالمراقبة، بينما عبّرت تشيلي عن "قلق بالغ".

في المحصّلة، يبدو أن "يوم التحرير" الترامبي لم يحرر الاقتصاد الأميركي، بل حرّر موجة جديدة من الاضطراب العالمي، قد تنتهي بتفكيك ما تبقّى من منظومة التجارة الحرة. في عالم باتت فيه الحمائية لغة المصالح، والصين على استعداد للمواجهة، لن تكون المعركة المقبلة حول الرسوم فقط، بل حول من يكتب القواعد الجديدة للعولمة... أو ما تبقّى منها... أو قلبها على أعقابها.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق