استغرقت 3 سنوات من حياة الشاعر الرومانسي قصة حب جون كيتس وفاني برون نموذج ساطع لأدب الرسائل - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
استغرقت 3 سنوات من حياة الشاعر الرومانسي قصة حب جون كيتس وفاني برون نموذج ساطع لأدب الرسائل - تكنو بلس, اليوم الأحد 6 أبريل 2025 08:30 صباحاً

 

 لرسائل جون كيتس (1795 – 1821) إلى أصدقائه وعائلته، وحبيبته فان برون (1800 – 1865)، أهمية أدبية تضاهي ما ناله شعره من تقدير، حتى إن ت. س. إليوت، أشار إلى أن عظمة كيتس تتجلى في خطاباته، مشيداً بطابعها الشكسبيري، إذ قال إن "خطاباته تعد أرق وأكثر أهمية مما كتبه أي شاعر إنكليزي، فهي تزخر بموضوعات ثرية تظهر من دون مقدمات أو مظاهر استعراضية، وهي تحمل أعمق نقد وأدق فهم، إن مقولات  كيتس عن الشعر المتناثرة في رسائله تلامس حدود الإلهام لأنه يمتلك عقلاً شعريا".

ويرى الناقد ليونل تريلينغ أن تلك الرسائل تحمل هوية أدبية فريدة، تكشف عن التطور التدريجي لشخصية كيتس الإنسان. أما جون برنارد فيؤكد أن "الخطابات ترسم صورة لتطور الشاعر وتمثل صورة للفنان في شبابه، وهي جزء أساسي من رحلته الشعرية". 
في تقديمه لكتاب "رسائل جون كيتس إلى فاني برون" (بيت الحكمة)، يؤكد أستاذ الأدب الانكليزي في كلية الآداب (جامعة حلوان- جنوب القاهرة) أن ترجمة رفيدة جمال ثابت لمختارات من رسائل كيتس إلى برون لتشكل متن هذا الكتاب، مثَّلت  تحدياً كبيراً بالنظر إلى لغة الشاعر وأسلوبه المكثف، من جهة، وطبيعة الرسائل نفسها وما تثيره من تساؤلات وتأويلات وإشكاليات، من جهة أخرى. فلغة تلك الرسائل تنتمي إلى عصر كتابتها (مطلع القرن التاسع عشر) وتأثرت مفرداتُها وتراكيبها ودلالاتها بما طرأ على اللغة الإنكليزية من تبدلات على مر السنين، ما يجعل الكثير منها غريباً، بل ومستعصياً، حتى على أبناء هذه اللغة نفسها في العصر الحالي، وهو الأمر الذي يشكل عقبة أولية أمام محاولة الترجمة إلى لغة مغايرة تماما في بنائها، ويستدعي الرجوع إلى معاجم متخصصة أحياناً، وإلى دراسات عن الخصائص اللغوية لذلك العصر، في أحيان أخرى.
الحسناء القاسية القلب
ويعتبر جون كيتس من أبرز أبناء الجيل الثاني في حركة الشعر الرومانسي في إنكلترا، مع جورج جوردن باير وبيرسي بيش شيلي. وبينما اشتهر بايرن وشيلي بتمردهما على أعراف المجتمع، اختار جون كيتس، الذي كتب كل أعماله في السنوات الست الأخيرة من عمره، أن يبقى بمعزل عن تلك الصراعات، مكرساً نفسه للشعر وحب الجمال، بحسب المترجمة رفيدة جمال ثابت. ورغم حياته القصيرة، ترك كيتس بصمة عميقة في الشعر الإنكليزي جعلته من أبرز شعراء الحركة الرومانسية، فهو ابتكر مفهوم "القدرة السلبية"، وبرعت أعماله في الربط بين الجمال والحقيقة. وامتد تأثيره إلى الشعراء والفنانين في العصرين الفيكتوري والحديث. 
أما فاني برون فترتبط شهرتها ارتباطاً وثيقاً بالعلاقة العاطفية التي جمعتها بجون كيتس، في السنوات الثلاث الأخيرة من عمره. وتكشف الرسائل المتبادلة بينهما، عن شخصية فاني برون واهتماماتها، علماً أن هناك ندرة في المصادر المتاحة عن حياتها، فمعظم المعلومات عنها مستقاة من تلك الرسائل ومن الكتب التي تناولت حياة كيتس، فضلاً عن سيرة برون التي كتبتها جوانا ريتشاردسن في عام 1952. 
تزخر رسائل جون كيتس إلى فاني برون بالإشارات إلى جمالها، مع أن كاتبة سيرتها وصفتها بأنها لم تكن جميلة بالمعنى المعروف، ووصفها جون موراي، كاتب سيرة كيتس بأنها قد تكون لافتة للنظر أكثر من كونها جميلة (ص 27). كما ذكر الباحث والتر جاكسن أنها كانت غير عاطفية، وتعلق رفيدة جمال ثابت على ذلك بالقول إن هذه الملاحظة تتسق مع ما عرف عن نساء العقدين الأولين من القرن التاسع عشر اللواتي كن يعطين الأولوية للإطار على المشاعر. 
النجم الساطع
ومع ذلك، فإن هناك قصائد عديدة لكيتس تعكس عاطفته الجياشة نحو تلك المرأة منها: "حين أخشى موتي"، و"قصيدة إلى فاني"، و"الحسناء القاسية القلب". وهي كانت مصدر إلهامه حين كتب "النجم الساطع"، والتي جاء فيها بترجمة ماهر بطوطي: "آه لو كنتُ أنا مثلك / ثابتاً لا أتحرك / ولا أكون وحيداً / بل أزدهر في ما فوق الليل / أرقب كل شيء / وجفناي الأزليان منفتحان / مثل راهب الطبيعة / صبوراً، لا أنام / والمياه التى تجري / إلى منتهاها المقدس / تطهر بصفائها / شطآن الإنسان في الأرض كلها / أو أحملق في قناع الثلج الجديد / الذى يسقط رقيقاً / فوق الجبال والمروج / ولكن، وفوق كل شيء / قائماً/ مازلتُ ثابتاً ما زلتُ / متوسداً صدر حبيبتى الناهد / كي أشعر أبداً / برقة ثنياته وحركاته / وأنا يقظان أبداً / فى اضطراب عذب / وأظل مازلت، ما زلت / أسمع أنفاسها الرقيقة / فأعيش هكذا على الدوام / أو تأتيني غشية الموت". واستنادا إلى هذه القصيدة التي كتبها كيتس عام 1819 على الأرجح، تم إنتاج فيلم من إخراج الأوسترالية جين كامبيون عام 2009، يحكي عن ذلك الحب اليائس والملهم في الوقت نفسه. 
بعد وفاة جون كيتس في روما في 23 شباط (فبراير) 1821 ظلت فاني برون لست سنوات تظهر بملابس سوداء حداداً عليه. وبعد مرور 12 عاماً على وفاته تزوجت من لويس ليندو الفرنسي من أصل إسباني، وأنجبت منه ثلاثة أبناء. نشرت رسائله إليها عام 1878، بواسطة هاري باكستن فورمان؛ أي بعد رحيل كيتس بسبعة وخمسين عاماً. وعند نشرها للمرة الأولى لم تحظ بالتقدير الكافي من الكُتَّاب والنقاد الذين تناولوا سيرة كيتس. 
وثائق ثورية
تقول رفيدة جمال ثابت: "من خلال نشره هذه الرسائل، فتح فورمان نافذة جديدة على عالم جون كيتس الداخلي، إذ قدم وثائق ثورية ساهمت في إعادة تشكيل فهم جوانب شخصيته". وتكمن أهمية تلك الرسائل في أنها تظهر أبعاداً جديدة لفهم قصائد كيتس التي تناولت آراءه في الحب والموت والخلود. في بعض تلك الرسائل يتجلى موقف كيتس المضطرب حيال الجنس البشري. لقد وجد ملاذه الوحيد في الشعر، الذي كان يمثل له النسيان والحرية. ففي آخر رسالة كتبها إلى حبيبته، يقول: "إنني مشمئز من الوحوش التي تبتسمين لها. أكره الرجال، وأكره النساء أكثر... ليتك تغرسين في قلبي بعض الثقة بطبيعة البشر. لا أستطيع الوثوق بهم. ما أقسى العالم في نظري، أشعر بالارتياح إلى وجود القبر، كلي يقين من أنني لن أجد الراحة إلا إذا توسد جسدي ثراه". بيد أن هذه الكلمات – تقول المترجمة – لا تعكس استسلام شخص يحتضر ويفقد اهتمامه بالحياة؛ فلطالما عبر كيتس عن كراهيته للصالونات والتقاليد والرسميات، حتى قبل لقائه فاني.  
     

    

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق