رمانة الميزان بين سلطة الكم وفلسفة الكيف - تكنو بلس

مديا 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
رمانة الميزان بين سلطة الكم وفلسفة الكيف - تكنو بلس, اليوم السبت 5 أبريل 2025 11:03 مساءً

في عَالَمٍ تَخْتَلِطُ فيه الأَرْقَامُ بِالأَحْلَامِ، وَتَتَصَارَعُ المَكَانَةُ مَعَ المَعْنَى، تَبْرُزُ رَمَانَةُ المِيزَانِ كَصَوْتٍ خَفِيٍّ يَهْتِفُ بِالْحِكْمَةِ فِي وَسَطِ ضَجِيجِ الْعَصْرِ.

فَهِيَ لَحْظَةُ تَوَازُنٍ بَيْنَ سُلْطَةِ الْكَمِّ الْمُتَجَبِّرَةِ، الَّتِي تَرْفُضُ إِلَّا أَنْ تَحْكُمَ بِمِسْحَةٍ رَقْمِيَّةٍ، وَفَلْسَفَةِ الْكَيْفِ الْعَتِيقَةِ، الَّتِي تَتَنَفَّسُ عُمْقاً وَتَسْكُنُ فِي أَعْمَاقِ الْجَوْهَرِ.

هُنَا، حَيْثُ يلْتَقِي الْجَبَرُوتُ بِاللُّطْفِ، يَنْبَثِقُ سُؤَالُ الْوُجُودِ: أَتُرَانَا نَعِيشُ لِنُحْصِيَ أَمْ لِنُدْرِكَ؟

سُلْطَةُ الْكَمِّ: وَهْمُ الْأَرْقَامِ وَسِحْرُهَا

فِي عُصُورِ الرَّقْمَنَةِ، أَصْبَحَ الْكَمُّ صنماً صَامِتًا يَحْكُمُ بِقُوَّةِ الْإِحْصَاءِ.

فَالْبَشَرُ يُقَاسُونَ بِمُتَابِعِيهِمْ، وَالْفُنُونُ تُوزَنُ بِمُشَاهَدَاتِهَا، حَتَّى الْحُبُّ صَارَ «لايكًا» يُجْمَعُ فِي خَانَةٍ رَقْمِيَّةٍ.

لَقَدْ غَزَتْ لُغَةُ الْأَرْقَامِ كُلَّ مَسَاحَاتِ الْحَيَاةِ، وَسَحَقَتْ تَحْتَ أَقْدَامِهَا تِلْكَ الْخَفَقَاتِ الْإِنْسَانِيَّةِ الَّتِي لَا تَعْرِفُ إِلَّا لُغَةَ الْأَحَاسِيسِ.

وَفِي هَذَا السِّيَاقِ، يَتَحَوَّلُ الْإِنْسَانُ إِلَى بَيَانَات فِي جَدَاوِلَ إِلِكْتُرُونِيَّةٍ، وَيُخْتَزِلُ الْفِكْرُ فِي خُطُوطٍ رَقْمِيَّةٍ تَسْعَى إِلَى تَشْيِيدِ صَرْحِ الْعَظَمَةِ عَلَى أَسَاسٍ مِنْ رَمْلِ الْعَدَمِ.

لَكِنْ، أَتَرَى الْأَرْقَام تَسْتَطِيعُ أَنْ تَرْوِيَ قِصَّةَ الْقَمَرِ عِنْدَمَا يَلْتَقِي الْبَحْرَ؟

أَوَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُحَدِّدَ وَزْنَ دَمْعَةٍ تَهْطِلُ مِنْ عَيْنَيْ عَاشِقٍ؟

إِنَّ سُلْطَةَ الْكَمِّ، وَإِنْ أَثْبَتَتْ جَبَرُوتَهَا، تَبْقَى عَاجِزَةً عَنْ فَكِّ طَلَاسِمِ الْكَيْفِ، فَالْجَمَالُ لَا يَنْحَصِرُ فِي مِسَاحَةِ بَكْسِلٍ، وَالْحِكْمَةُ لَا تُقَيَّدُ بِحَاسُوبٍ.

فِي مُقَابِلِ هَذَا الْطُّغْيَانِ، تَنْهَضُ فَلْسَفَةُ الْكَيْفِ كَصَقْرٍ مُجَنَّحٍ يَحْمِي سِرَّ الْحَيَاةِ. فَالْكَيْفُ لَيْسَ رَقماً يُضَافُ، وَلَكِنَّهُ عُمْقٌ يُسَاكِنُ الرُّوحَ.

هُوَ تِلْكَ اللَّمْحَةُ الَّتِي تَخْتَلِجُ فِيهَا الْقُلُوبُ عِنْدَ اسْتِشْفَافِ مَعْنًى خَفِيٍّ، أَوْ تِلْكَ الْإِشَارَةُ الْخَالِدَةُ الَّتِي تَتْرُكُهَا قِطْعَةُ فَنٍّ تَعْبُرُ الْقُرُونَ.

هُنَا، فِي مَمْلَكَةِ الْكَيْفِ لَا يَهُمُّ كَمْ عِشْتَ، بَلْ كَيْفَ عِشْتَ.

لَا يَهُمُّ كَمْ أَخَذْتَ، بَلْ كَمْ أَعْطَيْتَ.

فَكَيْفَ نُصْلِحُ مَا أَفْسَدَتْهُ سُلْطَةُ الْكَمِّ؟ وَكَيْفَ نُحَافِظُ عَلَى نَبْضِ الْكَيْفِ فِي زَمَنٍ يَخْشَى الْبُطْءَ؟

الْجَوَابُ يَكْمُنُ فِي اسْتِعَادَةِ رَمَانَةِ الْمِيزَانِ، فَالْحَيَاةُ لَيْسَتْ مُعَادَلَةً رِيَاضِيَّةً، بَلْ هِيَ قَصِيدَةٌ تَجْمَعُ بَيْنَ الْإِيقَاعِ وَالْمَعْنَى.

عَلَيْنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ أَنْ نُحْصِيَ الْأَرْقَامَ دُونَ أَنْ نَخْسَرَ الْأَحْلَامَ، وَأَنْ نَسْتَخْدِمَ التِّقْنِيَةَ دُونَ أَنْ نَخْنُقَ الْإِنْسَانِيَّةَ.

لْنُخَاطِبِ الْعَالَمَ بِلُغَةٍ مُزْدَوَجَةٍ: لُغَةِ الْعَقْلِ وَلُغَةِ الْقَلْب، فَمِثَلُنَا فِي هَذَا الْعَالَمِ كَمِثْلِ تاجرٍ يَحْمِلُ مِيزَانًا إِحْدَى كِفَّتَيْهِ تَمْتَلِئُ بِحبْرِ الْأَرْقَامِ، وَالْأُخْرَى بوَرَقِ الْأَسْئِلَةِ.

فَإِذَا مَا اعْتَدَلَ الْمِيزَانُ، انْكَشَفَ لَنَا أَنَّ الْحَقِيقَةَ لَيْسَتْ فِي الْكَمِّ أَوِ الْكَيْفِ، بَلْ فِي تَلَاقِيهِمَا، فَالْكَمُّ يُعْطِينَا الْوُجُودَ، وَالْكَيْفُ يُعْطِينَا المُبَرَّرَ لِهَذَا الْوُجُودِ.

لَنْ تَنْتَهِيَ الْمُوَاجَهَةُ بَيْنَ سُلْطَةِ الْكَمِّ وَفَلْسَفَةِ الْكَيْفِ، فَهِيَ صِرَاعٌ قَدِيمٌ مَا بَيْنَ مَادَّةِ الْأَرْضِ وَفَضَاء السَّمَاءِ.

وَلَكِنَّ الْحَكِيمَ مَنْ يَعْرِفُ أَنَّ الْحَيَاةَ الْحَقِيقِيَّةَ تَبْدَأُ حَيْثُ تَنْتَهِي الْأَرْقَامُ، وَأَنَّ الْإِنْسَانَ لَيْسَ رَقَمًا فِي سِجِلٍّ، بَلْ قِصَّةٌ تُكْتَبُ بِحِبْرِ الْأَبَدِيَّةِ بِعُمْقٍ يُجَاوِزُ الْزَّمَنَ، وَبِجَمَالٍ يَسْكُبُ فِي الْوُجُودِ مَذْهَبَ الْخُلُودِ.

أخبار ذات صلة

 

قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : رمانة الميزان بين سلطة الكم وفلسفة الكيف - تكنو بلس, اليوم السبت 5 أبريل 2025 11:03 مساءً

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق