نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
السيدة مريم الرمز الكوني للحبّ الأمومي - تكنو بلس, اليوم الأربعاء 2 أبريل 2025 11:51 صباحاً
د. حُسْن عبود
لماذا يلتقي اللبنانيون سنويّاً للاحتفال بعيد البِشارة الى السيّدة مريم (ع)؟
لأن السيّدة مريم تمتَلِكُ روحانيّة يصعبُ التخليّ عنها، هي الأمّ المتفق حولها لأنها تَجمع ولا تفرّق، وتمثّل القاسم المشترك بين المسيحيّة والإسلام.
في المسيحيّة هي أمّ يسوع المسيح (عليه وعلى أمّه السلام)، لها مُعطى في الإنجيل وترنيمة، ومعها يعيشُ المسيحيّ تقواه ويطلبُ دوماً شفاعتَها، "في ظلّ حمايتك نلتجؤا يا مريم". نشأتْ حولَها العقائدُ الدينيّة و كُرِّسَت لها الصلواتُ والكنائس. وتكاد لا تخلو مدينة لبنانيّة أوقرية من كنائس ومزارات للسيّدة تدلّ على حضور لا يتوقف أو يتراجع - ككنيسة الزيارة، المنطرة، وهنا في جبيل "سيدة المعونات،" و"كنيسة سيدة البحار" و"سيدة البوابة" وهي حامية العدالة، والأخيرة بسبب قربها من جامع السلطان عبد المجيد تشكّل مزارًا للمسلمين كما للمسيحيين. كل هذه الصفات هي تمثّلات لمبدأ الأمومة وأفعالها. وفي الإسلام لمريمَ مُعطى قُرآني تُتلى آياتُها من المآذن ومن داخل قلوب المؤمنين ووجدانهم، فتنسابُ الآيات الى المخزون الروحيّ والنفسيّ. وذكرُها يخصُّها لذاتِها كما لأمومتِها للسيّد المسيح، لأن مريم اختبرت تجربة الانتباذ للتأمل في فضاء الصحراء (سورة مريم) كما اختبرت تجربة الفاعلية للتدرّب في فضاء المحراب (سورة آل عمران). هي الأمّ الوحيدة التي تَمْلِك الاسمَ وقوّة التسميّة، وقوتها وهي "تهزّ جذع النخلة إليها" لتلد وتقر عينها بمولودها تمثّلُ معراجَ المرأة التي تعيشُ تجربةَ المخاضِ لأنها قَبِلتْ أن تكونَ أمًّا. هي الطريق لفهم رسالة السيّد المسيح لدى المسلمين (ع)، ويُحتفى بها وبابنها في قيمة "الرحمة" الربّانية المتجذّرة في المسيحيّة والإسلام.
هل هذا المعطى الإنجيلي والقرآني كافياً لتلبية الدعوة التي آمن بها من آمن من اللبنانيين لنشر ثقافة الودّ والسلام؟ وكيف يكون الرمزُ الكونيُّ للحبّ الأمومي، مكانَ شوقٍ لإعطاء المعنى للحياة؟
عندنا جديدٌ كبير بشأن العلاقاتِ المشتركة والقيمِ المشتركة يتمثّلُ في اتفاقيّة السلام التي وقع عليها لبنان. وأخص بها "وثيقة الأخوّة الإنسانيّة" التي وقّع عليها- في أبو ظبي يوم 4 شباط، 2019 (منذ 6 سنوات) - قداسةُ البابا فرنسيس وفضيلةُ شيخ الأزهر أحمد الطيّب من أجل السلام العالمي والعيش المشترك.
نحن اللبنانيين مسيحيّين ومسلمين، ومنذ اتفاقية الطائف نتخاطب عن السلام ومكافحة مشروع الخروج عن الصيغة اللبنانية ومرجعية القانون والمؤسسات الدستوريّة، فالدولة وحدها هي الضامنة للسلم الأهلي وحقوق المواطنين والعيش المشترك. وكذلك نتيجةُ محادثاتٍ طويلة ومشاوراتٍ طوال السنوات الماضية جاءت وثيقةُ "الأخوّة الإنسانيّة" لتؤكّد على القيمِ والمشتركاتِ وفي طليعتها قيمةُ "الرحمة"، العنوان الرئيس ذو الدلالات المهمّة للعلاقة بالسيّدة مريم (ع). وهو الأمر نفسه الذي ذكره قداسة البابا عام 2016 في رسالتِه "اسمُ الله هو الرحمة" فالله سبحانه وتعالى هو الرحمن الرحيم، والسيّدة مريم هي الرمز، لذلك كلِه على هذه الأرض التي كانت أرضاً للوحي والرسالات الإنسانيّة ونريدها أن تكون وتظلّ أرضاً للرحمة والتراحم. فالمعطى الكتابي واحد والقيم الأخلاقية والدينية واحدة والتقوى واحدة هكذا أصبحنا نعيد معاً.
لقد أردتُ أن أقولَ إننا نتمنى دخولنا مرحلة تحوّلِ كبير مع العمل على الانصهار الوطني والتقدم بدولة المواطنة العادلة لأننا تعبنا من الحروب ودمار العمران وحرق البيئة والأرض وحزننا على القتلى والجرحى والنزوح، وتضييق المكان على الشباب والشابات لا يوصف. اذا سنعمل معًا على الخروج من المواجهة المشتركة للخروج عن الصيغة اللبنانية للعيش معاً إلى اللقاء المشترك لنصنع البدائل والتشارك ولننال الرحمة والسلام ومقتضياتهما ودلالتهما. لذلك يكون علينا ونحن اللبنانيين الذين بدأنا بهذا الأمر أولاً منذ العام 2010 يوم إعلان 25 آذار من كلّ عام عيد مريم، إعلاءً لهذا الرمز الكوني للحبّ الأمومي بين المسيحية والإسلام، لنُكمّلَ على نفس المسار ونفس المنهج. فتصبح رؤانا جميعاً رؤى العيش معاّ ورؤى المواطنة الكاملة ورؤى الأخوّة الإنسانيّة.
السلام عليكِ وعليكِ السلام وسلاماً للبنان الرسالة وعليه السلام وسلاماً لهذه المناسبة الجليلة التي تجمعنا كلّ عام.
* من كلمة د. حُسْن عبود التي ألقيت بمناسبة عيد البشارة، في مسجد السلطان عبد المجيد بجبيل.
0 تعليق