نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مقترح خريطة طريق للبنان في التفاوض مع صندوق النقد الدولي - تكنو بلس, اليوم الأربعاء 2 أبريل 2025 05:34 صباحاً
الدكتور علي عودة
من المتوقع أن يبدأ لبنان قريباً إعادة التفاوض مع صندوق النقد الدولي للحصول على برنامج المساعدة المالية والفنية، وهو ما يتطلب اعتماد استراتيجية تفاوضية قوية مع صندوق النقد الدولي والإعداد الجيد "لملفه التفاوضي"، بالإضافة إلى وضع استراتيجيته للمدى القصير، والمتوسط، وطويل الأجل. وفي ما يأتي مقترح خريطة طريق للسلطات اللبنانية للتفاوض مع الصندوق، مستندة إلى وضعية لبنان والدروس المستفادة من التجارب الدولية.
أولاً: تحديد الأهداف اللبنانية بوضوح
قبل الدخول في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، يجب على السلطات اللبنانية تحديد أولوياتها بدقة لضمان عدم فرض شروط قد تؤثر سلباً على الاستقرار الاجتماعي والسياسي. تشمل الأولويات:
1- استعادة استقرار الليرة من خلال سياسات نقدية واضحة تدعم استقرار سعر الصرف.
2- إعادة هيكلة الدين العام بما يخفف الأعباء المالية عن الدولة.
3- إعادة هيكلة القطاع المصرفي واستعادة الثقة عبر وضع خطة واضحة لحماية حقوق المودعين وإعادة رسملة المصارف بآليات عادلة ومنطقية.
4- تحسين كفاءة إدارة الدولة ومكافحة الفساد، وتعزيز الشفافية والمساءلة في استخدام الموارد العامة.
5- تحقيق نمو اقتصادي مستدام من خلال إصلاحات هيكلية تعزز الإنتاجية وتدعم القطاعات الإنتاجية وتجذب الاستثمارات الأجنبية.
6- تعزيز العدالة الاجتماعية، وضمان أن تكون الإصلاحات المالية متوازنة، بحيث لا تؤدي إلى تدهور الظروف المعيشية للمواطنين.
يسمح تحديد هذه الأهداف بوضوح للبنان بوضع استراتيجية تفاوضية متماسكة، تمكنه من فرض شروطه بقدر الإمكان، وضمان تحقيق التوازن بين الإصلاحات المالية والاستقرار الاجتماعي.
ثانياً: تشكيل فريق تفاوضي مُحترف
تُظهر التجارب الدولية أن نجاح المفاوضات يعتمد بشكل كبير على الفريق المفاوض. لذا، يجب أن يضم الفريق اللبناني خبراء اقتصاديين وماليين ومصرفيين، وممثلين للحكومة والبنك المركزي، بالإضافة إلى متخصصين في الشؤون القانونية لمراجعة الالتزامات المقترحة، وخبراء في الشأن الاجتماعي لتقييم تأثير السياسات على الفئات الفقيرة.
ثالثاً: تبني نهج تفاوضي قائم على الشفافية والمصداقية. وهو ما يتطلب:
1- تقديم بيانات مالية دقيقة ومحدّثة ومعلومات موثوقة عن الاحتياطيات النقدية، والعجز المالي، والعجز في ميزان المدفوعات، ووضعية الجهاز المصرفي. إن عدم الدقة في الأرقام سيؤدي إلى فقدان المصداقية مع الصندوق والمجتمع الدولي.
2- الاعتراف بالمشكلات المالية بدلاً من إخفائها، لأن الشفافية في عرض الأوضاع المالية وتقديم خطط واضحة لمعالجتها يعزز بناء الثقة بين لبنان والصندوق.
3- إظهار التزام جاد بالإصلاحات، عبر تنفيذ إصلاحات تمهيدية مثل مكافحة الفساد وتحسين إدارة المالية العامة قبل إبرام الاتفاق.
4- التواصل مع الجمهور وشرح تفاصيل الاتفاقات مع الصندوق، وطمأنة المواطنين بشأن التأثيرات المحتملة للإصلاحات.
5- الالتزام بالتنفيذ والمتابعة، من خلال وضع آليات رقابة لضمان تنفيذ الإصلاحات المتفق عليها وعدم التراجع عنها بعد الحصول على التمويل.
رابعاً: التدرّج في تنفيذ الإصلاحات
أحد الأخطاء الشائعة في برامج الصندوق هو تنفيذ إصلاحات قاسية دفعة واحدة، مما يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية. لذا، يجب اتباع نهج تدريجي يتيح امتصاص الصدمات الاقتصادية والاجتماعية، ويشمل ما يأتي:
1- جدولة زمنية للإصلاحات، وتنفيذها وفقاً لجدول زمني واضح، بحيث تُطبق أولاً الإصلاحات التي تحقق استقراراً سريعاً (كتعزيز الشفافية المالية)، قبل الانتقال إلى الإجراءات الأكثر صعوبة (كإعادة هيكلة القطاع المصرفي).
2- ينبغي التفاوض على فترات سماح كافية قبل تنفيذ إجراءات تقشفية واسعة، مثل زيادة الضرائب أو إعادة هيكلة القطاع العام، لمنح الاقتصاد فرصة للتكيّف تدريجياً.
3- إصلاحات ضريبية عادلة، فبدلاً من فرض ضرائب مفاجئة تثقل كاهل المواطنين، يمكن البدء بتحسين آليات التحصيل الضريبي وتقليل التهرب الضريبي والجمركي، ثمّ إدخال تعديلات ضريبية تدريجية.
4- حماية الفئات الضعيفة، إذ يجب تنفيذ إصلاحات اقتصادية دون المساس بالخدمات الأساسية، وتعزيز برامج الدعم الاجتماعي لمساندة الفئات الأكثر تأثراً بالإصلاحات.
5- إجراء دراسات تقييم الأثر الاقتصادي والاجتماعي قبل تنفيذ أي إجراء إصلاحي، بحيث يتم تعديل الخطط وفقاً للنتائج المتوقعة.
6- مرونة في التعديل والتكيّف، إذ قد تحتاج الحكومة إلى تعديل بعض السياسات بناءً على التطورات الاقتصادية وردود فعل الأسواق والمجتمع. ويجب أن تكون هناك آليات مراجعة مستمرة تتيح تصحيح المسار عند الضرورة. يساعد هذا النهج التدريجي في تقليل مقاومة الإصلاحات، ويعزز الثقة بين الحكومة والمواطنين، مما يزيد من فرص نجاح خطة التعافي الاقتصادي.
خامساً: الاستفادة من التجارب الدولية
يمكن لتجارب الدول الأخرى التي تفاوضت مع صندوق النقد الدولي أن تساعد لبنان على تجنب الأخطاء وتحقيق نتائج أكثر استدامة. ومن التجارب المهمة هناك التجربة المصرية، حيث نجحت مصر في تنفيذ برنامج إصلاحي تدريجي، ركّز على تعويم الجنيه وتحسين بيئة الأعمال واستقطاب الاستثمارات الأجنبية، مع توفير شبكة حماية اجتماعية. كذلك التجربة الأرجنتينية التي أظهرت أهمية التفاوض على شروط واقعية تُجنب الدولة السقوط في أزمة ديون جديدة بعد انتهاء البرنامج. والتجربة اليونانية، حيث كانت سياسة التقشف الصارمة عاملاً في إطالة الأزمة.
سادساً: بناء توافق داخلي حول برنامج الإصلاح
من الضروري تحقيق توافق سياسي واجتماعي حول البرنامج الإصلاحي من خلال إشراك جميع القوى السياسية في عملية اتخاذ القرار، والتشاور مع النقابات العمالية، والقطاع الخاص، وضمان دعم شعبي عبر توضيح أهداف الإصلاحات وأهميتها.
سابعاً: وضع استراتيجية خروج من برنامج الصندوق
يجب أن لا يكون الاتفاق مع صندوق النقد الدولي نهاية المطاف، بل يجب أن تكون هناك خطة استراتيجية واضحة للخروج التدريجيّ من الاعتماد على الصندوق. تتضمّن هذه الاستراتيجية تشجيع الاستثمارات الأجنبية، وتحفيز الصادرات، وتطوير قطاع التكنولوجيا، بالإضافة إلى التركيز على الاقتصاد الأخضر والاقتصاد الأزرق لخلق فرص عمل جديدة ومستدامة، ممّا يساهم في استقرار الاقتصاد بعيداً عن التأثيرات السلبية للاعتماد المستمر على التمويل الخارجي. وهنا يمكن للبنان الاستفادة من تجربة كوريا الجنوبية في التسعينيات التي نجحت في بناء اقتصاد قويّ بعد الخروج من برامج الصندوق، شملت تحديث القطاع الصناعي، وتحسين بيئة الأعمال، ودعم الابتكار والتكنولوجيا؛ وتجربة البرتغال التي دخلت في برنامج مع صندوق النقد الدولي في 2011، حيث وضعت الحكومة استراتيجية خروج اعتمدت على تحفيز الابتكار وتطوير قطاع الخدمات، مع التركيز على الاستثمار في الطاقات المتجددة. وآيسلندا التي واجهت أزمة مالية في 2008، عندما دخلت في برنامج مع صندوق النقد، عملت على إعادة هيكلة القطاع المالي بشكل جذري، لكنها قامت أيضاً بالتركيز على الاقتصاد الأزرق، بما في ذلك تطوير الصناعات البحرية ومصادر الطاقة المتجددة، والتي ساعدت في تحويل الاقتصاد إلى نموذج متوازن ومستدام. وفي تجربة ماليزيا، لجأت البلاد إلى صندوق النقد الدولي بعد الأزمة الآسيوية عام 1997، حيث قررت بعد فترة قصيرة من المفاوضات اتّخاذ مسار مختلف، إذ من خلال تنفيذ إصلاحات اقتصادية محلية والتركيز على تحفيز الطلب المحلي، بما في ذلك تطوير قطاع البناء والعقارات والصناعات المحلية، فتمكّن الاقتصاد الماليزي من تحقيق الانتعاش بسرعة. ولعل الأهم في تجربة ماليزيا هو أن الخروج من البرنامج لم يكن فقط عبر تقليل الدين، بل عبر تنمية القطاعات الداخلية التي ساعدت على تحويل الاقتصاد الماليزي إلى اقتصادٍ مرن وقادر على التكيف مع التغيرات العالمية.
- اقتصادي رئيسي في اتحاد المصارف العربية
-المقاربة الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.
0 تعليق