الخليج ما بعد زيارة الرئيس - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الخليج ما بعد زيارة الرئيس - تكنو بلس, اليوم الثلاثاء 20 مايو 2025 01:14 صباحاً

يتصاعد رأي بين المتحاورين العرب لا يخلو من التحيز حول الموقف من الولايات المتحدة، في كثير منه ينادي بخصومتها، وأن الولايات المتحدة هي في مرحلة "الشيخوخة السياسية"، لكن رأيي ما زال كما كتبت منذ سنوات: "تستطيع أن تختلف مع أميركا ولكن لا تعاديها". وقتها المقال أخذ كثيراً من النقد من المدرسة المتشددة!

 

لا زال رأيي كما هو أنك تستطيع أن تختلف مع الولايات المتحدة، ولكن لا يتوجب أن تعاديها، فالمشهد العالمي ما زال في معظمه يرسم في واشنطن. وكانت زيارة الرئيس الأميركي الأسبوع الماضي إلى كل من الرياض والدوحة وأبوظبي، علامة فارقة في تاريخ العلاقات الدولية، ولكنها زيارة أثارت أيضاً موتورين من المدرسة القديمة، بعضهم بسذاجة والآخرين يتبعون أجندة لا تخفى!

الحديث من البعض عن التوجه نحو الصين وروسيا كبديل لتكوين محور وازن مبالغ به، "فالثنائية القطبية" ما زالت بعيدة، وهذا لا يعني أخذ موقف سلبي منهما. الاقتصاد الأميركي هو السائد في العالم، فالناتج المحلي الإجمالي الأميركي هو ربع الناتج العالمي منذ أكثر من ثلاثين عاماً حتى اليوم، الشركات الأميركية تملك خُمس الماركات الكبرى العالمية المسجلة في الخارج ، أكثر مما تملكه الصين وألمانيا مجتمعتين، وأكبر خمس شركات عالمية للبحث والتطوير هي أميركية، وقد استفاد من أبحاثها ملايين من البشر. يكفي الإشارة إلى أن أنجح اللقاحات التي كانت فعالة ضد "كوفيد - 19" منذ ثلاث سنوات كانت أميركية. وتتمتع أميركا بسوق استهلاكية ضخمة، تسمح لأي أفكار اقتصادية جديدة بأن تنمو، كما تتمتع بالكثير من الشفافية في الأداءين الاقتصادي والسياسي، ووجود حريات للنقد والمساءلة والاعتراض، وتبقى الولايات المتحدة متفوقة على غيرها، خصوصاً الصين وروسيا وهما المنافسين الأكبر.

وعلى الجانب الآخر، فإن المعسكر الصيني الروسي ليس موحداً كما يحب البعض أن يعتقد، فالصين تعرف أن ازدهار اقتصادها وبقاءه فوق خط الخطر، هو بسبب تجارتها الدولية، وليس بسبب استهلاكها الداخلي، لذلك سوف تبقى لعقود تحتاج إلى السوق العالمية، ومنها طبعاً السوق الأميركية والأوروبية، وبذلك فإن اعتمادها أساساً على الديبلوماسية النشيطة، والتشبّث بمبادئ الأمم المتحدة على المستوى الدولي، يخدمان أهدافها أكثر من أي وسيلة أخرى، أما روسيا فقد ثبت أن اتخاذ القرار فيها على الأقل "مبني على خبرة الماضي"، فقد قدم للسلطات الروسية الكثير من الإغراءات قبل كانون الثاني/ يناير 2022 وقت اندلاع حرب أوكرانيا، لكن جرت العملية الحربية في أوكرانيا آخر شباط/ فبراير وكان الأمل الوصول إلى حلول وسطى في موضوع أوكرانيا، وقد تغاضت الدول الأوروبية عن احتلال شبه جزيرة القرم، وجزء من أراضي جورجيا وبعض المناوشات في الأرض الأوكرانية نفسها، إلا أن الأخيرة حسبتها بشكل متسرع، وعلى سند من الإيديولوجيا، لم تعد ذات معنى في الظروف الدولية السائدة، فتورطت روسيا في حرب لا تستطيع أن تخرج منها منتصرة، وبقي الجيش الروسي حبيس دائرة من العنف من دون تقدم أو حسم على الأرض، واعتمدت الحرب في جزء منها على متطوعين لا يحملون أي عقيدة قتالية، فارتكبت الكثير من المذابح، كما أثارت الحرب الكثير من المعارضة الظاهرة والخفية في الأرض الروسية، حيث صوت الناس بأقدامهم في هجرة جماعية اتسمت بالفرار، غير استنزاف هائل للموارد المالية، وتصاعدت عمليات كبت الحريات. إلى جانب أن ما أرادت موسكو الحد من توسعه نتيجة تلك الحرب، حدث عكسه، فتوسعت دائرة حلف الأطلسي حول حدود روسيا بدخول كل من فنلندا والسويد في ذلك الحلف!

وعلى الرغم من معاناة أوروبا من الحرب الأوكرانية، فإنها بمساعدة أميركية، استطاعت أن تعبر تلك المعاناة، وقد عبرت أكثر من شتاء، بأقل الأضرار، كما قربت من الاستقلال الطاقوي من روسيا.

الحديث عن تحويل التداول الدولي من الدولار إلى عملات أخرى غير واقعي، فالدولار سوف يبقى هو العملة الدولية الأقوى، بسبب قوة الاقتصاد الأميركي، الذي يتمتع بديناميات متسارعة؛ فبدء أي مشروع اقتصادي في الولايات المتحدة هو الأسهل والأسرع، ومرونة سوق العمل، هي الأكثر في السوق الأميركية أي "التوظيف والاستغناء"، في الوقت الذي تعاني فيه أسواق العمل الأوروبية من كثافة حماية اليد العاملة؛ فالأزمة التي فجرها قانون إضافة سنين للتقاعد في فرنسا شلت تقريباً الاقتصاد الفرنسي، كما هي الإضرابات في بريطانيا!

هذا لا يمنع من القول إن السياسة في الولايات المتحدة في مخاض، إلا أن الاستدراك هنا له أهميته، حيث تتمتع أميركا بعدد من المزايا منها صحافة حرة أو أقرب إلى الحرية، وأحزاب متنافسة، وقضاء مستقل، ومجتمع مدني حيوي، وانتخابات دورية ومؤسسات منتخبة تنافسية، وهي أعمدة مهمة لضبط الخيارات السياسية، إلا أن ذلك لا يعني أن الممارسة لا تعاني من أمراض، كان على رأسها محاولة اجتياح كئيبة أمام العالم لقلعة الديموقراطية الأميركية (مبنى الكونغرس) من قِبل عدد من أنصار ترمب في 6 كانون الثاني/يناير  2021، والتي تبقى في الذاكرة الديموقراطية الأميركية كنقطة سوداء، إضافة إلى عدم قيام ترامب بالتسليم والتسلم للسلطة في ظاهرة عالم ثالثي من ازدراء التبادل السلمي للسلطة.

إلا أن عودة ترامب الظافرة إلى البيت الأبيض، والسياسيات التي يتبعها وهي النأي عن الحروب وتعظيم التعاون الاقتصادي، لها قبول واسع في الأوساط الأميركية والعالمية، وزيارته الأولى الرسمية إلى دول الخليج هي بذلك الاتجاه ( النـأي عن الحروب، والتعاون من أجل السلام والتنمية).

إلا أن الأهم من كل ذلك الشعار الذي يرفعه الديموقراطيون (الاستثمار في الديموقراطية) على النطاق العالمي، وهي عقيدة ثابتة لدى الديموقراطيين لا يعارضها الجمهوريين، بل هناك مؤسسة للحزب الجمهوري تعنى بذلك التوجه، وقد عقدت قبل عامين لقاء متخصصاً في مدينة دبي. عقيدة الدمقرطة قد كتب عنها جو بايدن عشية انتخابات 2020 في مجلة "الفورين أفيرز" على أنها من أولوياته، وقد نُظم لقاءان (عن بُعد) للدول ذات الانتخابات الدورية خلال السنتين الأوليين من إدارته.

خلاصة الأمر أن هناك سهولة نسبية في المعسكر الأميركي بخصوص القدرة على إعادة الهيكلة (السياسية والاقتصادية) بسبب الحريات، في حين تُفتقد تلك المرونة في الأنظمة الأخرى!

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق