شهد سعر الصرف ارتفاع الجنيه المصري أمام الدولار خلال شهر مايو 2025، حيث استرد نحو 3% من قيمته مقابل العملة الأمريكية، في تطور يعكس تغيرًا إيجابيًا في المزاج الاستثماري تجاه الاقتصاد المصري، وأثار تساؤلات الأسواق والمحللين حول دوافع هذا التحسن، ومدى استدامته خلال الفترة المقبلة.

أسباب ارتفاع الجنيه أمام الدولار

يُعزى ارتفاع الجنيه أمام الدولار إلى مجموعة من العوامل الاقتصادية والمالية، أبرزها:

زيادة تدفقات النقد الأجنبي

تحسنت موارد النقد الأجنبي نتيجة:

ارتفاع تحويلات المصريين العاملين بالخارج إلى أكثر من 33 مليار دولار سنويًا.

نمو إيرادات السياحة بعد عودة الأسواق الأوروبية والروسية إلى مصر بقوة، وتحقيق دخل يتجاوز 14 مليار دولار.

عودة الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة، خصوصًا في أدوات الدين الحكومية، مع وصول العائد على بعض الأذون والسندات إلى مستويات مغرية تتجاوز 25%.

تحسن ثقة المستثمرين والمؤسسات الدولية

ساهم إعلان الحكومة المصرية عن حزمة إصلاحات هيكلية جديدة، واتفاقيات مع مؤسسات دولية مثل صندوق النقد والبنك الدولي، في تعزيز ثقة المستثمرين، إلى جانب صفقة رأس الحكمة التي جذبت تدفقات كبيرة من العملة الصعبة.

كما ساعد استكمال برنامج الطروحات الحكومية بطرح شركات رابحة في قطاعات استراتيجية (مثل الطاقة والبنية التحتية) على جذب رؤوس أموال أجنبية ومحلية.

سعر الصرف المرن وتدخلات البنك المركزي المدروسة

اعتمد البنك المركزي سياسة سعر صرف مرنة لكنها تحت السيطرة، مما سمح بتحديد قيمة الجنيه وفق العرض والطلب الفعلي، مع الحفاظ على استقرار السوق ومنع التقلبات العنيفة. كما لجأ المركزي إلى بيع الدولار للمصارف التجارية لتوفير السيولة وتغطية بعض الاعتمادات، مما خفف الضغط على السوق.

تحسن الميزان التجاري وتراجع الاستيراد الاستهلاكي

شهدت مصر نموًا في صادرات الأسمدة والغاز الطبيعي والمنتجات الزراعية، إلى جانب تراجع كبير في واردات السلع غير الأساسية مع تشديد القيود على الاستيراد العشوائي، مما قلّص الفجوة الدولارية بشكل ملحوظ.

التوقعات المستقبلية لسعر الجنيه المصري

تباينت التقديرات العالمية بشأن اتجاه سعر الجنيه خلال النصف الثاني من 2025، وجاءت كما يلي:

فيتش سوليوشنز: توقعت أن يتحرك سعر الدولار بين 50 إلى 55 جنيهًا في ظل ضغوط تمويلية خارجية واستمرار برامج التقشف.

جولدمان ساكس: رجحت ارتفاع الجنيه إلى نطاق 48-49 جنيهًا بنهاية 2025، إذا ما استمرت تدفقات الاستثمار الأجنبي وتعززت الإيرادات السيادية.

هيرميس: أشارت إلى متوسط سعر صرف عند 51.75 جنيهًا للدولار، مع تحسن في بيئة الأعمال وزيادة نمو الناتج المحلي الإجمالي بنحو 4.5%.

هل يستمر ارتفاع الجنيه أمام الدولار؟

مستقبل ارتفاع الجنيه أمام الدولار يظل رهينًا بعدة متغيرات داخلية وخارجية:

عوامل داعمة لاستمرار الارتفاع:

انخفاض التضخم: تشير التوقعات إلى تراجع معدل التضخم إلى 12.2% في 2025/2026، مقارنة بـ 30% في العام السابق.

نمو احتياطي النقد الأجنبي: قفز الاحتياطي إلى نحو 41.5 مليار دولار بنهاية أبريل 2025.

زيادة تحويلات العاملين بالخارج وتدفقات السياحة.

ثقة الأسواق بقدرة مصر على سداد التزاماتها الدولية.

تحديات محتملة:

ارتفاع أسعار الفائدة العالمية وتأثيرها على تكلفة الاقتراض.

اضطرابات محتملة في قناة السويس أو أسواق الطاقة العالمية.

استمرار الالتزامات التمويلية الخارجية وتكلفة خدمة الدين العام.

إن ارتفاع الجنيه أمام الدولار لم يكن عابرًا، بل نتيجة إصلاحات مالية وهيكلية متراكمة، وتعزيز الإيرادات الدولارية من مصادر متعددة، بدعم من السياسة النقدية المستقرة والقدرة على إدارة سوق الصرف.

اقرأ أيضًا.. حالة الطقس اليوم في مصر: أجواء مائلة للحرارة على معظم أنحاء البلاد

ومع ذلك، فإن الحفاظ على هذا التحسن يتطلب مواصلة ضبط السياسة المالية، وتشجيع الإنتاج المحلي والصادرات، واستمرار جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، بما يُرسخ الاستقرار النقدي ويعزز القدرة التنافسية للاقتصاد المصري.

نسخ الرابط تم نسخ الرابط