نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
دوّامة إهمال ذوي الحاجات الخاصة في كل استحقاق: "لا أريد شفقة... أريد حقي" في الاقتراع - تكنو بلس, اليوم الأربعاء 7 مايو 2025 11:19 صباحاً
في صباح مشرق من 15 أيار 2022، تناهت إلى أسماعنا قصة هزار، التي انطلقت بكرسيها المتحرّك كما تنطلق المحاربة في ساحة المعركة مرتدية درعها. إنها شابة في الثلاثين من عمرها، دائمة الابتسامة رغم تمضية عقود حياتها الثلاثة في محيطٍ من الأطراف غير المتحركة وسلالم لا تنتهي.
في ذلك اليوم، اعتزمت أن تُعبر عن صوتها في الانتخابات النيابية في بعلبك، ربما لتثبت لنفسها قبل العالم من حولها، أنها "مواطنة كاملة" كما ينصّ القانون، برفقة شقيقتها مريم التي تصغرها خمس سنوات والتي هي أيضاً من ذوي الحاجات الخاصة .
درج مدرسة تضم عادة أقلام اقتراع في الطبقة العلوية.
رافقتهما والدتهما إلى المدرسة الرسمية التي حددت مركز اقتراع، لكن هزار صدمت هناك بالحقيقة المُحبطة: المبنى يفتقر إلى المنحدر، الدرج يتعالى بلا رحمة، وصوتها محاصر بين جدران الإسمنت وإهمال الآخرين.
ترددت والدتهما للحظة، ثم قالت بصوت حازم: "ابنتايا ترغبان في الانتخاب. هذا حقهما". اقترب أحد عناصر الأمن ليقدم إليها المساعدة بحمل هزار، لكنها رفضت بشدة، وأجابت بهدوء يحمل في طياته غضباً عميقاً: "لا أريد معروفاً... أريد مدخلاً. أريد حقي، وليس شفقة".
إقترعت الفتاتان بدعم من ذويهما، بعد إصرارهما على ممارسة حقهما الدستوري، بينما كانت أعين الناخبين تراقبهما بين متعاطف وصامت. أما أصحاب الحاجات الخاصة الآخرون الذين حضروا فلم يقترعوا، وكانت قصتهم مختلفة.

الى متى تجاهل فئة واسعة من المواطنين؟
في بعلبك، كما في سائر أرجاء لبنان، تتكرر معاناة ذوي الحاجات الخاصة في كل استحقاق انتخابي. وعود تُطلق في الهواء، لكنها تظل عالقة من دون تنفيذ. قوانين تُسن، ولكنها تظل حبيسة الأدراج من دون تطبيق. وفي هذا السياق، اختارت هزار أن تروي تجربتها عبر منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، لتختتمه بعبارة قوية: "أنا مش عاجزة. أنتو اللي عم تعجزوا عن احترامنا".
رغم إقرار القانون 220/2000 الذي يضمن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، بما في ذلك تسهيل مشاركتهم في الانتخابات، لا تزال مراكز الاقتراع في لبنان تعاني من نقص حاد في التجهيزات الأساسية. المرسوم الرقم 2214/2009 حدّد الإجراءات اللازمة لضمان وصول ذوي الإعاقة إلى مراكز الاقتراع، مثل توفير منحدرات ومصاعد ومرافق صحية ملائمة، إلا أن تطبيق هذه الإجراءات لا يزال متعثراً.
في الانتخابات النيابية الأخيرة عام 2022، سجلت مخالفات تجاوزت 646 حالة تتعلق بعدم تهيئة المراكز لذوي الإعاقة، إذ غابت الممرات المناسبة والمرافق الصحية الملائمة، وجرى توثيق عدد كبير من الانتهاكات المتعلقة بعدم تجهيز مراكز الاقتراع لتلبية حاجات الأفراد ذوي الإعاقة. ووفقاً للتقارير الصادرة عن منظمات مراقبة الانتخابات، مثل "الجمعية اللبنانية من أجل ديموقراطية الانتخابات" (لادي) وحملة "حقي"، تبين أن غالبية مراكز الاقتراع تفتقر إلى المرافق الأساسية التي تكفل وصولاً آمناً ومستقلاً للأشخاص ذوي الإعاقة.
تتضمن هذه الانتهاكات غياب الممرات المناسبة، وعدم وجود مصاعد أو منحدرات، إضافة إلى نقص حاد في اللافتات التوضيحية بلغة الإشارة أو بلغة برايل، والافتقار الى المرافق الصحية الملائمة. كذلك جرت الإشارة إلى أن عدداً من الناخبين ذوي الإعاقة اضطروا إلى الاقتراع خارج المعزل، مما يتعارض مع سرية الاقتراع، أو تعرضوا للضغط للتعجيل في عملية التصويت.
علاوة على ذلك، كشفت التقارير أن نسبة كبيرة من مراكز الاقتراع تقع في طبقات علوية من دون توفير وسائل وصول ملائمة، مما أجبر عدداً من الناخبين على الاعتماد على مساعدة الآخرين، وهذا يعد انتهاكاً لكرامتهم وحقهم في التصويت بشكل مستقل.
أطلقت منظمات المجتمع المدني، مثل "الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركياً"، حملات توعية تحت شعارات مثل "حقي 2024"، تدعو من خلالها إلى انتخابات شاملة تحترم حقوق ذوي الإعاقة. تنادي هذه الحملات باعتماد الطبقات الأرضية في مراكز الاقتراع وتوفير التجهيزات اللازمة من أجل ضمان مشاركة فعالة وآمنة.

الحاجة الى تنفيذ القانون وإعطاء الحق لأصحابه.
كذلك ناشد "مكتب راعويّة الأشخاص ذوي الإعاقة" تهيئة مراكز الاقتراع وتوفير التسهيلات الهندسية واللوجستية التي تضمن سهولة الوصول والحركة للأشخاص ذوي الإعاقة، بما يتماشى مع القوانين والاتفاقات الدولية.
تجربة هزار تسلط الضوء على التحديات الصعبة التي يواجهها ذوو االحاجات الخاصة في لبنان وهم يسعون جاهدين الى ممارسة حقوقهم السياسية. رغم وجود قوانين واتفاقات دولية تضمن هذه الحقوق، إلا أن الواقع يكشف عن عجز صارخ في تطبيقها، مما يثير التساؤلات حيال سبل التعامل مع هذا الاستحقاق الذي تزامن مع تزايد أعداد المصابين في الحربالأخيرة ممن تحولوا بين عشية وضحاها إلى ذوي حاجات خاصة.
ومن أجل ضمان مشاركة عادلة وشاملة، يتعين على الدولة اللبنانية اتخاذ خطوات حازمة لتأهيل مراكز الاقتراع بما يتناسب مع حاجات ذوي الإعاقة، فضلاً عن توفير تدريب ملائم للعاملين في هذه المراكز ليتمكنوا من توفير الدعم اللازم. فالديمقراطية الحقيقية لا تكتمل إلا بمشاركة المواطنين كافة من دون استثناء أو تهميش.
التقرير أنجز بالتعاون مع "مهارات".
0 تعليق