استقالة جماعية في بيروت... ماذا يحصل داخل كشاف التربية الوطنية؟ - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
استقالة جماعية في بيروت... ماذا يحصل داخل كشاف التربية الوطنية؟ - تكنو بلس, اليوم الثلاثاء 6 مايو 2025 04:33 مساءً

في خطوة أثارت تساؤلات واسعة داخل الأوساط الكشفية والشبابية في بيروت، قدّم عشرة أعضاء من أصل أربعة عشر في مفوضية بيروت التابعة لـ"كشاف التربية الوطنية" استقالتهم الجماعية، في بيان نُشر عبر منصات التواصل الاجتماعي، ولا سيما "فايسبوك". هذه الاستقالة الجماعية، التي لم تأتِ من فراغ، تعكس تصاعد حدّة التوترات الداخلية والانقسامات التي كانت تتراكم منذ فترة داخل المفوضية، وسط ما وصفه المستقيلون بـ"القرارات الصارمة" وغياب آليات الحوار والتفاهم.

وتُعدّ هذه المفوضية من بين الأكثر نشاطاً وتأثيراً ضمن الجمعية، ما يجعل من هذه الأزمة حدثاً لافتاً قد تكون له تداعيات على المستوى التنظيمي والإداري وحتى المعنوي للكشافين في العاصمة. وتشير المعلومات إلى أن الخلافات لم تكن محصورة في وجهات النظر فحسب، بل تجاوزتها إلى اعتراضات جوهرية على طريقة الإدارة والتعاطي مع ملفات داخلية حساسة. "النهار" تابعت الملف في محاولة للإضاءة على الأسباب الكامنة خلف هذا الانفجار الداخلي، وردود الفعل عليه من داخل الجمعية وخارجها.

مفوض بيروت في "كشاف التربية الوطنية" القائد أسامة الظريف، أوضح أنّ "الاستقالة الجماعية للقادة لم تكن وليدة اللحظة، بل هي نتيجة تراكمات عمرها أكثر من سنتين، شهدنا خلالها ضغوطات متزايدة ومحاولات واضحة لعرقلة عملنا الكشفي، سواء من ناحية التشكيلات الإدارية أو تنظيم النشاطات والدورات التدريبية". وأكد أن ما فجّر الوضع بشكل مباشر كان كتاباً صادراً عن المفوض العام للجمعية القائد هشام عبد الساتر تضمّن سلسلة قرارات وصفها بـ"التعسفية"، من بينها إلغاء دورة تدريبية نظّمتها مفوضية بيروت ووزّعت شهاداتها، والتشكيك بمستوى القادة المشاركين فيها، إضافة إلى تجميد كافة الدورات التدريبية في المفوضية ما لم تكن تحت إشراف مباشر من المفوضية العامة.

الاستقالة الجماعية عن صفحة مفوضية بيروت.

 

 

وشرح الظريف ما جرى خلال تلك الدورة قائلاً إن "المفوض العام زار مركز التدريب في بيروت في وقت كان فيه المتدرّبون ينفّذون نشاطاً خارجياً ضمن برنامج الدورة في مدرسة قريبة، حيث كانوا يشاركون في حملة نظافة بيئية. وبالرغم من إعلامه بإمكانية زيارته للمتدربين في موقعهم الميداني، رفض القيام بذلك وغادر المركز من دون التنسيق أو التواصل مع مفوض بيروت أو قائد التدريب، ليصدر بعدها قرارات عقابية اعتبرها مفوض بيروت "غير مبررة ومجحفة"، خصوصاً أنها اتُخذت من دون العودة إلى القيادة العامة للجمعية.

10b7c0af0d.jpg

 

هذه التطورات أثارت غضباً واسعاً داخل مفوضية بيروت، حيث اعتبر القادة أنّ ما حصل يشكّل إساءة لكرامتهم واستخفافاً بمستواهم وخبراتهم الكشفية مع حيازة أكثرهم على الشارة الخشبية من اتحاد كشاف لبنان. ووفق الظريف، تمّ تقديم دلائل موثّقة تدحض رواية المفوض العام وتؤكّد قانونية وفعالية الدورة التدريبية، مطالبين بإعادة النظر في القرارات الصادرة، إلا أنّ القيادة العامة اختارت تشكيل لجنة من المفوضية العامة لإعادة تقييم القادة في بيروت عبر اختبار جديد لتحديد ما إذا كانوا "يستحقون الشهادات"، وهي خطوة رُفضت بشدة من مفوضية بيروت، خصوصاً أن المفوض نفسه لم يوافق على هذا القرار خلال اجتماع القيادة كونه جاء مخالفاً لما تم الاتفاق عليه مع القائد العام وهو تشكيل لجنة من القيادة العامة (مفوضي محافظات فقط) لدراسة كتاب المفوض العام ودلائل مفوضية بيروت وبعدها رفع تقرير للقائد العام.

وأوضح مفوض بيروت أن التصعيد لم يقتصر على الخلافات الإدارية، بل تخلّله تعامل مهين من بعض أعضاء القيادة العامة، حيث تعرّض لإهانات واستهزاء وتنمّر موثّق في سياقات التواصل الداخلي. كما مورست عليه ضغوط متكرّرة من القائد العام نديم معلوف، الذي طلب منه صراحة الاستقالة، بحجة "افتقاده للكاريزما" وصعوبة التواصل معه، وهي الذريعة ذاتها التي استخدمها عدد من القادة في القيادة العامة لدفعه إلى التنحي، رغم غياب أي مسوّغ تنظيمي لذلك.

5dc9702c76.jpg

 

وكشف مفوض بيروت أن الأسباب الحقيقية خلف هذا الضغط تتجاوز الأداء المهني، إذ برز مرشّح مقرّب من القائد العام كبديل جاهز لتولي المنصب، وسط تلميحات متكرّرة في الاجتماعات إلى اعتبارات طائفية ومذهبية ورغبة في تعديل "التركيبة التمثيلية" داخل مفوضية بيروت بما يتماشى مع توازنات داخلية تسعى إليها القيادة. واعتبر أن هذه الضغوط تعكس نهجاً إقصائياً لا يستند إلى الكفاءة، بل إلى حسابات ضيقة تتناقض مع مبادئ الحركة الكشفية وروحها الوطنية الجامعة.

وتواصلت "النهار" مع القائد حسين شباني، أحد القادة المستقيلين من مفوضية بيروت، الذي أكّد أن قرار الاستقالة الجماعية جاء بعد أكثر من أربعة أشهر من المحاولات الجدّية لإيجاد حل للأزمة، شارك فيها كل من رئيس وحدة الأنشطة الرياضية والكشفية في وزارة التربية الدكتور مازن قبيسي، ورئيس المنطقة التربوية لبيروت وضواحيها الأستاذ محمد الحمصي. وأشاد شباني بالدور الكبير الذي بذله الطرفان، مؤكداً أنهما عملا بلا كلل، وبذلا جهوداً جبّارة لتقريب وجهات النظر والوصول إلى تسوية تُرضي جميع المعنيين. إلا أن القيادة العامة، بحسب شباني، كانت تتنصّل بشكل دائم من التفاهمات التي يتم التوصل إليها خلال تلك الاجتماعات، وسط اعتراف صريح من القائد العام بأن "أي ضغوط أو وساطات خارجية لا تعنيه".

 

e7002d7c3f.jpg

وأضاف شباني أن أحد أبرز أسباب الغضب والاستقالة كان مضمون كتاب المفوض العام الذي وصف فيه المستوى في بيروت بـ"المتدني جداً"، معتبراً أن "هذا الاتهام لا يمسّ أفراداً بعينهم، بل يطاول مفوضية بأكملها تمثّل العاصمة بيروت، وهو تعدٍّ غير مقبول لا يجب أن يمرّ من دون محاسبة".

ولفت إلى أن القائد العام ومستشاره لشؤون التدريب اعترفا لاحقًا بأن كتاب المفوض العام تضمّن مغالطات وأخطاء وتسرّعا في إصدار القرار، وأقرا بأن الكتاب لم يُعرض على القائد العام قبل نشره، بل تمّ تبليغه به بعد صدوره. وهو ما يُعد، بحسب شباني، خرقاً واضحاً للأصول التنظيمية، إذ ينصّ المسار القانوني على وجوب رفع تقرير إلى القائد العام بعد التحدث مع قائد التدريب في مفوضية بيروت وسؤاله عن التفاصيل وتأكيد وجود خطأ، ليُصار إلى دراسة وجهتي النظر واتخاذ القرار بناءً على ذلك. "لكن هذا التسلسل لم يُحترم، وجرت الأمور بشكل انفرادي ارتجالي، ما زاد من حالة الغضب وعدم الثقة".
9b49ef6428.jpg

في السياق، أفاد أحد القادة الـ10 المستقيلين من مفوضية بيروت لـ"النهار" أن ردّة فعل القيادة العامة بعد إعلان الاستقالة الجماعية لم تكن كما يُروَّج من حيث السعي للاحتواء أو معالجة الأسباب، بل تم التواصل مع القادة المستقيلين، ليس للاستماع أو التفاهم، بل لمطالبتهم بتقديم استقالات خطّية وموقّعة، بغية تثبيت خروجهم النهائي من جمعية كشاف التربية الوطنية. كما طُرحت سريعاً في أوساط القيادة العامة دعوات لإقالة مفوض بيروت، الذي لم يقدّم استقالته، وتسليم الأمانات، وبدء إجراءات تشكيل مفوضية جديدة كلياً، من دون إشراك أي من القادة العاملين فيها.

وأضاف القائد أنه بعد استقالة 10 أعضاء من مجلس مفوضية بيروت من أصل 14 أُقفل فوج الأمير شكيب أرسلان وفوج عمر الزعني ومحمد شامل وادّعت القيادة العامة أنها وجّهت دعوات للقادة لحضور اجتماعات لحلّ الخلاف قبل اتخاذ القرارات، لكن الحقيقة مختلفة. فالدعوة التي تلقوها لحضور أحد الاجتماعات كانت واضحة في مضمونها، إذ جاء فيها أن الاجتماع يُعقد بغرض "تبليغهم بالقرارات المتّخذة" بحق مفوضية بيروت، لا للتشاور أو النقاش. وتابع: "كنا قد علمنا مسبقاً أن أحد هذه القرارات هو وضع مفوض بيروت بتصرّف القائد العام، وتعيين بديل مؤقت لتصريف الأعمال، تمهيداً لمساءلته وإقالته لاحقاً. بناءً عليه، قررنا عدم الحضور وأبلغنا أمين السر العام بذلك. ورغم هذا الاعتذار الرسمي، حضر أعضاء القيادة العامة الاجتماع وانتظرونا، ثم اتهمونا بالتغيّب ورفض الحوار، متجاهلين أننا كنا قد أوضحنا موقفنا مسبقاً".

ab3c735eb5.jpg

وفي السياق، أعرب قائد من مفوضية عكار في كشاف التربية الوطنية طلب عدم الكشف عن اسمه عن استيائه من الأوضاع الداخلية في كشاف التربية الوطنية، متحدثاً عن ممارسات طائفية واستبدادية تهيمن على المفوضية. وأشار إلى أن عدداً من القادة في عكار طالبوا بتعيين قائد معروف بكفاءته وتاريخه الكشفي كمفوض، لكن ما لمسوه من تصرفات وقرارات أوحى بأن الموقع محصور بطائفة محددة، وأن أي مرشح لا ينتمي إليها لن يُقبل في مفوضية عكار. هذا الواقع غير المعلن، لكنه الممارَس فعليًا، خلق شعوراً عميقاً بالإقصاء والتمييز الطائفي بين القادة.

وسعياً لتقديم رواية القيادة العامة وموقفها ممّا جرى، تواصلت "النهار" مع القائد العام لجمعية كشاف التربية الوطنية بهدف توضيح ملابسات الأزمة والردّ على ما ورد من اتهامات من قبل مفوضية بيروت والقادة المستقيلين. إلا أن القائد العام رفض الإدلاء بأي تصريح عبر الهاتف، وأصرّ على أن يتم اللقاء في مكتبه ضمن وحدة الأنشطة الرياضية والكشفية. وبناءً عليه، أعادت "النهار" التواصل معه، معربة عن ترحيبها بزيارته في مكتبه، وطلبت منه تحديد موعد مناسب لإجراء المقابلة. لكنّه أبلغنا بأنه يحتاج أولاً إلى الحصول على إذن رسمي من الوزارة قبل استقباله أي وسيلة إعلامية، على أن يعود لاحقاً لتحديد الموعد.

"وفي اليوم نفسه، تواصلنا معه مجدداً، مبدين رغبتنا في تسريع تحديد الموعد، واستفسرنا عمّا إذا كان بإمكانه إعلام الوزارة سريعًاً لترتيب الزيارة، إلا أننا حتى ساعة إعداد هذا التقرير، لم نتلقَّ أي ردّ منه".

 

2f46f22e73.jpg

 

اتحاد كشاف لبنان
وفي حديث لـ"النهار"، أوضح رئيس اتحاد كشاف لبنان القائد وسيم الزين أن الاتحاد لا يتدخّل في الشؤون الداخلية للجمعيات الكشفية إلا في حال طُلب منه ذلك رسمياً من قِبل الجمعية المعنية. وأشار إلى أن ما جرى في مفوضية بيروت، بحسب ما تبيّن من المعطيات، هو تقديم عدد من القادة استقالاتهم عبر منشور على "فايسبوك"، وهو ما لا يُعتبر استقالة قانونية أو رسمية وفق الأصول الكشفية المعتمدة.

وشدد الزين على أنه في حال كان القادة مصرّين على الاستقالة، يتوجب عليهم تقديم طلباتهم خطياً إلى مفوض المحافظة، ليُصار إلى درسها وإصدار براءات ذمّة، خصوصاً إذا كانوا ينوون الانتقال إلى جمعية كشفية أخرى. كما لفت إلى أهمية أن تبادر القيادة العامة للجمعية، في مثل هذه الحالات، إلى التواصل مع القادة المستقيلين لفهم خلفيات الاستقالة ومسبّباتها.

وتطرّق الزين إلى التحديات التي تواجهها بعض الجمعيات، معتبراً أن من أبرزها "ولاء بعض القادة لأشخاص وليس للمؤسسة"، وهو أمر، بحسبه، يتطلب عملاً داخلياً جاداً واحتضاناً فعلياً من القيادة من أجل تصويب البوصلة وترسيخ الانتماء للمؤسسة.

وختم بالإشارة إلى جهود الاتحاد في تعزيز العمل التطوعي وتنمية العضوية، من خلال برنامج خاص يركّز على تطوير القدرات القيادية وإطلاق حملات انضمام فعّالة موجهة لطلاب المدارس والجامعات، بما يعيد الاعتبار لدور الكشاف كمساحة تربوية ووطنية جاذبة.

وفي ظلّ التحديات المتزايدة التي تواجه الشباب اللبناني، يكتسب العمل التطوعي في الجمعيات الكشفية دوراً محورياً في تنمية القيم، وبناء الشخصية، وترسيخ روح المبادرة والمسؤولية. لكن تحقيق هذه الرسالة لا يتم إلا من خلال بيئة كشفية صحّية، عادلة، شفافة، وقادرة على احتضان الطاقات، لا إقصاءها. فالكشاف، أولاً وأخيراً، هو وعدٌ بالالتزام، وعهدٌ على الخدمة، لا مساحة للصراعات أو الحسابات الضيّقة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق