يثير الجدل المتجدد حول الأصول والأموال الليبية المجمدة في الخارج، وتحديدًا في المملكة المتحدة، موجة غضب واسعة في ليبيا، عقب مناقشات أجراها مجلس اللوردات البريطاني حول إمكانية استخدام هذه الأموال لتعويض ضحايا هجمات الجيش الجمهوري الإيرلندي.

هذه الخطوة اعتُبرت من قبل أطراف ليبية محاولة لاستغلال أموال الشعب الليبي، بذريعة دعم نظام القذافي لجماعات مسلحة في ثمانينات القرن الماضي.

ورغم مرور أكثر من عقد على إسقاط النظام السابق، ما زال الليبيون يواجهون محاولات تحميلهم تبعات سياسات لم يشاركوا فيها، وسط تحذيرات من مغبة المساس بأصولهم المجمدة التي تُقدّر بعشرات المليارات من الدولارات، ويُفترض أنها مجمّدة بموجب قرارات دولية تمنع التصرف فيها.

غضب ليبي من بريطانيا

أعربت لجنة التحقق من الأموال الليبية المجمدة بالخارج، التابعة لمجلس النواب الليبي، عن رفضها الشديد لأي محاولة من جانب بريطانيا أو غيرها للتصرف في تلك الأصول، مؤكدة أن ذلك يشكل انتهاكًا لقراري مجلس الأمن 1970 و1973 لعام 2011، اللذين ينصان صراحة على تجميد الأموال دون المساس بها.

وقال رئيس اللجنة، يوسف العقوري، إن “الشعب الليبي يرفض تحمّل تبعات سياسات خاطئة لنظام سابق، ويصرّ على حماية مقدراته الوطنية”، مضيفًا أن “أي إجراء بريطاني في هذا الاتجاه سيُقابل بتصعيد سياسي وقانوني حاد”.

علاقة أموال ليبيا المجمدة والجيش الجمهوري الإيرلندي

بحسب تقاريير تُعيد الخطوة البريطانية إلى الواجهة أحد أكثر الملفات حساسية، والمتعلق بدعم نظام القذافي للجيش الجمهوري الإيرلندي، والذي شمل – بحسب اتهامات بريطانية – تزويده بمتفجرات “سيمتكس” استخدمت في هجمات دامية داخل المملكة المتحدة.

ورغم تأكيد الحكومة البريطانية في وقت سابق عدم نيتها استخدام أموال ليبيا لتعويض الضحايا، فإن إعادة فتح الملف داخل مجلس اللوردات أثار قلقًا واسعًا في الأوساط الليبية، خاصة مع تنامي الضغوط التي تمارسها مجموعات ضغط قانونية وسياسية داخل بريطانيا.

قوى ليبية تتهم لندن بـ”الابتزاز السياسي”

وفق وسائل إعلام ليبية ندد حزب “صوت الشعب” الليبي بما وصفه بـ”الابتزاز السياسي المفضوح”، منتقدًا محاولة تحميل الليبيين مسؤولية أعمال ارتكبها نظام مضى عليه أكثر من عقد.

واعتبر الحزب في بيان له أن “ما يحدث عبث قانوني لا يراعي الحد الأدنى من العدالة، ومحاولة مكشوفة لمصادرة حقوق الليبيين تحت غطاء قانوني مضلل”.

وأضاف البيان: “بدلاً من المطالبة بتعويضات، يجب على بريطانيا الاعتراف بدورها في زعزعة استقرار ليبيا خلال تدخلها العسكري عام 2011، والذي ساهم في تدمير مؤسسات الدولة، وتسبب في فوضى عارمة لا تزال البلاد تدفع ثمنها حتى اليوم”.

حجم الأموال الليبية المجمدة في بريطانيا

تُقدّر قيمة الأصول الليبية المجمدة في الخارج، وخاصة في بريطانيا، بنحو 67 مليار دولار، وفق بيانات صادرة عن المؤسسة الليبية للاستثمار.

ورغم الجهود الليبية المتكررة لاسترجاع هذه الأموال أو استثمارها، إلا أن معظمها ما زال خاضعًا لتجميد مشدد، يُبرر تارةً بعدم الاستقرار السياسي، وتارةً أخرى بمخاوف من إساءة استخدامها.

ويرى مراقبون أن تلك المبررات لم تعد كافية، خصوصًا في ظل تقاعس السلطات الليبية المتعاقبة عن وضع آليات واضحة وشفافة لإدارة هذه الأموال، ما يجعلها عرضة للاستغلال من قبل جهات أجنبية قد تسعى لفرض وصايات مالية بحجج سياسية وتاريخية.

تأثير الأزمة السياسية على استعادة أموال ليبيا المجمدة

في ظل تصاعد المخاوف من توجه بريطاني فعلي للتصرف في الأموال الليبية، تتعالى الأصوات داخل ليبيا لتشكيل موقف وطني موحد، يجمع بين المؤسسات الرسمية والقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني، من أجل التصدي لما يُوصف بمحاولة “نهب مقنّع” للثروة الوطنية.

ويحذر خبراء قانونيون ودبلوماسيون من أن أي تراخٍ في هذا الملف قد يفقد ليبيا ورقة سيادية حيوية، ويفتح الباب أمام سوابق قانونية قد تستغلها دول أخرى لفرض تعويضات مشابهة، ما يُهدد مستقبل الأصول الليبية في الخارج.

في المقابل، يرى البعض أن استمرار الانقسام السياسي في البلاد، وغياب مؤسسات موحدة وفاعلة، قد يضعف الموقف الليبي في مواجهة التحركات البريطانية، ويُفرغ أي تحرك قانوني أو دبلوماسي من مضمونه، ما يستدعي تحركًا عاجلًا لتفعيل أدوات القانون الدولي، وتحريك مسار فعّال لاستعادة أو تحصين هذه الأموال من أي استغلال خارجي.

اقرأ أيضًا: فيديو | هجمات الملاهي الليلية تثير الرعب في دمشق.. ماذا يحدث في سوريا؟

نسخ الرابط تم نسخ الرابط