ترامب 2.0: سقوط الفأس على رؤوس داخلية واستنفار في السياسة الخارجية - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ترامب 2.0: سقوط الفأس على رؤوس داخلية واستنفار في السياسة الخارجية - تكنو بلس, اليوم الأحد 4 مايو 2025 05:33 صباحاً

كان لا بد من أن يدفع ركنٌ من أركان إدارة الرئيس دونالد ترامب ثمن اللامهنية والإحراج الذي تسببت به فضيحة تسريب معلومات بشأن ضربات عسكرية ضد الحوثيين في اليمن، ومشاركة المعلومات عن طريق الخطأ مع رئيس تحرير "أتلانتيك". أول من سقط هو مستشار الأمن القومي مايك والتز- الذي أضاف اسم الصحافي عن طريق الخطأ إلى مجموعة المسؤولين الكبار في إدارة ترامب، كانت تبحث في مسائل تخصّ الأمن القومي عبر تطبيق "سيغنال". الابن المدلل لدونالد ترامب، وزير الدفاع بيت هيغسيت، يرتكب خطأ تلو الآخر بدءاً ببحث أمور عسكرية عبر تطبيق غير مؤمّن ومع زوجته وأخيه، مرشح لسقوط الفأس على رأسه عاجلاً أم آجلاً. آخرون في إدارة ترامب يستعدون لمفاجأة تنحيتهم وجزء آخر يتمنون لو يستطيعون الاستقالة.

 

كل هذا يتزامن مع مرور مئة يوم على الرئاسة الثانية لدونالد ترامب إذ وجد الرئيس الغاضب نفسه هشّاً على الصعيد الداخلي والخارجي، لأنه لم يتمكن من تقديم اختراق أو إنجاز ملموس يتماشى مع تطلعاته ووعوده: فلا الاقتصاد بخير ولا الرسوم الجمركية التي أطلقت حرباً تجارية خطيرة. لا حرب أوكرانيا انتهت، ولا هدنة غزة تحولت إلى وقف نار. بدأت المباحثات مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ثم تعثّرت. والآن، إن دونالد ترامب الذي يستفزّه الفشل وجد نفسه في حاجة الى إطلاق مدة المئة يوم المقبلة بعملية قد تكون قيصرية- وهكذا أعاد العالم إلى التأهب لمفاجآت.

منذ توليه الرئاسة وبعد اختيار فريقه الوزاري، توقّع البعض منّا أن يطرأ تغيير في تشكيلة الإدارة، لأن الرئاسة الأولى لدونالد ترامب شهدت على أنه جاهز للاستغناء عن أقرب المقربين. توقع بعضنا ألاّ يدوم الملياردير إيلون ماسك في منصبه وصلاحياته الاستثنائية. بدأت عملية الاستئصال والاستبدال لأسبابٍ وجيهة وبراغماتية وهي ليست عابرة وإنما سيرافقها تغيير وتعديل في السياسات الداخلية والخارجية للمئة يوم الأولى.


فريق ترامب ليس متماسكاً بل إنه يخوض معارك كبرى بسبب سياسات الرئيس الذي يؤمن بشخصنة الشؤون الدولية، لأنه يؤمن بأنه رجل مختار للقيام بمهمة إصلاح أميركا وإصلاح العالم.

ذلك الاجتماع التلفزيوني لأركان إدارة ترامب في اليوم 101 من رئاسته كان مدهشاً حقاً. لا أعرف إن كان هذا ما يجري منذ عقود لدى اجتماع أركان إدارةٍ أميركية في الغرف المغلقة حين يتحدّث كل وزير- بإغداقٍ للمديح على الرئيس ورؤيويته. ما أعرفه هو أن تلك الجلسة قطعت الأنفاس بسبب تأليه الوزراء لدونالد ترامب، كما لأن هؤلاء الرجال والنساء كانوا في حضرة الرئيس بمزيج من الخوف منه والخوف من خسارة مناصبهم. مهما كان الأمر، كان المشهد غير مطمئنٍ وفيه بعض السوريالية.

وراء الكواليس، هناك طبقات من الرجال والنساء داخل الحكومة الأميركية من ألمع العقول تصنع السياسات الأميركية. المشكلة في زمن الرئاسة الثانية لدونالد ترامب ليست مشكلة جديدة، وهي، أن يأتي الرئيس إلى البيت الأبيض بثقل أجندة تصوغها مؤسسات فكرية تنتمي إلى العقيدة نفسها التي ينتمي اليها الرئيس. مشروع 2025 هو العقيدة التي نفى ترامب المرشح للرئاسة انتماءه إليها، ثم بيّن أنها تسيّر قراراته كما صاغتها "هيريتيج فاونديشن".

التسمية ليست مهمة، إن كانت "الدولة العميقة"، أو "المؤسسة" establishment، أو الحكومة الأميركية التي تتعدّى الإدارات المتتالية. المهم أن هناك اليوم معركة جديّة في صفوف الحكم في الولايات المتحدة، وهناك مخاوف من الاعتباطية والبهلوانية التي يُتهم دونالد ترامب بأنه يتبناها عمداً كسياسة هدفها الإرباك وعدم اليقين.

استراتيجية ترامب تنطوي على الصدمة ركيزة للسياسة. تنطوي على رفع السقف لإبرام الصفقة. تنطوي على اختلاق الأزمات والتوبيخ، لكنها أيضاً تنطوي على دفع الآخرين إلى الخروج من الاسترخاء، وإلى اهتزاز الشجرة لإسقاط العفن منها. لذلك هناك شطر من الرأي العام الأميركي يعجبه ما يقوم به دونالد ترامب، إنما يخجل بالأسلوب الذي يعتمده.

المؤسسة السياسية والعسكرية داخل الحكومة الأميركية تتحفظ عن اعتماد الرئيس ترامب على رجالٍ من خارج الملاك وعلى الصلاحيات الواسعة التي أعطاها لهم. لذلك، إن وزير الدفاع بيت هيغسيت ليس محبوباً لدى المؤسسة العسكرية. كذلك هناك مقاومة للصلاحيات التي أعطاها الرئيس ترامب إلى مبعوثه ستيف ويتكوف ووضعته في منصب فوق العادة. فهو رجل أعمال وليس رجل سياسة، في رأي المؤسسة السياسية. لذلك، كان لا مناص من العمل الدؤوب على "إفلاس" إيلون ماسك ليتدحرج عائداً الى "تسلا"، تاركاً وراءه "دودج" بعد السماح له بالظهور بأنه نفّذ لدونالد ترامب مهمّة تنظيف البيروقراطية الأميركية الضخمة وأتى إليها بالكفاءة.

على صعيد السياسة الخارجية، توافق المؤسسة مع الرئيس على أن الصين هي المنافس الأول للعظمة الأميركية الذي يجب احتواؤه وتقليم أظافره. الاختلاف هو على التفاصيل، والشيطان في التفاصيل. قطع الأذن للانتقام من الوجه ليس قراراً استراتيجياً. لعبة "من يرمش أولاً" ليست استراتيجية تتبناها الدول الكبرى في زمن المنافسة الكبرى. الحرب التجارية لها إفرازات على الاقتصاد الأميركي، وهذا من الممنوعات لدى "المؤسسة" التي تضم رجال المال والاقتصاد والشركات الكبرى، وليس فقط المكونات العسكرية والسياسية. انخفاض نسبة الناتج المحلي الإجمالي GDP ليس مزحة.

أميركا لا يعجبها استفراد السلطة التنفيذية بالقرار خصوصاً إذا كانت الرئاسة تبدو أنها تبتلع صلاحيات السلطة التشريعية والسلطة القضائية. لذلك، لن يتمكن دونالد ترامب من الانقلاب على السلطات التي وضعها الدستور الأميركي صمام أمان للولايات المتحدة الأميركية. الحملات الانتخابية شيء. والحكم شيء آخر.

رغم كل ذلك، إن شطراً مهماً من الرأي العام الأميركي يؤمن بما يقوم به دونالد ترامب، لأنه يؤمن بفكرة استعادة عظمة أميركا ووضع حد لاستغلال الآخرين لها. والكلام ليس فقط عن الصين.

كثيرون من الأميركيين يوافقون الرئيس ترامب على تحمّل أوروبا مسؤولياتها ونفقاتها بدلاً من الاسترخاء تقليدياً في فوائد التحالف عبر الأطلسي. كثيرون منهم يوافقون الرئيس على وضع حد للهجرة غير الشرعية التي استغلت الثقوب المتراخية كي تتهرب من دفع الضرائب، مثلاً. كثيرون منهم يدعمون التصدّي للحدود السائبة مع المكسيك مثلاً، وإن كانوا يتحفظون عن بدعة ضم كندا ولاية 51 للولايات المتحدة الأميركية. كثيرون منهم لا يرحبون بأنماط الجامعات الأميركية التي انحرفت إلى اليسارية.

عندما يتعلق الأمر بالشؤون الخارجية، معظم الأميركيين ليسوا مهتمين سوى بالمسائل التي تؤثر فيهم. إسرائيل مسألة داخلية أميركية لا تتردد الأكثرية الأميركية في دعمها حتى وإن تحفّظ جزء منها عن إجراءاتها الإبادية للفلسطينيين في غزة؛ ففي الذاكرة الأميركية تعلو أصوات 7 تشرين الأول / أكتوبر وما فعلته حركة "حماس".

وعندما يتعلق الأمر بإيران، لا يبالي معظم الأميركيين إن كانت إيران الدولة الوحيدة في العالم التي تعتبر أن من حقها استخدام الوكلاء والميليشيات لفرض عقيدتها التوسعية والدوس على سيادة الدول المجاورة.

ما يهمهم هو ألاّ تتورط الولايات المتحدة بحرب مع إيران. ما يهمهم أيضاً هو ألاّ تمتلك إيران القنبلة النووية.

دونالد ترامب يفهم ذلك، ولهذا دخل المفاوضات مع رجال الجمهورية الإسلامية الإيرانية وفي يده الجزرة التي يحبذها، والعصا التي سيستخدمها إذا اضطر.

يدرك الرئيس الأميركي الآن أن مشروعه لأوكرانيا اصطدم بواقع اسمه فلاديمير بوتين الذي لن يتمكن من تلبية مطالبه، كما تصوّر ترامب بفكرة أنه يحترمه وبالتالي سيلبيه. لن يقبل بوتين ما يعرضه ترامب من اعتراف للرئيس الأميركي بالسيادة الروسية على شبه جزيرة القرم، وليس اعتراف الدولة الأميركية. لن يقبل وعود رئيس، مهما احترمه ومهما ساعده. المسألة مسألة بقاء فلاديمير بوتين على رأس روسيا.

دونالد ترامب أدرك أن ليس في وسعه إبرام صفقة ثنائية مع فلاديمير بوتين باستبعاد أوروبا. عدّل سياساته وبدّلها نحو أوكرانيا لأنه أدرك أن أفكاره الأولية غير قابلة للتطبيق. والآن، يريد أن يركّز بعيداً عن أوكرانيا باتجاه إيران والشرق الأوسط، خصوصاً أنه على وشك القيام بزيارة فائقة الأهمية الى دول خليجية عربية، بدءاً بالسعودية.

الرسالة إلى حكام إيران يبعثها رجال ترامب عصاً وجزرة. التغيير في المناصب الرئيسية سيكون لها تأثير على كيفية التفاوض مع طهران خصوصاً أن الانقسام داخل فريق ترامب حول ماهية التفاوض وأسسه انقسام جدّي.

تأجيل الجولة الرابعة من المباحثات يفيد بأن المفاوضات تتعثر مع أنها لم تنهر. رسالة وزير الدفاع الأميركي إلى طهران هذا الأسبوع أن عليها أن تتوقف عن دعم الحوثيين رسالة جديّة. فهذه حرب تشنها أميركا على الحوثيين، ولن تقبل إدارة ترامب أن تستمر في الجلوس إلى طاولة المحادثات مع إيران، فيما إيران تواجهها في الميدان عبر الحوثيين في اليمن أو غيرهم من أذرعها.

فريق داخل إدارة ترامب يعارض فكرة تلبية الأجندة الإيرانية بأن تكون المحادثات درعاً تحمي إيران من استحقاقات برنامجها النووي، عبر الإطالة والمطاطية ورفض التحدّث عن الصواريخ الباليستية والوكلاء. طهران تريد مجرد الصواريخ الباليستية والوكلاء. طهران تريد مجرد "الإطار" العام فيما إدارة ترامب تريد تدوين ما يُتفق عليه بتفاصيل، وعلى الورق. المحادثات للآن مستمرة إنما المفاوضات متعثرة.

الأولوية لدونالد ترامب ليست في تسويق أهمية "صُنِعَ في أميركا" واستعادة عظمة أميركا وحسب، فالعنوان الآخر الذي لعله بالأهمية ذاتها كما تسويق الاستثمار في أميركا هو: ثقوا بترامب Trust in Trump. وهنا التحدّي.

فهذا رجل غير اعتيادي. لم يسبق أن تربّع رجل مثله على عرش البيت الأبيض. رجل حرص دائماً على أن يُكتب اسمه على الفنادق والأبنية بالذهبي وأن يكون على كل لسان. وهكذا كان. لقد حقق ترامب حلمه بأن يؤخذ على محمل الجد مهما بدا أنه ليس جديّاً، وها هو اسمه حقاً على كل لسان في مختلف أنحاء العالم. فلنرَ ماذا سيفعل بهذا الإنجاز مع بدء مرحلة ما بعد المئة يوم في الرئاسة. لنراقب عن كثب دونالد ترامب 2.0.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق