نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
إلى أين يقود ترامب أميركا والعالم؟ - تكنو بلس, اليوم الثلاثاء 29 أبريل 2025 05:18 مساءً
عماد جودية
أين تقف أميركا اليوم ومعها دول العالم في ضوء الإجراءات التي اتخذها سيد البيت الأبيض وإدارته؟
في اختصار، أراد ترامب أن يفرض تعرفات جمركية لتقليص حجم العجز التجاري الأميركي، وقد غالى في النسب التي أعلنها لكي يعقد التسويات مع الدول. ما لم يكن ينتظره هو ردة فعل العالم بأسره من حلفائه وأصدقائه وخصومه وأعدائه معا الذين تكتلوا على أميركا، في الوقت الذي أدت فيه الصين أوراقها بدقة متناهية، فرفعت رسوم استيراد الإنتاج الأميركي ولوحت بخفض عملتها بنسبة عشرين في المئة في مرحلة أولى، وأربعين في المئة في مرحلة ثانية، لكي تقتحم بضائعها الأسواق العالمية بأسعار متهاودة.
هل أراد ترامب هز ثقة العالم باقتصاد أميركا ودولارها لجني أرباح مالية بالمليارات هو ورجال مال وأعمال مقربون منه كما اتهمه بعض خصومه في الحزب الديموقراطي؟ الجواب لا. لا تعففا، بل لأن القانون الأميركي له بالمرصاد. ولكن مما لا شك فيه أن الصين تتمدد بهدوء وثقة وتقنية عالية، وتستغل سقطات الولايات المتحدة الاميركية لمزيد من التوسع. وإحدى هذه السقطات المهمة هي التعرفات الجمركية والتراجع عنها، وقد زرعت التنبه لخطورة أحادية الدولار كعملة احتياط وتجارة. وكانت صحف أميركية مرموقة ومحطات تلفزيونية عريقة غالت في استنتاجاتها لجهة تحذيرها وإبداء خوفها وقلقها من احتمال أن يعمد العالم إلى تخليه عن الدولار كعملة وحيدة في التجارة الدولية بعد الإجراءات التي أقدم عليها ترامب وإدارته.
طبعا لا نوافقها على خوفها وقلقها، ولوضع الأمور في نصابها لا بد من الإشارة إلى أن الصين تحمل أوراقا مالية بالدولار تفوق التريليون، ومهما توسعت في أسواق العالم يبقى أن السوق الأهم والأغنى لمنتجاتها هي الولايات المتحدة الأميركية، تليها أوروبا.
نعم، قد تحصل سقطات أخرى تعجل في عملية انحسار التعامل بالدولار في المستقبل القصير او المتوسط، وهذا منوط بنتائج تراجع ترامب عن التعرفات الجمركية وبخاصة في سوق سندات الخزينة. لهذا لا نتوقع أن يكون هناك أي اهتزاز للدولار بقيمته السوقية الدولية، لا في المدى القصير ولا المتوسط، بل بالعكس، ربما سيكون لهذه الإجراءات الأثر الأكبر على اليورو واليوان الصيني والين الياباني والروبي الهندي والدولار الكندي، وأقل تأثيرا على الإسترليني حيث الفائض التجاري في بريطانيا لمصلحة أميركا. وكان رد فعل الصين الأولي على رفع التعرفات بيع سندات خزينة حكومية أميركية بقيمة 240 مليار دولار، وهذا ما أجبر الخزينة الأميركية على شراء غالبيتها حفاظا على استقرار قيمتها واستقرار الأسواق المالية العالمية. وكان هذا هو السبب الرئيسي لتأجيل التعرفات (أتوقع لاحقا إلغاءها).
طبعا سيزيد شراء السندات الصينية من الخزينة الأميركية الدين العام، وهذا عكس ما كان يطمح ترامب إلى تحقيقه بإجراءاته تلك. لذا كان عليه أن يقود محادثات مع قادة الدول المعنية كل على حدة، بعيدا من الإعلام، يشرح فيها أن الخلل في الميزان التجاري الأميركي مع دولهم لا يمكن أن يستمر كما هو. ويجب التوصل إلى اتفاقات لردم هذا العجز، بدلا من ممارسته الشعبوية العلنية والظهور على شاشات التلفزة والإعلان عنها بتحدّ، وكأنه رامبو. وزاد خطأه خلال خطابه أمام الكونغرس، حيث شاهد العالم طرد أحد أعضاء المجلس AL Green لاعتراضه على مقطع في خطابه يتعلق بشأن داخلي بحت، وكيف قام أحد مسؤولي الأمن بإخراجه، ووقف نائب الرئيس فانس مصفقا وهو يصرخ shut up and get out، وفي الوقت نفسه ضحك العالم عندما سمع رئيسه يقول في كلمته إن حرية الرأي في عهده ستكون مصونة أكثر من أي عهد مضى.
إنها أميركا الجديدة التي ستغير خلال السنوات الأربع المقبلة النظام الدولي الذي عاش العالم عليه منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. فممارسة الديموقراطية لن تكون معيارا أميركيا في العلاقات الدولية، وعمليات قمع الشعوب من أنظمتها لن تدان إذا كانت تخدم المصالح الإميركية. وسيقدم ترامب خلال السنوات الأربع على إنهاء هيئات ومؤسسات وأجهزة دولية وحكومية وأحلاف كانت تعتبر أعمدة النظام العالمي. فينهي حلف الناتو، وصندوق النقد ألدولي والبنك الدولي وهيئة الأمم المتحدة بمؤسساتها، من الصحة العالمية إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي، إلى محكمة العدل الدولية، إلى مجلس الأمن الدولي المعطل دائما بالفيتو. وإذا أراد العالم معرفة فكر ترامب وإدارته الحالية والتغيير الذي ستقوم به، فما عليه سوى قراءة كتاب جون بولتون ( The Room Where It Happened A White House Memoire ) الذي يقول إن مبدأ القوة الناعمة عند ترامب مبدأ خاطئ، وبالتأكيد لا يخدم الولايات المتحدة التي تدفع ثمنا باهظا لا جدوى منه سوى خدمة الآخرين. وبعيدا من رأي بولتون، فإن ترامب يرفض من خلال إجراءاته أن تدفع بلاده 16 في المئة من ميزانية الناتو لتستفيد دول لا تشارك فيها إلا بحصة هزيلة مثل بولندا وليتوانيا وبلغاريا ... ويدعو إلى أن تحل الولايات المتحدة بمفردها مكان الناتو وتوقع معاهدات دفاع مع الدول الأعضاء لقاء بدل مالي وفق شروطها، وبهذا تنعكس الأمور لتصبح مصدر ربح لأميركا بدلا من كلفة الـ16 في المئة التي تدفعها بلا جدوى. والأمر نفسه يسري على البنك الدولي وصندوق النقد الدولي حيث الولايات المتحدة هي المساهم الأكبر فيهما. فبدلا من لجوء الدول المحتاجة إلى قروض مالية للاستدانة ومعالجة أزماتها المالية، عليها في رأيه أن تلجأ إلى الولايات المتحدة التي تقوم هي بتقييم المخاطر وتقدم القروض التي تحتاج إليها وتوفر لها خطط التعافي للخروج من أزماتها. ويعتقد أن الأمم المتحدة مضيعة للوقت والمال، فأميركا بالنسبة إليه تغطي وحدها 30 في المئة من أكلاف تلك المؤسسة الدولية. وهو يعتبرها مؤسسة فاشلة لا تقوم بالمهمات التي نشأت من أجلها، كمنعها الحروب وفرض الأمن والاستقرار العالميين، وكذلك الأمن الصحي والغذائي العالمي. لهذا يعتقد أن دور الأمم المتحدة يجب أن يكون منوطا ببلاده التي تملك من القدرة العسكرية والمالية والاقتصادية ما يسمح لها بالقيام بهذه المهمات على أفضل ما يكون، ويتم تعويضها ودفع الأموال بدلا من أن تدفع هي الاشتراكات في تلك المؤسسة البالية والفاشلة.
أمام هذه المشهدية الاميركية الجديدة، على العالم أن ينتظر ويكون مستعدا للتغيرات وربما العثرات. فالتغيير في الولايات المتحدة سيغير الكثير في عالمنا الذي عرفناه بعد الحرب العالمية الثانية. هناك قنبلة موقوتة في أميركا اسمها الدين العام الذي بلغ 36 تريليون دولار نهاية العام الماضي، وخدمته 130 في المئة من الناتج القومي.
وقدّرت جامعة هارفرد تصاعد نسبة الدين إلى الناتج القومي بـ 180 في المئة عام 2030 و200 في المئة عام 2032. هذه المشكلة ستؤدي حتما إلى إزمة عالمية يحاول ترامب وإدارته معالجتها بتقليصه نفقات الدولة، وفي الوقت نفسه زيادة مواردها، كيف؟
1- عبر وقف فوري لكل الصناديق والمساعدات والبرامج التي تم إنشاؤها لمدّ السيطرة الأميركية أثناء الحرب الباردة، واستمرت بعد سقوط الاتحاد السوفياتي.
2- خفض فوري لموظفي القطاع العام، وأوكل المهمة إلى إيلون ماسك.
3- انسحاب الولايات المتحدة من المؤسسات الدولية كما ذكرنا بالتفصيل، والتي هي الممول الأكبر فيها على الإطلاق. وقد وصفها كل من ماسكو وهاورد لوتنك وماركو روبيو بأنها مؤسسات متحجرة لا تأتي بأي نفع لأميركا، ولا بأس إذا حلت مكانها وأصبحت هي الفيصل في نزاعات الدول وتتقاضى لقاء ذلك أتعابا مالية.
4 - سياسة الرسوم التجارية. ترامب يقول بكل وضوح إنها تعتمد على الموازين التجارية، فإذا كانت نسبة التجارة مع الولايات المتحدة متساوية فلن يفرض الرسوم، وإذا كانت سلبية فإن رسوم الاستيراد ستفرض. وهنا تكمن الخطورة في دخول العالم في "حروب تجارية كبرى" ستؤدي إلى إقفال مصانع وإفلاس شركات وإغلاق مؤسسات وتراجع في النمو العالمي.
لندع شخصية ترامب المثيرة للجدل جانبا، فإن سيد البيت الأبيص ليس صاحب القرار، بل هو ناطق باسم الدولة الأميركية العميقة، ومن ضمنها الشركات العملاقة والبنوك الكبيرة والمراكز الفكرية، وهذه لسان حالها: أن يتراجع النمو العالمي عاجلا أفضل من الانهيار الذي لا مهرب منه إذا استمرت الأمور على ما هي.
إلى أين يقود ترامب أميركا والعالم؟ إلى الأمام أم إلى الوراء؟ أم نحو حرب عالمية ثالثة تجارية لا عسكرية؟ الجواب يتوقف عند ما ستحمله معها سنوات ولايته الأربع التي ستكون مليئة بالمفاجآت.
0 تعليق