في الانتخابات البلدية والاختيارية هذا العام، برزت ظاهرة كثرة المرشحين للمقاعد الاختيارية، ما يطرح تساؤلات عميقة عن التحولات التي تصيب البنية الاجتماعية وطبيعة الطموحات الفردية ومستقبل العمل البلدي.

في مواجهة هذا التبدل، يبرز عنصر آخر مثير: الطموح الشخصي الذي يتفوق على مفاهيم الإجماع التقليدية. لم تعد المقاعد الانتخابية محصورة بوجوه معروفة أو بكبار العائلات فحسب، بل أضحت مفتوحة أمام كل من يسعى إلى ترك بصمة اجتماعية أو عبور بوابة العمل السياسي، أو استفادة مادية، ولو في نطاقها الضيق.

اليوم، نجد عشرات المرشحين يتزاحمون على مقاعد قد تكون محدودة الصلاحيات، لكنها تحمل دلالات رمزية سامية. على سبيل المثال لا الحصر، حتى يوم الجمعة الفائت تم تقديم 445 طلب ترشيح رسمي لمقعد المختار في مدينة بعلبك، من أصل 35 مقعدا.

مرشح عن المقعد الاختياري (لينا اسماعيل).

على الرغم من أن كثرة الترشيحات قد تُعدّ دلالة على الحياة الديموقراطية، يكشف الواقع أزمة عميقة: افتقار التفاهمات الداخلية وغياب القدرة على الاجتماع حول مرشح واحد، مما يُنذر بمزيد من الانقسامات في البيئية المحلية. 

يعتبر المراقبون أن الزيادة الملحوظة في عدد المرشحين للمقعد الواحد تسببت بحالة من الارتباك الانتخابي في القرى. فقد تضاعف عدد المتنافسين في العديد من المناطق مقارنة بالاستحقاقات السابقة، ما أدى إلى تشتت خيارات الناخبين وزيادة حدة المنافسة، التي قد تترك ندوبا اجتماعية عميقة بعد انتهاء الانتخابات.

مرشح عن المقعد الاختياري (لينا اسماعيل).

وتعكس هذه الظاهرة جزئياً، أزمة الهوية السياسية المحلية، حيث لم يعد الصوت الانتخابي قائماً على الكفاءة أو الخبرة فحسب، بل أصبح مشوباً بالانقسامات العائلية والحسابات الضيقة. وفي غياب البرامج الواضحة، تتحول المنافسة إلى سباق للنفوذ بين الأفراد، بدلاً من أن تكون دافعاً نحو تحسين الخدمات أو تحقيق التنمية المستدامة.