الصين: نمو قوي وسط عدم اليقين في سياق جيوسياسي متوتر - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الصين: نمو قوي وسط عدم اليقين في سياق جيوسياسي متوتر - تكنو بلس, اليوم السبت 26 أبريل 2025 09:47 صباحاً

في ظلّ المناخ الاقتصادي العالمي الراهن، يُعدّ أي تحسّن موضوعاً بارزاً ويستحق الإشارة. فعلى الرغم من انخراطها في حرب تجارية مع الولايات المتحدة، تسجّل الصين أداءً اقتصادياً قوياً في الربع الأول من عام 2025، مما يمنح بكين هامش مناورة معقولاً لتحقيق هدفها السنويّ للنمو البالغ 5%. ومع ذلك، فإن هذه النتائج الإيجابية لا تُخفي الاختلالات البنيوية المستمرّة، وعلى رأسها الانكماش، وأزمة العقارات، وتصاعد العزلة الجيوسياسية.

 

نمو يفوق التوقعات: بداية واعدة لعام 2025
حقق الناتج المحلي الإجمالي للصين نمواً بنسبة 5.4% على أساس سنوي في الربع الأول من عام 2025، متجاوزاً توقعات المحللين. ويعود هذا التسارع بشكل رئيسي إلى الزخم القوي في القطاع الصناعي، حيث ارتفع الإنتاج الصناعي بنسبة 7.7% في مارس، مدعوماً بقطاعات الطاقة المتجدّدة والمعدّات الكهربائية والنقل.

 

كذلك شهد إنفاق الأسر تعافياً ملحوظاً، حيث ارتفعت مبيعات التجزئة بنسبة 5.9% في آذار/ مارس مقارنة بـ4% خلال شهرَي يناير وفبراير. ويُعزى هذا الارتفاع جزئياً إلى مضاعفة برنامج دعم الاستهلاك ليصل إلى 300 مليار يوان (نحو 40 مليار دولار). وشهدت مبيعات السلع المعمرة مثل الهواتف والتلفزيونات والأجهزة المنزلية ارتفاعاً بأرقام مزدوجة.

 

أما الصادرات الصينية، فقد استفادت من تأثير الاستباق في ظلّ التوترات التجارية، وارتفعت بنسبة 12.4% في مارس، مدفوعة بطلب قوي من رابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان) بنسبة (+11.6%)، ومن الولايات المتحدة (+9.1%). كما ارتفعت الفوائض التجارية لتتجاوز 100 مليار دولار في مارس وحده، ونحو 1,100 مليار خلال 12 شهراً متتالياً.

 

صادرات الصين (الجمارك الصينية)

 

تعافٍ جزئي مثقل باختلالات بنيوية
رغم هذه الأرقام المشجعة، هناك إشارات تدعو إلى الحذر. فالصين لا تزال تواجه بيئة انكماشية مستمرة، مما يعكس ضعف الطلب الداخلي. فقد ظلّ مؤشر أسعار المستهلك في المنطقة السالبة للشهر الثاني على التوالي في مارس (-0.1%)، بينما بقيت أسعار المنتجين راكدة منذ بداية 2023، مما يدل على حذر الأسر، التي -وإن استفادت من إجراءات التحفيز- لا تزال مترددة في الاقتراض أو الاستهلاك على المدى الطويل.

 

أما على صعيد الشركات، فتستمر حرب الأسعار مما يهدد هوامش الربح. وقد قدم الانخفاض الأخير في أسعار المواد الأولية، المرتبط بالإعلانات الأميركية بشأن الرسوم، فترة راحة موقتة من دون أن يغيّر الاتجاه العام.

 

ويواصل قطاع العقارات، الذي يُعدّ ركيزة تقليدية للنمو، معاناته. وعلى الرغم من تراجع وتيرة انخفاض الأسعار منذ أواخر 2024، فإن التعافي لا يزال متفاوتاً: حيث تظهر بعض المدن الكبرى مؤشرات استقرار، في حين تعاني المناطق الطرفية. المشاريع الجديدة نادرة بسبب صعوبات التمويل لدى المطورين، فيما تستمر عملية التخلص من المخزون بوتيرة بطيئة، ويظل الاستثمار في قطاع البناء راكداً.

 

الاعتراف الرسمي بهذه الصعوبات يُعدّ مؤشراً مهماً: للمرة الأولى، أدرجت السلطات معامل انكماش سلبيّ للناتج المحلي ضمن توقعاتها لعام 2025. فقد بلغ النمو الاسمي 4.6% في الربع الأول، مقابل معامل انكماش قدره -0.8%. ويُعدّ هذا الاعتراف العلني بالمناخ الانكماشي نقطة تحول في الخطاب الاقتصادي الرسمي.

 

أرقام الانكماش الاقتصادي (الصين)

أرقام الانكماش الاقتصادي (الصين)

 

مؤشر مقلق آخر يتمثل بتراجع الواردات بنسبة 4.3% في مارس على أساس سنويّ، مما يعكس انخفاض الأسعار العالمية، وكذلك التوقعات بانخفاض الطلب، وهو ما يُعزّز الفائض التجاري بشكل متناقض.

 

الحرب التجارية: دوامة من الإجراءات الانتقامية
في مواجهة التصعيد الأميركي في الرسوم الجمركية، ردّت بكين بسلسلة من الإجراءات المستهدفة، حيث أصبحت جميع الواردات من الولايات المتحدة خاضعة لرسوم بنسبة 125%، رداً على رسوم أميركية قد تصل إلى 145%. كذلك أعلنت الصين عن قيود على تصدير بعض المعادن النادرة، وفتحت تحقيقات لمكافحة الإغراق في القطاع الطبي، ووسعت قائمتها السوداء لتشمل شركات أميركية إضافية.

 

وتبدو بكين أنها أوقفت صفقة شراء طائرات بوينغ، وسرّعت في تنويع مصادرها للمنتجات الزراعية، خصوصاً فول الصويا والذرة واللحوم، لصالح البرازيل وأوستراليا.

في موازاة ذلك، بدأ الرئيس شي جين بينغ جولة دبلوماسية في جنوب شرقي آسيا (فيتنام، كمبوديا، ماليزيا)، بهدف توحيد المواقف تجاه السياسات الأميركية. لكن اعتماد هذه الدول الكبير على السوق الأميركية، خصوصاً فيتنام، التي يأتي منها 25% من الناتج المحلي من صادراتها لأميركا، يجعل اتخاذ مواقف حادة أمراً صعباً. لذلك، تفضّل هذه الدول حالياً موقفاً تصالحياً، عبر عرض زيادة وارداتها من المنتجات الأميركية الاستراتيجية، لتجنّب استهدافها لاحقاً.

 

رأي

جوزيف عازار

الصين عند "مفترق الطرق": انتعاش اقتصادي أم سراب؟

تتراكم المؤشرات التي تشير إلى تباطؤ الاقتصاد: أزمة قطاع العقارات، تراجع ثقة المستهلكين، والضغوط التجارية الأمريكية المتزايدة. فهل لا تزال الصين، التي كانت سابقًا محركًا أساسيًا للنمو العالمي، قادرة على الحفاظ على مسارها الاقتصادي، أم أنها بحاجة إلى إعادة ابتكار نموذجها التنموي؟

 

عزلة استراتيجية متزايدة
رغم تأكيدها على الدفاع عن التعددية وقواعد منظمة التجارة العالمية، تعاني الصين من أزمة ثقة على الساحة الدولية. فقد أضعفت سياساتها الصناعية المركزية، ودعمها الضخم، وممارساتها المثيرة للجدل في مجال حقوق الملكيّة الفكرية مصداقيتها العالمية.

 

وفي هذا السياق، يشكّل تصاعد العزلة الجيوسياسية خطراً حقيقياً، إذ إن استمرار فرض الرسوم الأميركية بشكل حصريّ على الصين قد يؤدي إلى تدفق الفوائض الصناعية الصينية إلى الأسواق الأخرى، مما سيدفع العديد من الدول لإقامة حواجز حمائية بدورها، مع ما لذلك من أثر سلبي على التشغيل والنشاط الصناعي في الصين.

 

 

الميزان التجاري (NBS)

الميزان التجاري (NBS)

إضافة إلى ذلك، لا تزال القيود المفروضة على دخول الشركات الأجنبية إلى السوق الصينية قائمة، مما يُعزّز شكوك الشركاء التجاريين. وبينما تعارض بعض الدول الإجراءات الأميركية، فإن القليل منها مستعدّ للانحياز الكامل إلى جانب بكين.

 

السياسة النقدية: الحذر بشأن اليوان 
تُثير الاستراتيجية النقديّة الصينيّة تساؤلات متزايدة. فقد سمح بنك الشعب الصيني في الأسابيع الأخيرة بانخفاض طفيف في قيمة العملة، إذ يقترب اليوان من 7.35 مقابل الدولار. لكن أي خفض كبير قد يُنظر إليه من قبل إدارة ترامب على أنه تلاعب بالعملة.

وبفضل احتياطيات تفوق 3,500 مليار دولار، تملك الصين الوسائل الكفيلة بتثبيت سعر صرف عملتها. ويبدو أن استراتيجية التعويم المُدار حول معدل محوري يبلغ 7.3 هي السيناريو المفضل. أما التخفيض الكبير في قيمة العملة، فلن يكون ذا فاعلية كبيرة في ظل الرسوم الجمركية المرتفعة، وقد يعرقل مساعي الصين لبناء تحالفات مع اقتصادات ناشئة تنافسها في الأسعار.

 

 

الرسوم الجمركية (PIIE)

الرسوم الجمركية (PIIE)

تشكل نتائج الاقتصاد الصيني للربع الأول من عام 2025 مثالاً على القدرة على الصمود في بيئة دولية صعبة. لكن هذا الصمود الظاهري يخفي نقاط ضعف كبيرة، سواء داخلياً (ضعف الاستهلاك، والانكماش، وأزمة العقارات) أو خارجياً، حيث يمكن أن تعرقل الحرب التجارية مع الولايات المتحدة مسار النمو لسنوات مقبلة.

 

لذلك، يتعيّن على بكين مواجهة تحديين رئيسيين: استعادة ثقة الأسر والشركات، وتوسيع دائرة حلفائها في عالم جيوسياسي بات أكثر استقطاباً. وستحتاج الصين أكثر من أي وقت مضى إلى مزيج من الانضباط الماكرو اقتصادي، والدبلوماسية الاقتصادية، والإصلاحات البنيوية، لتضمن ألا يبقى هذا الربع الناجح مجرد لحظة عابرة.


**جوزيف عازار – أستاذ في جامعة باريس دوفين PSL
المصادر: الجمارك الصينية – المكتب الوطني للإحصاء – معهد بيترسون للاقتصاد الدولي (PIIE)

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق