تبذل الدول والمنظمات المتخصصة والمعنية جهوداً مضنية للحد من أرقام البطالة الاقتصادية - الاجتماعية التقليدية والحد منها والسيطرة على معدلاتها، لتكون في حدود المعقول وبما يحفظ أمن الدول واستقرار المجتمعات ويحقق ازدهار اقتصاداتها. لكن بطالة التقنية قد تغير قواعد اللعبة وتتطلب فرض أدوات مبتكرة وغير مألوفة للتعاطي مع هذا النوع والحجم من البطالة. فقد كشف تقرير صادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) أن «الذكاء الاصطناعي قد يؤثر على 40% من الوظائف حول العالم.

لقد دأبت الحكومات والمنظمات المعنية والمتخصصة في معالجاتها للبطالة الاقتصادية الاجتماعية المعتادة أن تعمل على تحقيق ازدهار الاقتصادات بجانب تحقيق أمن واستقرار المجتمعات بالتلازم بين النتيجتين، وذلك من خلال معالجتها للمسببات الاقتصادية وغير الاقتصادية المألوفة والمعروفة للبطالة مثل معالجة معدلات النمو السكاني المرتفع، والنمو الاقتصادي غير المتوازن وغير الشامل للقطاعات كافة، والأزمات السياسية والاقتصادية الطارئة، والفجوة بين مخرجات التعليم وحاجات سوق العمل الفعلية، بالإضافة لهشاشة القطاع الخاص وضعف مقوماته، أو الفساد وغياب التخطيط.

لكن الأجهزة واللجان وخبراء البطالة لم يألفوا ربما في ما سبق كيفية التعامل مع استبدال البشر بالتقنية والذكاء الاصطناعي والروبوتات في سوق العمل بهذه الكيفية والسرعة والحجم الضخم والعابر للدول والقطاعات، وهو ما يتسبب بأزمات ويفرض تحديات تقتضي تغيير قواعد اللعبة والتفكير خارج الصندوق كما يقال.

يحذر تقرير المؤتمر الأممي من أن «مكاسب الأتمتة المُعتمِدة على الذكاء الاصطناعي تصب غالباً في صالح رأس المال على حساب اليد العاملة». هذا يعني بداية الفصل بين ما هو اقتصادي وما هو أمني اجتماعي. وهو ما يفرض تحديات على المعنيين بمكافحة البطالة للفصل بين الملفات ربما لأول مرة والتعامل مع كل ملف على حدة خلافاً لما كان سائداً.

في المقابل، هناك من يقول بأن المساحات الشاسعة التي سيلتهمها الذكاء الاصطناعي والروبوتات من الفرص في سوق العمل، سوف يتم تعويضها بأضعافها من الفرص الذهبية غير التقليدية. لكن التنبؤ بمدى تأثير بطالة التقنية على سابقاتها من البطالة غير معروف! فهل تكون البطالة الثانية «التقنية» سبباً في حلحلة وعلاج الكثير مما تعثر حلحلته وعلاجه بأدوات مكافحة البطالة الأولى، على اعتبار أن هناك مفتاحاً واحداً فقط يفتح قفلاً واحداً فقط وليس أكثر؟ وهل يمكن أن تتنبأ التقنية والذكاء الاصطناعي بالمهنة المناسبة للإنسان المناسب مبكراً بدلاً من أن يتم إهدار الكثير من الوقت والفرص من الفرد والمجتمع بسبب عدم تطابق المفتاح مع القفل في التعليم وفي سوق العمل وفي قبلهما وبعدهما؟