نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الانتخابات التي ستغير مجرى التاريخ! - تكنو بلس, اليوم الجمعة 18 أبريل 2025 12:44 صباحاً
ينشغل اللبنانيون بالانتخابات البلدية كأنها ستغير مجرى التاريخ. البلد كله يغلي بانتظار المواعيد المحددة لكل محافظة من محافظاته ابنداء من 4 أيار/مايو المقبل.
في المبدأ تمثل البلدية أداة مهمة للإنماء المحلي ونوعاً من اللامركزية البدائية، وهي جزء من الهيكلية التنظيمية للدولة ككل، لكن الرهان على دور البلديات في التنمية ينخطى في أحيان كثيرة الواقع لأسباب عديدة تتعلق بالوضع الإقتصادي وضعف الإمكانات وطبيعة الهيئات المنتخبة وقدراتها التنظيمية والفكرية ونزاهتها وأخلاقها.
لا يخوض اللبنانيون انتخاباتهم البلدية على أساس برامج يقدمها المرشحون لرئاسة مجالسها وعضويتها ولمناصب المخاتير ويناقشها أهل البلدة أو المدينة في لقاءات ضيقة أو موسعة. لقد اخترعت الطبقة السياسية منذ الاستقلال عنواناً مخادعاً وخبيثاً للانتخابات البلدية سمته انتخابات العائلات، وهو عنوان يزيح المعركة من كونها معركة سياسية إلى تكريسها معركة "أهلية"، فيضمن السياسيون ولاء كل العائلات للانتخابات الأعلى درجة، الانتخابات التشريعية.
وحتى إذا قرر بعض الأحزاب خوض الانتخابات البلدية فإنه يتلطى خلف لافتات عائلات وجمعيات أهلية وتفاهمات وتزكيات تجنبه الإحراجات الشعبية والإنقسامات المستقبلية.
تستأثر انتخابات المدن اللبنانية والبلدات الكبيرة بالاهتمام السياسي والإعلامي، فيما تترك القرى لصراعات العائلات على فتات. بيروت وطرابلس وصيدا وزحلة وصور وبعلبك وجونية والشويفات والغبيري وعاليه والنبطية وحاصبيا والبترون وبشري وزغرتا وبعبدا وغيرها... لها رمزيتها السياسية باعتبارها مؤشراً إلى انتخابات العام المقبل النيابية، وهذه كلها تعيش مخاض تشكيل اللوائح التي تحاذر القوى السياسية الخوض فيها مباشرة -أقله حتى الآن- كي لا تحرق أصابعها وتخرق خصوماً في بيئاتها الحاضنة.
تثير الانتخابات البلدية في لبنان خصومات عائلية ظاهرة وكامنة، وبدلاً من أن تكون عنصر تنمية وخدمات عامة في إطار مهماتها وعملها، تصبح ساحة للتناحر والمكائد المتبادلة التي تحبط مهمتها. ليس ذلك قاعدة عامة، لكنه يشمل كثيراً من البلديات التي تجمد عملها بسبب الصراعات العائلية (والحزبية إلى حد ما). تجربة البلديات الكبرى غير مشجعة رغم الائتلافات الواسعة التي أتت بها، فكيف ببلديات القرى حيث العصبيات العائلية تبلغ ذروتها وتأتي بمجالس تحدّ وكسر عظم؟
لا ينتج قانون البلديات المعمول به حالياً بالضرورة مجالس بلدية نخبوية ذات كفاءات علمية ومهنية متقدمة، فهو يتيح لمن "يفك الحرف"، أي بالكاد يعرف القراءة والكتابة، أن يتبوأ منصب رئيس البلدية أو عضو المجلس البلدي، إما لانه صاحب مال ليس مهماً من أين اتى به، وإما لأنه ينتمي إلى عائلة كبيرة تفرضه على حساب أصحاب الشهادات والكفاءات الذين لا ينتمون إلى عائلات تقدر أهميتها بعدد "البواريد" التي يمكن أن تحملها. القانون طارد للكفاءات وقد فشلت محاولة سابقة لفرض مستوى علمي معين شرطاً للترشح للمجلس وشرطاً أعلى للرئيس. فهل غاب عن بال المشرع اللبناني أن العلم الذي هو شرط أساس لوظيفة العامة في البلد يجب أن يكون شرطاً ملزماً للتقدم إلى الرئاسة والعضوية البلديتين؟ وليس سراً أن كثيراً من البلديات حلت مجالسها بسبب الصراعات العائلية داخلها أو بسبب نقص الكفاءة أو الفساد وتغليب المصالح الخاصة واستغلال النفوذ.
لم تفكر الطبقة السياسية في تعديل قانون الانتخابات البلدية، كانت مشغولة بأمور أكبر. كان السياسيون اللبنانيون متفرغين للحروب الإقليمية ولحرب ترامب الجمركية ...الهم البلدي بالنسبة إليهم ليس أكثر من مناسبة لصرف الإنتباه عن القضايا المعقدة التي يواجهها المجتمع اللبناني وتهدد مصيره. انها ملهاة لا يهم من تجلب إلى كراسي البلديات المفلسة والعاجزة.
أسوأ من الانقسامات العائلية، الانقسامات الطائفية في المدن والبلدات المختلطة طائفياً حيث توجد اكثرية طائفية وأقلية، كبيروت وطرابلس وبعلبك وزحلة وكثير من المدن والبلدات على امتداد البلد، فجأة تختفي أدبيات العيش المشترك وتطفو أدبيات طائفية فئوية استئثارية يقودها طائفيون إلغائيون. وعديدة البلدات التي تعثرت فيها الانتخابات وبقيت من دون مجالس بلدية بسبب التقوقع الطائفي والمذهبي، أو التي انتخبت فيها مجالس ذات لون طائفي واحد. كان يمكن معالجة هذه المشكلة بقانون متطور يعتمد النسبية التي تضمن تمثيل كل المكونات، لكن الطبقة السياسية لا تعير هذه الانتخابات كثير اهتمام ولا تلتفت اليها إلا قبل موعدها بأشهر قليلة غير كافية للاتفاق على قانون عصري.
في موسم الإنتخابات البلدية، كما في موسم الانتخابات النيابية، تحضر الرشوة بقوة، بالدفع المباشر "كاش" لشراء الاصوات أو بتقديم الخدمات على شكل زفت وطريق وقناة صرف صحي ومساعدات عينية وما شابه من خدمات تبرز فجأة. القانون يمنع الرشوة لكن من ينفذه وكيف يمنع الالتفاف عليه؟
الممارسة الديموقراطية حق لكل مواطن... لكنها تتطلب شروطاً غير موجودة في مجتمعات تحكمها العصبيات الطائفية والمذهبية والعائلية والعشائرية التي تغلب المصالح الفئوية على المصلحة العامة.
0 تعليق