الديبلوماسية على الطريقة التركية: بين الشرع ولافروف والقوة الناعمة - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الديبلوماسية على الطريقة التركية: بين الشرع ولافروف والقوة الناعمة - تكنو بلس, اليوم الأربعاء 16 أبريل 2025 05:21 صباحاً

مثّل منتدى أنطاليا الديبلوماسي (ADF) في نسخته الرابعة لهذا العام فرصة كبيرة لأنقرة لإظهار مكانتها ضمن سياسات البحث عن التوازن الدولي متعدد الأقطاب، في انعكاس علني للاتصالات التي قادتها الديبلوماسية التركية في الآونة الأخيرة خلف الأبواب المغلقة.
ومن بين عشرات المواضيع والعناوين التي طُرحت خلال المنتدى، حجزت كل من سوريا، والحرب الروسية - الأوكرانية، والسلام الأذربيجاني - الأرميني موقع الصدارة من حيث الاهتمام الإعلامي والرسائل غير المباشرة التي حاولت الأطراف الفاعلة في كل ملف توجيهها خلال الأيام الثلاثة للحدث الديبلوماسي الأبرز في المنطقة.

منصة لديبلوماسية الجنوب العالمي
واستضاف المنتدى أكثر من 50 جلسة ناقشت ملفات مختلفة مثل الإرهاب، والهجرة، والإتجار بالبشر، والرقمنة، والتغير المناخي، والمساعدات الإنسانية، والذكاء الاصطناعي وغيرها، لكنه شكّل في الأساس منصة ترويجية للتغيير الذي طرأ على السياسة الخارجية التركية؛ من التدخّل الفج في ملفات المنطقة باستخدام القوة الصلبة، إلى وسيط قادر على تسهيل الحوارات وإنتاج الأفكار البناءة والرؤى التوافقية بين الخصوم.
ويعكس عنوان المنتدى: "استعادة الديبلوماسية في عالم مجزأ" ميل تركيا، المنخرطة تقليدياً في البنى الديبلوماسية الغربية، نحو إنشاء منصة ديبلوماسية تُناقش قضايا إقليمية ذات أبعاد دولية، بدءاً من البحر الأسود والبلقان وصولاً إلى غزة، ما يفسر المشاركة الأميركية-الأوروبية المحدودة مقابل المشاركة الفاعلة لمسؤولي الشرق الأوسط، والقوقاز، والبلقان، وحتى أفريقيا، ضمن نقاشات استقطبت اهتمام "الجنوب العالمي"، مقابل انتقادات موجّهة للغرب.
جمع المنتدى أكثر من 21 رئيس دولة، وأكثر من 64 وزيراً، و6 آلاف مشارك، بينهم ممثلون عن منظمات دولية، في وقت تشهد فيه إدارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اضطرابات داخلية حادة، على خلفية الاحتجاجات الواسعة التي اندلعت في أنحاء البلاد عقب اعتقال منافسه في الانتخابات الرئاسية المقبلة ورئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو في آذار/مارس، بالتزامن مع تفاقم الأزمة الاقتصادية وتصاعد الشعور بالعزلة الدولية.
وفي هذا السياق، وفّر منتدى أنطاليا الديبلوماسي 2025 منصة لتركيا للترويج لوزنها كقوة وسطى عبر الديبلوماسية، والقوة الناعمة، والقدرة على تشكيل الحوكمة الإقليمية، من خلال نفوذها على الدول التي تشترك معها في الإرث الإسلامي أو العثماني أو التركي، أو تلك التي تتقاطع معها في الطروحات الرافضة للهيمنة الغربية والداعية إلى إنشاء عالم متعدد الأقطاب والقوى.
وتسعى تركيا إلى تحويل ميزتها الجغرافية كجسر بين الشرق والغرب إلى ورقة جيوسياسية قادرة على إنشاء أو احتواء تيارات فكرية متنوعة، وتأسيس قنوات توافق بينها ضمن نظام ديبلوماسي إقليمي يتمركز حول أنقرة، ويفرض على المنظمات الدولية التقليدية مثل الأمم المتحدة، و"الناتو"، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، الشراكة على أرضية القدرة على تقديم حلول سريعة وفعالة لأزمات المنطقة.

الترويج للشرع واستثمار الحضور السوري
نجحت تركيا في استغلال منصة المنتدى للترويج للرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، في وقت حساس من تصاعد الضغوط ضدّ إدارته، خصوصاً بعد التصريحات الأميركية بشأن عدم الاعتراف بشرعية حكومة دمشق، والتهديدات الإسرائيلية، والتوترات الداخلية.
إلى جانب الاهتمام الإعلامي المركّز بالشرع ووزير خارجيته أسعد الشيباني، ساهمت اللقاءات الثنائية التي جمعت بين الرئيس السوري وعدد من المسؤولين في إضفاء الشرعية المأمولة تركياً لحكومة دمشق، مع التأكيد على استمرار أنقرة في دورها الضامن والكفيل للإدارة السورية.
وتختصر الصورة التي نشرتها وكالة الأنباء التركية الرسمية، والتي يظهر فيها وزير الخارجية التركي هاكان فيدان متأبطاً الشرع، الرسائل التي حاولت أنقرة إيصالها عبر مشاركة دمشق واللقاءات والتصريحات المتعلقة بالملف السوري.

 

فيدان متأبطاً الشرع في منتدى أنطاليا. (ا ف ب)

 

في خطابه، أكد أردوغان على السعي لبناء "حزام من السلام والأمن" حول تركيا من خلال إقامة علاقات جيدة مع دول الجوار، منتقداً سياسات إسرائيل التي وصفها بـ"دولة الإرهاب"، مقابل تأكيده على حالة "التفاهم والحوار الوثيق" مع القوى المؤثرة في المنطقة، وعلى رأسها أميركا وروسيا، من أجل "الحفاظ على وحدة أراضي سوريا".
وفي ما يتعلق بالعلاقات بين تركيا وإسرائيل، أشار فيدان إلى أهمية إنشاء "آلية لتفادي الاشتباك" وتجنب المواجهة المباشرة".
ونجح المنتدى في إظهار أنقرة كمنصة لمتابعة المستجدات السورية وحلّ أزماتها، والدور التركي في هذا السياق، خصوصاً مع تنظيم جلسة خاصة لمناقشة الوضع السوري الجديد دون مشاركة رسمية من قبل السلطة الانتقالية في دمشق.

تركيا كفاعل إقليمي صاعد
شارك وزيرا خارجية روسيا وأوكرانيا في المنتدى دون عقد أي لقاء مباشر أو غير مباشر بينهما. ونجح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في جذب اهتمام الإعلام من خلال مشاركته في إحدى جلسات المنتدى، الذي مثّل بالنسبة لموسكو فرصة قيّمة لكسر الحصار المفروض عليها من قبل الإعلام الغربي.
وكان لافتاً وصف مدير الجلسة لافروف بـ"النجم السياسي الخاطف للأضواء"، مقابل الانتقادات التي وجّهها السياسي الروسي المخضرم إلى خصومه الأوكرانيين عبر الدعابة والتهكّم بأسلوب غير مباشر.

 

وصف مدير الجلسة لافروف بـ

وصف مدير الجلسة لافروف بـ

 

مثّلت الحرب الأوكرانية فرصة ذهبية لأنقرة لإثبات قوّتها وتأثيرها في الملفات الإقليمية، وقدرتها على لعب أدوار رئيسية في مناطق النزاع في مصلحة مشتركة مع موسكو التي ترى في خصمها التاريخي قناة اقتصادية وإعلامية نحو الغرب.
الحاجة إلى تركيا دفعت بروسيا إلى التنازل، ولو موقتاً، عن دورها الرئيسي في أبرز ملفات القوقاز، والمتمثل في الصراع الأذربيجاني–الأرميني، لصالح أنقرة التي باتت اللاعب الأساسي، إلى جانب كونها بوابة يريفان نحو الاتحاد الأوروبي.
وتمثل الوزن التركي في الملف من خلال تصريح وزير الخارجية الأرميني أرارات ميرزويان، بعد لقائه فيدان، بأن الجانبين يتقاسمان هدف "التطبيع الكامل" للعلاقات وفتح الحدود، مشيراً إلى بحث الفرص التي قد تسهم في هذا التطبيع، ومنها مشروعات مشتركة في الطاقة والترانزيت، إلى جانب التعاون في المنصات الدولية.
وقال ميرزويان: "في ما يتعلق بالشرق الأوسط، فإن الحقائق تُظهر أن وجهات نظرنا قد تكون أقرب مما يُعتقد".
يمكن القول إن منتدى أنطاليا الديبلوماسي 2025 لم يكن مجرد فعالية دورية ضمن روزنامة العلاقات الدولية، بل مثّل نقطة ارتكاز جديدة في مسار تحوّل تركيا إلى فاعل محوري في النظام الإقليمي الناشئ، إذ استطاعت أنقرة عبر هذا المنبر أن تعيد تقديم نفسها كقوة وسطى تجمع بين أدوات القوة الناعمة والخطاب التوافقي، ضمن "ديبلوماسية تركية هجينة" تمزج بين البراغماتية والطموح المنضبط.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق