هل نقول وداعاً لبيروت التعدّد والتنوّع والشراكة؟ - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
هل نقول وداعاً لبيروت التعدّد والتنوّع والشراكة؟ - تكنو بلس, اليوم الثلاثاء 15 أبريل 2025 03:07 صباحاً

حالة من التكاذب الأخوي تشهدها العاصمة بيروت. لن تكون مناصفة في مجلسها البلدي المقبل. النتائج يجب أن يكون مسلّمة في الحياة الديموقراطية السليمة، وهي ليست كذلك في لبنان. الديموقراطيات تخضع لنتيجة تصويت الناس المقترعين، وهؤلاء يعبرون عن توجهاتهم "الحرة". أما في بلادنا فلا حرية إطلاقاً في هذا الشأن. المواطنون يساقون وفق إرادات القيادات التي تقودهم أحياناً الى "جنة" وفي أكثر المرات إلى "جهنم". يساقون بالتحريض الطائفي والشحن المذهبي، ويقررون وفق شبكة مصالح تبدأ بالخدمة والتوظيف والمساعدات، وصولاً إلى الرشوى الحقيرة نهار الاقتراع، وقد تكون عبارة عن "بونات" بنزين، أو "خط تشريج" وما إليها من تقديمات مذلّة.
البلد مقسّم رغم كل الخطابات التجميلية، ثمة فرز سكاني لا يمكن إنكاره، هو ترجمة لتباعد نفسي، لا تغطيه شعارات استذكار الحرب قبل 50 سنة، إذ إن اللبنانيين لم يتعلموا من ماضيهم، ولا يزالون على استعداد تارة للتحارب، وتارة لاستجلاب حروب الآخرين. يعيشون حالة من المساكنة، ولو أمكن أي ذكاء اصطناعي قراءة ما في نفوسهم، خصوصاً في الحرب الاخيرة، وما بعدها، لأدرك عمق الانقسام.
الوقت دائماً يدهمنا، لا وقت لدينا للمصارحة والمصالحة، ولا وقت لإنجاز قانون انتخاب نيابي عادل، وقانون الانتخابات البلدية يفاجئنا بنتائجه المتوقعة، كأن الديموغرافيا تبدلت بين ليلة وضحاها، أو كأن غياب آل الحريري عن العاصمة، وقد شكلوا الضمان للمناصفة، نزل كالصاعقة قبل أسبوع. حتى قانون إصلاح المصارف وقانون السرية المصرفية وغيرها تسلق سلقاً للفوز بسباق مع الوقت، سباق غير محمود النتائج غالباً، إذ فيه من التسرّع ما يناقض طبيعة القوانين.
بالأمس، قال الرئيس نبيه بري أن لا مجال بعد لتعديل قانون الانتخابات البلدية، لأن ذلك يحتّم تأجيلها، وهو لا يؤيد ترحيلها، خصوصاً أن الحكومة لم تطلب ذلك. معنى الأمر أن الانتخابات البلدية حاصلة بالقانون المعتمد حالياً، والنتائج غير مضمونة، والمناصفة في بيروت، ربما تكون على طريق الأفول، مكرّسة واقعاً جديداً في البلد. واقع مستجدّ ينمّ عن تقصير الطبقة السياسية التي تمثل المسيحيين، وخصوصاً العاصمة.
تصريح بري فاجأ البعض، هذا البعض الذي لا يملك مشروعاً واضحاً لتجاوز أزمة محتملة، ولو كان يملك الرؤية لتقدم بأكثر من مشروع، جمع حوله الأَضداد، وحوّله مشروع قانون في مجلس النواب.
في 16 آذار /مارس 2023، أي قبل سنتين تماماً، كتبت مقالة بعنوان "البلديات تحتاج إلى تشريع المحاصصة".
وقلت آنذاك إن "بيروت العاصمة، يتحدث الجميع عن بلديتها مواربة. هي واجهة البلد، وإذا سقطت فيها المشاركة فإنها ترتدّ سلباً على الصورة العامة لوطن الأرز. هي غير طرابلس التي لم يتمثل المسيحيون في بلديتها، ولا أي مدينة وقرية استُبعد فيها مسيحيون عن المشاركة الفعلية، وحتى الشكلية. لا تهمّ معادلة النصوص قبل النفوس، أو عكس ذلك. كله كلام بكلام، ما لم يترجَم على أرض الواقع.
بالأمس القريب، قال مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، إنه "هو الضامن للمناصفة في مدينة بيروت بحيث إن المدينة لا تستطيع إلا أن تعيش بجناحيها المسيحي والمسلم". المفتي صادق النيّة، لكنه قد لا يمتلك الإمكانات لواقع تمكَّن من المحافظة عليه الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ومن بعده نجله الرئيس سعد الحريري. من بعد "الحريرية" صارت المناصفة صعبة التحقق، وحتى المشاركة الفعلية. من هنا بدأت الافكار القلقة تترجم بمشاريع واقتراحات، لا بد من أن تؤخذ في الاعتبار.
تقطيع البلدية وتقسيمها إلى بلديتين، أو اعتماد الدوائر الانتخابية النيابية للاستحقاق البلدي، وغيرها من الطروحات الطائفية التي، رغم سيئاتها، تُظهر بوضوح الهواجس التي تنتاب الاهالي، إن في بيروت، أو في غير منطقة تشهد تعدداً طائفياً ومذهبياً.
العيش المشترك، أو التعايش، أو العيش الواحد، أو غيرها من التعابير الفضفاضة، والتي ترمز في كل حال إلى المحاصصة الطائفية والمذهبية، ليس بين مسيحيين ومسلمين فقط، بل أيضا بين مسيحيين ومسيحيين، ومسلمين مع مسلمين، هي جوهر القضية، في بلد الأقليات التي فقد بعضها الثقة بالبعض الآخر، وهذه نتيجة حتمية للحروب والصراعات المتكررة، واستقواء كل فريق بالخارج، لدعمه وتحقيق مصالحه على حساب الفريق الآخر.
مراعاة المناصفة أو الشراكة الإسلامية - المسيحية ينبغي أن تجد طريقها إلى الواقع، فلا تظل مجرد تمنيات ووعود، يمنَّن بها المسيحيون. الحل بالنصوص، لا بالنفوس، ومنها المريضة التي لا تؤتمن، وقد تحوِّل المناصفة المذكورة أداة ابتزاز سياسي. الحل الواجب اتّباعه بمحاصصة في غير مدينة وقرية، أو بتقسيم الدوائر والأحياء، فلا يتم اجتياح اكثري وحزبي منظم، واجتياح مالي يستغل عوز الناس وفقرهم.
الحل ربما باعتماد القانون اأارثوذكسي بحيث تكرّس المقاعد وفق محاصصة ليست غريبة عن واقعنا اللبناني الوظيفي والسياسي.
هل هذا ممكن أيضاً في الوقت المتبقي؟ بالتأكيد لا. فهل نقول وداعاً لوجه بيروت "المدينة العريقة للمستقبل" ذات الوجهة القائمة على التعدد والتنوع والانفتاح؟.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق