في عودتها اللافتة إلى مهرجان كان السينمائي بعد غياب دام ثماني سنوات، استحوذت النجمة الأسترالية نيكول كيدمان على الأضواء، ليس فقط بسبب تكريمها بجائزة "المرأة في الحركة" لهذا العام، بل بسبب كلماتها الصادقة والمؤثرة حول تمكين النساء في صناعة السينما، ومساعيها المستمرة لخلق بيئة أكثر عدلاً للمخرجات وصانعات الأفلام.

نيكول كيدمان من مهرجان كان - Cannes Festival 2025

في جلسة نقاشية نُظّمت على هامش المهرجان، تحدثت نيكول كيدمان بتأمل عن التحديات التي لا تزال تواجه النساء خلف الكاميرا، مشيرة إلى أن نسبة الأفلام التي تحقق نجاحاً تجارياً وتحمل توقيع مخرجات ما زالت منخفضة بشكل مقلق، رغم التقدم الذي أحرزته هذه القضية على مدار السنوات الماضية. وأكدت أن دعمها الشخصي لصانعات الأفلام لا يقتصر على الخطابات بل يتجلى في قرارات مهنية واضحة، من أبرزها تعهدها منذ عام 2017 بالعمل مع مخرجة مرة واحدة على الأقل كل 18 شهراً. وهو وعد التزمت به، بعدما وجدت أن قلة من الأسماء النسائية كانت تُطرح في سياقات إنتاج الأفلام الكبيرة.

وفي تأكيد على التزامها، كشفت كيدمان أنها تعاونت بالفعل مع 27 مخرجة منذ إطلاق هذا التعهد، موضحة أن الأمر لم يكن سهلاً في البداية. وقالت: "في تلك الفترة، كنت أطرح سؤالاً بسيطاً: هل يمكن لامرأة إخراج هذا الفيلم؟ وكان الجواب غالباً محبطاً بسبب قلة الأسماء المطروحة. لم يكن من السهل أن تجد منتجاً أو شركة إنتاج مستعدة للمخاطرة بمخرجة في أول تجاربها، وهذا التردد وحده كان كافياً لإقصاء الكثير من المواهب".

نيكول كيدمان تدعم المرأة بعد تكريمها بمهرجان كان

هذا الشعور بعدم الإنصاف قاد كيدمان إلى إعادة التفكير في طبيعة الدعم المطلوب للنساء في مجال الإخراج، لتخلص إلى أن المسألة لا تتعلق فقط بإتاحة الفرص بل أيضاً بتوفير بيئة آمنة تشجع على الإبداع دون الخوف من الفشل. وأوضحت أن كثيراً من النساء اللاتي تتعاون معهن، يشعرن أنهن إذا لم ينجحن من أول محاولة فإنهن قد لا يحصلن على فرصة ثانية. وهنا، شددت على ضرورة تغيير هذا التصور، قائلة: "رسالتي الدائمة لهن هي أن عدم تحقيق النجاح التجاري لا يعني أنهن فشلن. الإبداع لا يُقاس بالأرقام فقط، ومن واجبنا أن نوفر لهن الحماية والدعم حتى يُقدمن أفضل ما لديهن".

وبعيداً عن التصريحات العامة، سلطت كيدمان الضوء على تجربة شخصية تعبّر عن ولعها المستمر بالفن والكتابة، إذ قالت إنها تستيقظ كثيراً في منتصف الليل وتبدأ بالكتابة، وغالباً ما تكون هذه اللحظات مليئة بالإلهام والصفاء الذهني. وتابعت: "الثالثة فجراً توقيت مثالي للكتابة. في هذا الوقت، نكون منفصلين عن ضجيج الحياة اليومية، وتنبثق الأفكار بطريقة مختلفة. قد يكون ما أكتبه حلماً، أو خاطرة، أو حتى فكرة عابرة، لكنني أحرص على تدوينها".

هذا الجانب الحميمي من شخصية كيدمان يوضح عمق التزامها بالفن، ليس فقط كممثلة، بل أيضاً كصانعة محتوى وشخصية تدرك أهمية الحضور النسائي في مراكز القيادة الإبداعية. وأعربت عن إعجابها بأحد أفلام المهرجان هذا العام، وهو "Sound of Falling" للمخرجة ماشا شيلينسكي، الذي وصفته بالعمل المؤثر والمهم، خصوصاً في طريقة تناوله لصدمات النساء عبر الأجيال. وأشادت كيدمان بحضور الفيلم في هذه المنصة العالمية، معتبرة أن مجرد عرضه في مهرجان بحجم كان هو خطوة كبيرة نحو اعتراف أوسع بأعمال النساء.

وبينما كانت تستعد لتسلّم جائزة "المرأة في الحركة"، التي تنظمها مجموعة "كيرينغ" بالشراكة مع مهرجان كان السينمائي، عبّرت كيدمان عن امتنانها العميق لهذا التكريم، قائلة إنه يمثل لحظة فخر في مسيرتها التي تربطها بالمهرجان منذ أكثر من ثلاثة عقود. وأضافت أنها تشعر بالشرف لانضمامها إلى قائمة النساء الاستثنائيات اللواتي حصلن على الجائزة في السنوات الماضية، مثل جين فوندا، فيولا ديفيس، سلمى حايك، وميشيل يوه.

وفي كلمتها خلال حفل التكريم، قالت: "هذا التقدير لا يخصني وحدي، بل يمثل تقديراً لكل امرأة حاولت أن تصنع مكاناً لها في مجال السينما، رغم الحواجز. وأشكر مهرجان كان ومجموعة كيرينغ على هذا الدعم الذي نحتاجه جميعاً لتمكين النساء من أن يكون لهن صوت وصورة".

يُذكر أن برنامج "المرأة في الحركة" الذي انطلق عام 2015، يهدف إلى تسليط الضوء على إسهامات المرأة في مجالات الثقافة والفن، وتشجيع التنوع والمساواة في صناعة السينما. واختيار نيكول كيدمان لتكون الفنانة العاشرة التي تتوج بهذه الجائزة، يأتي كاحتفاء بمسيرتها الحافلة، وجهودها المتواصلة في تمكين النساء داخل هذا القطاع الإبداعي الذي لا يزال في حاجة إلى توازن أكبر في تمثيل الجنسين.