تركيا بين بوتين وترامب: وساطة دقيقة في حرب أوكرانيا - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
تركيا بين بوتين وترامب: وساطة دقيقة في حرب أوكرانيا - تكنو بلس, اليوم الجمعة 16 مايو 2025 08:15 صباحاً

بين خطوط الجبهات في شرق أوروبا، وخطوط النفوذ الإقليمي في الشرق الأوسط، تحاول تركيا توسيع موقعها كوسيط ديبلوماسي في واحدة من أعقد أزمات القرن، معلنة استضافتها اجتماعين مختلفين في مدينتين بعيدتين، لكن كلاهما يهدف إلى إنهاء الحرب في أوكرانيا. الأول لوزراء خارجية حلف شمال الأطلسي (الناتو) في أنطاليا، والثاني لقاء الوفدين الروسي والأوكراني في إسطنبول، بمباركة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

 

التحرك الديبلوماسي التركي السريع يُعزّز ادعاء أردوغان بقدرة تركيا كقوة وساطة رئيسية على المستوى الإقليمي. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اقترح بنفسه إسطنبول كمكان لاستئناف المفاوضات مع أوكرانيا. كما أنه من المتوقع أن تستضيف العاصمة الاقتصادية والثقافية للبلاد جولة جديدة من المحادثات بين إيران ومجموعة الدول الأوروبية الثلاث (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) في إطار الجهود الجارية لإحياء الاتفاق النووي.

 

وسيط فاعل في حرب معقّدة

منذ بداية الحرب الروسية - الأوكرانية برزت تركيا كأحد أهم الوسطاء القادرين على أداء دور إيجابي في الوصول إلى تسوية تفاوضية للحرب الأكثر تأثيراً على أوروبا والعالم، والتي باتت بعيدة عن انتصار واضح لأحد الطرفين.

 

صحيح أن أنقرة لم تكن محايدة تماماً في هذه الحرب، لكنها تمتلك العديد من الأوراق التي تجعل منها ميسّراً مقبولاً من قبل كل من موسكو وكييف، ومحل ثقة من واشنطن وبروكسل لأداء مثل هذا الدور الحيوي.

 

من جهة، هي عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وكانت من بين الدول القليلة التي زودت أوكرانيا بالمعدات العسكرية في المراحل الأولى من الحرب، وعززت تعاوناً دفاعياً استراتيجياً عميقاً مع كييف يتجاوز بيع الطائرات المسيّرة.
وفي الوقت نفسه، تربطها علاقات وثيقة مع موسكو، ويتمتع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعلاقة شخصية ودّية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

 

كما امتنعت عن الانضمام إلى العقوبات الغربية المفروضة على  موسكو، وحافظت على العلاقات معها في مجال الطاقة من خلال مواصلة نقل غاز روسيا، الذي يُعدّ حيوياً لاقتصادها، وإيصاله إلى الأسواق العالمية.

 

وساطة أنقرة ليست وليدة اللحظة. فقد استضافت تركيا اجتماعاً هاماً في أنطاليا في آذار/مارس 2022، جمع وزيري خارجية روسيا وأوكرانيا لإجراء محادثات ثنائية، في أول لقاء رفيع المستوى بين البلدين منذ بدء الصراع.
وكانت مبادرة ممر حبوب البحر الأسود في 22 تموز/يوليو 2022 بمثابة شريان حياة لنحو 350 مليون شخص، ودعماً للاقتصاد الأوكراني.

 

وانطلاقاً من دورها كوسيط ديبلوماسي، استضافت أنقرة رئيسي المخابرات الأميركية والروسية في تشرين الثاني/نوفمبر 2022 لمناقشة التهديدات النووية. وبالمثل، كان للجهود الديبلوماسية التركية دور فعّال في عملية تبادل الأسرى الأخيرة بين روسيا وأوكرانيا.

 

أفراد من الأمن التركي في حالة تأهب قرب مكان انعقاد المحادثات الروسية - الأوكرانية. (ا ف ب)

 

ترامب وصناعة الصفقات

خلال حملة إعادة انتخابه، تعهد ترامب بوقف حرب أوكرانيا في غضون 24 ساعة، قبل أن يُمدّد الجدول الزمني للوفاء بوعده إلى عدة أشهر.
يرغب ترامب في تصدّر عناوين الصحف كزعيم قوي قادر على إنهاء النزاعات بسرعة. فهو يُعلن نفسه صانع صفقات، ولا إنجاز أعظم من حل أسوأ صراع في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، كما أن إنهاء هذا الصراع سيسمح للولايات المتحدة بالتركيز على شاغلها الجيوسياسي الرئيسي: التحدي المتزايد الذي تُمثله الصين، وهي قضية تُوليها المؤسسة الأمنية الأميركية أولوية، ويُصرّ ترامب على التركيز عليها.

 

يلتقي كل من أردوغان وترامب في السياسات الشعبوية المربحة على المدى القصير، ولكن المهدّدة للديموقراطية والبنية المؤسساتية للدولة. من خلال تبنّي سياسات تحظى بشعبية واسعة، نجح كلا الزعيمين في إجبار المؤسسات في بلديهما، وخصوصاً القضاء، على الاختيار بين عرقلة السياسة، وبالتالي التعرّض لسخط شعبي لعرقلة "إرادة الشعب"، أو السماح بتجاوزات غير دستورية تُقوّض سلطة القضاء.

 

في عام 2008، ألغى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان حظر الحجاب الإسلامي في الجامعات، في خطوة أيدها 75% من الأتراك، لكن عارضتها المحاكم العلمانية، التي اعتبرتها تجاوزاً على دستور البلاد العلماني.
استغل أردوغان السخط الشعبي لتمرير إصلاحات في عام 2010، قضت بتوسيع المحكمة من 11 إلى 17 مقعداً، مع تعيين أعضاء موالين له، وبحلول 2025، تم إضعاف القضاء التركي، ما مكّن من قمع المعارضة، والإعلام، والأحزاب المعارضة، حيث يقبع ثلاثة زعماء لثلاثة أحزاب معارِضة في السجن اليوم.

لا عداء مع موسكو ولا تخلّي عن كييف

على عكس الموقف الأميركي المنزعج من اختيار موسكو إعلان أسماء وفدها المتوجّه إلى تركيا في وقت متأخر من ليل الأربعاء، فإن إعلان الرئيس الروسي عدم حضوره المفاوضات شخصياً، لن يؤثّر على موقف إردوغان وعلاقته الشخصية القويّة ببوتين، الذي يحاول النأي بنفسه عن الفشل الديبلوماسي المباشر، والحفاظ على صورة القوة والسلطة، والأهم، تجنّب المواجهة المباشرة مع واشنطن والناتو في حال قررت ممارسة المزيد من الضغوط على المفاوضين الروس.

 

تتفادى تركيا اتخاذ أي موقف مواجه لروسيا أو خطر الانجرار غير المقصود إلى صراع مع جارتها الشمالية وعدوها التاريخي، وفي حين تُحافظ على دعمها السياسي الراسخ لسيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها، تدعم وقف إطلاق النار، الذي يبدو أن شروطه ستتضمّن بعض التنازلات المؤلمة من قبل كييف.
سواء نجحت الوساطة التركية في إنهاء الحرب الأوكرانية أم لا، فإن خطوات أنقرة المتتالية في الوساطة الإقليمية تجعل منها شريكاً لا غنى عنه في التعامل مع أزمات المنطقة، وتُعزز من أوراق أردوغان في التفاوض خارجياً، وتمرير سياساته داخلياً.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق