نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
من العداء إلى المحبة... ميلي ووداع البابا فرنسيس - تكنو بلس, اليوم السبت 26 أبريل 2025 01:59 مساءً
كلمة pontiff أو "الحَبر" مشتقة من اللاتينية pontifex ومعناها الحرفيّ باني الجسور. من هنا دور الحبر الأعظم – رأس الكنيسة الكاثوليكية – أن يقرّب وجهات النظر المتباعدة.
من جهتهم، يقوم الشعبويون، عادة، بإحراق الجسور. شيطنة الخصم فعالة لكسب الأصوات. قد لا يكون خافيير ميليه، الرئيس الأرجنتيني، شعبوياً جداً بالمعنى التقليدي للكلمة. نادراً ما يَعِدُ مرشح شعبوي ناخبيه بـ "الألم" كما فعل ميلي خلال حملته الانتخابية. ونادراً أيضاً ما يبدو الشعبويون منهمكين في دعم أفكارهم بنظريات كبار المفكرين، كما فعل ميلي عبر الاقتباس من أعمال ميلتون فريدمان، وموراي روثبارد، وروبرت لوكاس جونيور، وفريديريك حايك وآخرين. (ليس سراً عميقاً أنه أعطى كلابه المستنسخة بعضاً من أسماء هؤلاء).
لكن في الشكل على الأقل، إنّ خطابه السياسي، بدءاً بمهاجمة "المؤسسة" مروراً بحمل المنشار الكهربائي كرمز لقطع البيروقراطية وصولاً إلى نعت خصومه بأقذع العبارات، يقرّب الرئيس الأرجنتيني من الشعبويين. حتى مواطنه الأرجنتيني خورخي ماريو بيرغوليو، أو البابا فرنسيس الراحل، لم يسلم من تلك النعوت.
الدرس الصعب والبديهي
"غبي"، "يساري قذر"، "صديق السياسيين القتلة"، "ممثل الشر على الأرض". هذه عيّنة من الإهانات التي وجهها ميلي إلى البابا خلال حملته الانتخابية. لم يتجلَّ الفرق بين الرجلين في الطباع وحسب. صحيح أنّ كليهما نشأ في العاصمة الأرجنتينية، لكن ميلي ترعرع في عائلة ثرية، بعكس البابا. على أي حال، لم يتأخر رد بيرغوليو. بمجرد فوزه بالانتخابات، تلقى ميلي تهنئة البابا. سريعاً، وجّه الرئيس الأرجنتيني الجديد دعوة للبابا كي يزور بلاده. "أَدِرْ له خدك الأيسر" حوّلت العدو إلى صديق، أو بعبارة أخرى للقديس بولس، "جَمَعَتْ جمرَ نارٍ على رأسه".
في 12 شباط/ فبراير 2024، استقبل البابا فرنسيس ميلي في الفاتيكان. جاء ذلك بعد يوم على تقديس "الأم أنتولا"، راهبة أرجنتينية من القرن الثامن عشر أصبحت أول قديسة في البلاد. تَعانقَ الرجلان وتبادلا النكات. كان المشهد صادماً لكثر.
يُفترض بالحكم أن يجعل الإنسان أكثر نضجاً. لكن الحسابات السياسية حضرت كذلك. لن يكون حكم البلاد سهلاً إذا واصل الرئيس الأرجنتيني استعداء شريحة واسعة من المؤمنين عبر استهداف رئيسها الروحي. لقد تعلم الرؤساء الأرجنتينيون السابقون هذا الدرس جيداً.
في 13 آذار 2013، حين انتُخب بيرغوليو رئيساً للكنيسة الكاثوليكية، كانت الرئيسة السابقة كريستينا فرنانديز دي كيرشنر تلقي خطاباً. عندما علمت بالخبر، لم تذكر اسم البابا بسبب خلافات سابقة. توقفت فقط لتشير إلى نبأ انتخاب "أول بابا من أميركا اللاتينية". كان زوجها، الرئيس الأرجنتيني الأسبق نستور كيرشنر، قد وصف الكاردينال بيرغوليو بأنه "الزعيم الروحي للمعارضة السياسية". انتهى الأمر بكيرشنر الرئيسة وهي تزور البابا مرات عدة خلال ولايتها.
الأمنية التي لم تتحقق
كان للرؤساء الأرجنتينيين الأربعة الذين عاصروا البابا فرنسيس شكوكهم تجاهه. لقد وصفوه بأنه أقرب إلى اليسار أو إلى اليمين، كلٌّ بحسب موقعه. صعّب ذلك عودة البابا إلى وطنه. ثمة إجماع كبير حول أن بيرغوليو تخوف من أن توصف زيارته بأنها "بركة سياسية" للرئيس الذي سيستقبله. لهذا السبب، بشكل جزئي على الأقل، راح يؤجل تلك الزيارة، بالرغم من أنه كتب سنة 2017 أنه يريد العودة إلى الأرجنتين.
البابا فرنسيس حين كان كاردينالاً في الأرجنتين (أ ب)
رحل البابا من دون أن يزور مسقط رأسه كما فعل سلفاه الألماني بنديكتوس السادس عشر ويوحنا بولس الثاني (رسم بيرغوليو كاردينالاً سنة 2001). وزار البابا الراحل أكثر من 60 دولة، من بينها 7 في أميركا اللاتينية. لكن تأثيره في الأرجنتين بدا وكأنه صادر عن شخص لم يغادر بوينس آيرس، ناهيكم عن مغادرة البلاد. لقد تلقى البابا دعوات لزيارة بلاده من جميع الرؤساء الأرجنتينيين الذين عاصروه، واستقبلهم جميعهم في الفاتيكان.
أرقام قياسية معبّرة
"الغبي في روما" أصبح "أهم أرجنتيني في التاريخ"، كما اعترف لاحقاً ميلي الذي أعلن الحداد العام في البلاد لسبعة أيام. مع ذلك، لم يجامل البابا الرؤساء، عندما دعت الحاجة إلى إعلان موقف صريح. في خريف 2024، انتقد الـ "كازا روزادا" – نظير البيت الأبيض في الأرجنتين ومعناه البيت الزهري – لأنه قدم الغاز المسيل للدموع إلى المتظاهرين بدلاً من العدالة الاجتماعية. وانتقد البيرونية دي كيرشنر حين طالبت بتشريع زواج المثليين. لكن الخلاف الفكري لم يعنِ القطيعة.
في شباط 2024، استقبل فرنسيس ميلي لسبعين دقيقة، وهي أطول من أي فترة قضاها مع زواره من الرؤساء الأرجنتينيين الآخرين. واستقبل دي كيرشنر أربع مرات، وهو العدد الأكبر من الزيارات الذي حظي به أي مسؤول في هذا المنصب، منذ تولي البابا حبريّته.
مجدّداً إنها الحبريّة، أو باللاتينية، بناء الجسور.
0 تعليق