نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الانتخابات البلديِّة وغرفةُ الدموعِ - تكنو بلس, اليوم الجمعة 9 مايو 2025 12:39 مساءً
ربيع حنا طنوس - محامٍ بالاستئناف
في أحدِ صباحاتِ الربيع، كانت القرية تمورُ بحركةٍ غير اعتياديةٍ. شبابٌ يرفعون صور المرشحين، نساءٌ يتبادلن الهمسَ عند بائعِ الخبز، ومقهى الرجال يعجُّ بالتحليلاتِ، وكأن السياسة عادت فجأةً لتغزو الوجدان الشعبي، لا كفكرةٍ، بل كحلمٍ قديم بُعثَ من سباته. إنه يوم انتخاباتِ البلديِّة.
ولكن مالايَراه أحدٌ، لا يظهر في أوراق الاقتراع ولا يُسمع في مكبرات الصوت، هو تلك اللحظة الصامته، اللحظة التي تشبهُ غرفةَ الدموعِ في الفاتيكان، حيثُ لا ضجيج، فقط صوتٌ خافت وصدى سؤالٍ كبير: هل انتَ مستعد.
ففي لبنان، حيث السلطة تختلط بالأقارب والزعامة تتوارثها العائلات، تدخلُ الانتخابات أحياناً كطقسٍ اجتماعي أكثر منه خياراً ديمقراطياً. ومع ذلك حين يُغلق باب الصندوق، يصبح كلُ ناخبٍ وحيداً أمام ضميره، كالبابا المنتخب حديثاً يُسأل وحده أتقبل؟
هناك في أقصى القرية كان "أبو نعوم" قد فاز، رجل خمسيني من بيتٍ بسيط، لم يَعِد بأكثر من تعبيد طريق مهترئة وصيانة الإنارة العامة. لم يحتفل لم يطلق زغاريد، بل انسحب إلى غرفته جلس قرب صور والده الفلاح، ووضع لائحة الأسماء التي انتخبته على الطاولة، تذكر وجوههم، وعيونهم المتعبة، وكلماتهم العفوية: بدنا مين يسمعنا.
وهناك في عزلته بكى.
لم يكن بكاءَ ظفرٍ، بل بكاء وعي. فهم أن المقعد الخشبي في المجلس البلدي ليس مكاناً للجلوسِ بل عبءٌ للقيام. ان صوته من الآن وصاعداً يجب أن يصدح لمن لا صوت له، وأن القرار مهما صَغُر يطال حياة الناس.
في تلك اللحظة دخل "أبو نعوم " غرفة الدموعِ اللبنانيِّة، لا مرئية لكنها حاضرة في قلب كل مسؤول حقيقي.
فيا أيُّها المرشح أياً كان مقعدك، بلدياً اليوم أو برلمانياً غداً. قبل أن ترفع صورتك فوق الجدران، اسأل نفسك أولاً.
هل دخلت غرفتك؟ هل بكيت.
أم أنك مازلت تظن أن السلطة وليمة لا رسالة.
0 تعليق