اللِّيخة والزجل... في انتخابات لبنان البلدية والاختيارية - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
اللِّيخة والزجل... في انتخابات لبنان البلدية والاختيارية - تكنو بلس, اليوم الاثنين 14 أبريل 2025 08:34 صباحاً

اللِّيخة والزجل... في انتخابات لبنان البلدية والاختيارية

مع انطلاق التحضيرات لانتخابات المجالس البلدية والاختيارية، تعود إلى الواجهة ثقافة لبنانية راسخة لا تظهر في صناديق الاقتراع فحسب بل أيضاً في العقلية التي تحكم طريقة الاختيار والتنافس

الدكتور سمير حسن عاكوم

 

مع انطلاق التحضيرات لانتخابات المجالس البلدية والاختيارية، تعود إلى الواجهة ثقافة لبنانية راسخة لا تظهر في صناديق الاقتراع فحسب بل أيضاً في العقلية التي تحكم طريقة الاختيار والتنافس. اللافت أن الكثير من هذه الديناميات يتشابه بشكل مذهل مع منطق "اللِّيخة" اللعبة الشعبية حيث لا يتحقق الربح إلا بخسارة الآخرين، ومع مناخ "الزجل والميجانا" حيث يتقدّم مَن يرفع صوته أكثر ممن يبني مشروعاً.
اللِّيخة، أو منطق الفوز عبر خسارة الآخر وإقصائه بغض النظر عن الربح الخاص! فاللِّيخة، كما يَعرفها أبناء القرى والمدن ليست مجرد لعبة، بل أداة رمزية تَعكس منطقاً إجتماعياً خطيراً، عنوانه لكي أفوز يجب أن أُسقِط الآخر. هذا المنطق لا يبني بلدية فاعلة، بل مجلساً تحكمه الشكوك والخصومات وتركيب... اللّيخة! في الانتخابات، يُنظر إلى الخصم لا كمرشح مختلف في الرؤية، بل كتهديد وجودي وليكون المكسب إفشاله بأي وسيلة.
هكذا تُدار التحالفات العائلية، على منطق الإيقاع بالآخرين من خلال تحالفات "اللّيخة" لا بناءً على البرامج التنموية وتجميع الكفاءات، بل على من يمكنه أن "يشيل" الخصم أو "يقطعه". يتحول التصويت بعدها إلى مباراة انتقامية لا خيار ديموقراطياً حراً.
الزجل والميجانا أي الكلمة التي تغني عن الفعل و"الرد بالكلام" التي تستوجب ردات كلاميّة تتفوق عليها الى ما لا نهاية! في المقابل، تحمل تقاليد الزجل والميجانا بعداً آخر، سحر القول على حساب الإنجاز. يتقدّم المرشح الذي "يحكي منيح"، الذي يعرف كيف يخاطب جمهوره بالعبارات الرنانة، حتى لو خلا خطابه من أي خطة واضحة. وهنا، يُكافأ الأداء الكلامي وقوة الهجوم على الآخر، وتُنتخب الشخصيات التي تُتقن فن الإقناع الصوتي، لا تلك التي تملك سجلاً في العمل البلدي أو التنموي.
هذا الأسلوب يتسلّل إلى تربية الأجيال، حيث يُكافَأ الطفل الذي "يرد بسرعة"، ويُقصى من يفكّر في صمت أو يشتغل بصبر. لُيعاد إنتاج هذه الذهنية من خلال لعبة "اللّيخة والإستمتاع بالزجل" وصولاً الى زعامة الكلام وتفشيل الآخر لا بالفعل البناء وتحقيق البرامج التنمويّة.
من العائلة إلى صندوق الاقتراع، ما يحصل في الانتخابات هو ببساطة مرآة لما يجري في العائلة والمجتمع. في البيئة التي تربّى فيها المرشح والناخب، يتعلّم الفرد أن نجاحه مرهون بإسقاط الآخر (اللِّيخة)، وأن هيبته تُبنى على البلاغة لا الإنجاز (الزجل). وهذه البيئة لا تفرز مجالس بلدية فاعلة تعمل وفق منطقيّة عمل المجموعة المتكاملة لتحقيق أهدافها ضمن المدة الزمنيّة المحددة، بل مجالس مأزومة تُعيد إنتاج الانقسام والتأزم والإنتقام من لعبة اللّيخة السابقة!
في المحصلة، نحن ندور ضمن حلقة منطق الامتيازات المتوارث لا منطق المؤسسات الراعيّة. وإن استمرار هذه الظواهر لا يُفهم بمعزل عن غياب البنية التربوية والمؤسساتية التي تُعَلّم معنى المشاركة ومفاهيم العمل التنموي ورعاية الحاجات الإجتماعيّة في البلديّة وغيرها، وتُعزّز قيمة التعاون البنّاء، وتُخَرّج مواطنين يتنافسون وفق منطق احترام الكفاءة والبرامج التنمويّة لا "أبناء عائلات" التمثيل العددي فقط. نحن نفتقر إلى معاهد فعّالة تُربّي على ديموقراطية المعرفة والعمل الجماعي، وتُواجه منطق الامتيازات الوراثية والرمزية والطائفيّة التي تمنح الشرعية لزعامة التحكم بالإقصاء لا لكفاءة استدامة الحكم الرشيد.
إن ما يحكم مسار الانتخابات البلدية اليوم هو سلطة الامتيازات لا سلطة الأفكار. إنها بنية تُعمّق الظاهرة بدل أن تحاصرها، وتُعيد إنتاج اللعبة نفسها بجيل جديد من اللاعبين.
لن يتغيّر مشهدنا السياسي المحلّي ما لم نُعد النظر في أدوات التربية والمشاركة والتمثيل. فحين تغيب المؤسسات تحضر اللعبة. وحين تُغيّب المعرفة، يتصدّر منطق الصوت العالي والكلمة الفارغة...

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق