نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
"تنذكر وما تنعاد" - تكنو بلس, اليوم الاثنين 14 أبريل 2025 08:34 صباحاً
"تنذكر وما تنعاد"، عبارة يرددها اللبنانيون في ذكرى الحرب الأهلية من كل عام.
و"الفتنة تطل برأسها" عبارة أخرى، يستخدمها اللبنانيون مع مرور كل أزمة أو حادث أمني يعيد إلى الأذهان تلك الحرب.
يؤرخ اللبنانيون بداية الحرب الأهلية في 13 نيسان 1975، على إعتبار أنّ الشرارة الأولى إنطلقت من حادثة "بوسطة عين الرمانة"، بل كانت (قلوب مليان) وإنقسامات حادة تقسم البلد الى معسكرين مضادين، كما هي الحال الآن.
في ذلك اليوم، تعرضت حافلة تقل فلسطينيين عائدين من إحتفال، لإطلاق نار في منطقة عين الرمانة في بيروت، أدى إلى مقتل 26 شخصاً.
إستمرت الحرب 15 عاماً بين عامي 1975 و 1990 وشهدت إنتهاكات جسيمة من تهجير جماعي قسري وإضطهاد طائفي وقصف عنيف للمناطق الآمنة وتفجيرات بسيارات مفخخة، وخطف وقتل على الهوية الطائفية.
اندلعت الحرب اللبنانية بسبب تلاقي معطيات داخلية وخارجية، أطلقت دورة عنف أهلي لم تزل دوامة أشباحه تجول على رقاب اللبنانيين حتى اللحظة.
على المستوى الداخلي، لم يتمكن النظام اللبناني الذي كان قائماً على ثنائية مسيحية– سنية في الحكم من إستيعاب الصعود الشيعي السريع، الذي غيّر في أقل من نصف قرن موازين القوى بين جماعات لبنان. لم تكن الديموغرافيا الشيعية الأكبر في عشرينات القرن الماضي، يوم تأسست الجمهورية اللبنانية، وتوزعت حصص الحكم بين المكونات..
ولكن العقود اللاحقة شهدت صعوداً سريعاً لأجيال شيعية جديدة، أقل ميلاً للاستكانة الى الستاتيكو المسيحي– السني من الأجيال التي سبقتها. وقد رفد التمرد الشيعي على النظام وسهّله، بروز الزعامة الكاريزمية للإمام موسى الصدر، وإنشاء المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وانخراط أعداد واسعة من الشباب الشيعي في أحزاب معترضة على الستاتيكو، توزعت بين قوى اليسار اللبناني، ولاحقا حركة "أمل" التابعة للصدر..
هذه الدينامية تلاقت مع استعداد زعيم الدروز كمال جنبلاط للانقضاض على النظام، على خلفية طموح شخصي لتولي رئاسة الجمهورية، أو بالحد الأدنى رئاسة الوزراء. كما تلاقى الاعتراض الشيعي، مع تململ سني من صلاحيات رئيس الجمهورية المسيحي، ومطالبة بالشراكة في الحكم، أي عملياً بتعزيز صلاحيات رئيس الحكومة السني.
يبقى، مع ذلك، أن شعار "حروب الآخرين على أرضنا" تبسيطي. ذلك أن اللبنانيين كرهوا بعضهم بعضاً، قبل تدخل "الآخرين"، وواظبوا على حقدهم بعد رحيل جيوشهم. والوعي الذي ينفي الاستعصاء الداخلي، ليرمي كل المشكلة على الآخرين سطحي. بالحقيقة، توسيع حدود لبنان عام 1920 أضاف إلى الفالق الماروني– الدرزي، الذي أدمى تاريخ جبل لبنان في القرن التاسع عشر، الفالقين المسيحي– المسلم والسني– الشيعي. لبنان الحالي مبني على اجتماع هذه الفوالق وتاريخه الرجراج، كما حربه الأهلية يرتبط مباشرة بها..
الحرب اللبنانية، أقفلت على زغل، لأن اللبنانيين لم يكونوا تعبوا كلهم منها يوم سكتت المدافع. كانت في الميليشيات المختلفة طاقة شبابية قادرة على متابعة الجولة لعقد بعد ذلك على الأقل. ثم إن الحرب إنتهت بتعديل موازين القوى بين الطوائف.
إنقسم اللبنانييون على أساس طائفي في الستينات والسبعينات بين مؤيد ومعارض لحرية العمل الفدائي في بلادهم ومعارض لها، تماماً كما هم منقسمون اليوم بين مؤيد لسلاح "حزب الله" ومعارض له، ودائماً طبعاً على أساس طائفي..
لا يهم أن مثقفين مسيحيين يساريين انحازوا في الماضي إلى السلاح الفلسطيني، بحكم قناعاتهم العقائدية، كما لا يهم أن مثقفين وناشطين شيعة اليوم، يرفضون سلاح "حزب الله". كل هؤلاء يبقون استثناء لقاعدة مفادها أن الانقسام المجتمعي أساساً، في الماضي كما اليوم، طائفي. يعني هذا أن المعطى الداخلي في الشقاق اللبناني لم يتغير. ولا انكشاف لبنان أمام المعطى الخارجي تغير طبعاً، بدليل الدور الذي حبسته فيه إيران وسوريا والسعودية وفرنسا وأميركا منذ عقود كساحة صراع تحركها دفاعاً عن أنظمتها متى دعت الحاجة، وبدليل أن تفلت لبنان من قبضتهم، سيعني انتقاله من وصاية محور إقليمي إلى محور إقليمي آخر، ما دام أن الحياد الذي تنشده شرائح واسعة من اللبنانيين لا يزال حلماً..
وبإنتظار حل الإشكاليتين، عنيت علاقة الطوائف ببعضها، وإستسهالها إستدراج التدخل الخارجي إلى الساحة الداخلية، أو إستسهاله هو إستخدامها، تبقى الحرب الأهلية اللبنانية مستمرة، وإن كانت حالياً باردة نسبياً..
إن كان ثمن الحفاظ على وحدة لبنان هو شلالات الدم الدورية، فهل ينبغي دفعه؟ وكيف ينبغي الحفاظ على وحدة هذا البلد؟
يبدو أنّ سيناريو هذه المرحلة مشابه لسيناريو مرحلة ما قبل الحرب الأهلية المشؤومة، ويبدو أنها ستعاد بذكر لعين لم يسبق له قبيل، وستطل برأسها لتحرق ما تبقى من بشر وشجر وحجر، ويبدو أننا كلبنانيين ما تعلمنا دروس ما قد سلف وعبره.
أن الإجماعات بيننا ضعيفة على الأمور الأساسية، التي تحتاج المجتمعات للإتفاق عليها كي يصير الصراع السياسي تنافساً طبيعياً، بين أفكار وأحزاب وبرامج، لا مسألة حياة أو موت بين أطياف المجتمع اللبناني..
أن إعادة النظرفي ببعض مسلمات الفكر السياسي بلبنان قد حانت، كي لا تتكرر حمامات الدم فيه إلى ما لا نهاية..
لتكن الذكرى الخمسون للحرب الأهلية اللبنانية آخر حروبنا، ولنتعظ مما سببته من ويلات وخراب ودمار وأرامل وأيتام، ومجهولي مصير ما زالت عائلاتهم واحباؤهم يعيشون مرارة الألم حتى الآن، وليكن ذلك عبرة للجميع والخطر الوجودي الماثل أمام أعيننا، دافعاً لنا لتجاوز الأخطاء التي ما زال (يرتكبها) البعض للأسف بشعاراته وإرتهانه لأجندات لا تخدم البلد، بالإضافة الى التحريض الممنهج والإنقسام العمودي الحاد الذي يدفع نحو أتون الحرب الأهلية من جديد، ويهيىّء لها الأرضية لتشتعل عند أول شرارة.
0 تعليق