من "أوشعنا" إلى "اصلبه": تأملات في ألم الخلاص ورجاء القيامة - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
من "أوشعنا" إلى "اصلبه": تأملات في ألم الخلاص ورجاء القيامة - تكنو بلس, اليوم السبت 12 أبريل 2025 01:59 مساءً

بقلم: الخوري فادي سمير سميا

في أحد الشعانين، استقبلت الجماهير يسوع بهتاف الفرح: «أوصنّا لابن داود! مبارك الآتي باسم الرب!» (متى 21: 9)، ناشرة أغصان الزيتون وسعف النخل، في مشهدٍ يفيض بالحماسة والمحبّة. لكن بعد أيام قليلة، علت صرخة أخرى في شوارع أورشليم: «اصلبه! اصلبه!» (لوقا 23: 21). كيف انقلب المزاج الشعبي بهذه السرعة؟ وكيف نُدين البريء، بل المخلّص، ونُرسل إلى الصليب ذاك الذي لم يصنع إلا الخير؟

الإشكالية الكبرى: بين التوق للخلاص وفهمه الخاطئ

إنّ إشكالية الشعانين تكمن في توق الإنسان العميق إلى الخلاص، لكن ضمن تصوّراته الخاصة عنه. الشعب انتظر مسيحًا محرّرًا سياسيًا، قائدًا ينتزع الاستقلال من يد الرومان. غير أن يسوع دخل المدينة لا على جواد المنتصر بل على جحشٍ وديع، حاملاً سلامًا روحيًا ومُلْكًا لا من هذا العالم (يوحنا 18: 36). وحين خابت توقعاتهم، لم يتردّدوا في التخلّي عنه.

وهكذا ظُلم يسوع، لا فقط من بيلاطس أو رؤساء الكهنة، بل من كل من لم يفهم رسالته. وها هو صوت إشعياء النبي يدوّي في الخلفية: «مُزْدَرىً ومُخْذولٌ من الناس، رجل أوجاع ومختبر الحزن… وهو مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا» (إشعياء 53: 3-5).

التاريخ يعيد نفسه: الجلجلة المستمرّة

ما زال التاريخ يكرّر مشهد الشعانين والجمعة العظيمة في وجوهٍ كثيرة. كم من الأبرياء يُصفّق لهم الناس لحظة، ثم يتخلّون عنهم عندما لا يلبّون مصالحهم؟ كم من الأنبياء في هذا الزمن يُسْخَر منهم أو يُغتالون لأن صوتهم لا يُجامل؟ في كل مظلومٍ يُجلد، في كل طفلٍ يموت جوعًا أو تحت القصف، في كل أمٍ تبكي ابنها على قوارب الموت، نسمع صدى "اصلبه" من جديد.

لكن هل من معنى لهذا الألم؟ ولماذا لا يأتي الخلاص إلا عبر الصليب؟

عبور الألم شرط القيامة

إن سرّ الخلاص المسيحي ليس هروبًا من الألم بل عبورًا فيه. يسوع لم يأتِ ليمحو الصليب بل ليملأه بالحب. على الجلجلة، غلب الشرّ لا بالعنف بل بالغفران: «يا أبتِ، اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون» (لوقا 23: 34). وهنا تكمن ثورة المسيحية: في قلب الظلم والضعف، يولد الرجاء. القيامة لم تُلغِ الصليب بل أعطته معناه.

العالم اليوم: إلى أين؟

في زمننا، يبدو وكأن العالم يسير نحو ظلمات جديدة: حروب، فقر، تغيّر مناخي، انهيارات أخلاقية. وقد يتساءل المؤمن: هل نحن على درب القيامة أم في انحدارٍ أبدي؟ لكن التاريخ لم يكن يومًا خاليًا من الصلبان، ومع ذلك، فإن نور القيامة لم يُطفَأ.

يبقى الإيمان هو النور الهادئ في ليل التاريخ، والرجاء هو الوثبة التي تقود الشعوب من الموت إلى الحياة. يقول بولس: «إن كنا نتألم معه، فلكي نتمجّد أيضًا معه» (رومية 8: 17).

الرجاء الذي لا يُخيّب

رجاء المؤمن لا يرتكز على وعود الأرض بل على القيامة. القيامة ليست وهمًا ولا مجرّد ذكرى، بل قوّة تتفجّر في كل من يسير مع المسيح في درب الصليب، عالمًا أنّ الألم لا تكون له الكلمة الأخيرة. إن العالم، برغم ظلماته، لا يزال يحبل بقيامة ممكنة، شرط أن نؤمن ونحبّ ونغفر.

في أحد الشعانين، نسأل أنفسنا: هل نحن من هتفوا "أوصنّا" لأننا نريد مخلّصًا على قياسنا، أم لأننا نؤمن بمن اختار طريق الصليب حبًا بنا؟ هل نرافق يسوع لا فقط في زفة النخل، بل على درب الجلجلة، بانتظار نور الفجر الجديد؟

إنه زمن العودة إلى جوهر الإيمان: لا خلاص بلا صليب، ولا قيامة بلا محبّة حتى الموت.

مباركٌ الآتي

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق