نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
بريطانيا في مواجهة العاصفة: ما هي خطة ستارمر لحماية صناعة السيارات من رسوم ترامب؟ - تكنو بلس, اليوم السبت 12 أبريل 2025 07:18 صباحاً
في خضم تصاعد الاضطرابات الاقتصادية العالمية، أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر عن خطة تهدف إلى "حماية الشركات البريطانية من العاصفة"، في مواجهة التحديات الجديدة التي فرضتها السياسة التجارية الأميركية. فمع فرض واشنطن رسوماً جمركية بنسبة 25% على المركبات المستوردة، بات قطاع السيارات العالمي، والبريطاني تحديدًا، أمام ضغوط كبيرة تهدد استثماراته وتنافسيته. وفي خطوة استباقية، قررت الحكومة البريطانية تخفيف أهداف التحول نحو السيارات الكهربائية، مانحةً الشركات المصنّعة مزيدًا من المرونة، في محاولة لامتصاص أثر الرسوم المرتفعة ودعم القطاع الصناعي المحلي في هذه المرحلة الحرجة.
أهداف خطة ستارمر
تسعى خطة كير ستارمر إلى تحصين الاقتصاد البريطاني من خلال التركيز على دعم البنية التحتية وتشجيع الاستثمار الصناعي، وذلك عبر أدوات مثل "صندوق الثروة القومي". لكن الرسوم الجمركية الأميركية، خصوصًا إذا طالت قطاع السيارات، تظلّ تمثّل تهديدًا مباشرًا، إذ إن الولايات المتحدة تستورد نحو 15% من صادرات بريطانيا، وأيّ تراجع في الطلب الأميركي سيؤثر سلبًا على عدد من المصانع، من بينها "جاكوار" و"لاند روفر". وعلى الرغم من أن الأثر المباشر للرسوم قد يكون محدودًا في الوقت الراهن، فإن التأثيرات غير المباشرة عبر سلاسل الإمداد والنمو الاقتصادي العالمي تبقى كبيرة.
أما القرار المتعلّق بتخفيف الأهداف البيئية، فيبدو واقعيًا من منظور السوق المحليّة، وتحديداً في ظلّ الضغوط الاقتصادية وضعف الاستثمارات في البنية التحتية. لكن هذا التراجع يشكّل تخلّيًا عن التزامات بيئية مهمة. وتسعى الحكومة إلى تحقيق توازن بين الحفاظ على الوظائف على المدى القصير، وبين تحقيق تحول مستدام بحلول عامي 2030-2035. قد تمنح هذه المرونة فرصة للمصنّعين البريطانيين لالتقاط أنفاسهم في ظل المنافسة الأوروبية والصينية، لكنها قد تؤدي أيضًا إلى تأخّرهم مقارنة بمنافسين بدأوا فعليًا التحول الكامل نحو السيارات الكهربائية، مما قد يُفقد بريطانيا جزءًا من جاذبيتها كمركز لتكنولوجيا السيارات المستقبلية.

رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر (أ.ف.ب)
ماذا عن فرص التفاوض؟
رغم أن السياسة الصناعية الحالية تظهر نية واضحة لتقوية الاقتصاد المحلي، مثل تخصيص 2.3 مليار جنيه استرليني لدعم قطاع السيارات الكهربائية، فإن التحديات لا تزال كبيرة. فمع تصاعد موجة الحماية الاقتصادية في كل من الولايات المتحدة وأوروبا، بات من الضروري أن تعزّز بريطانيا تنسيقها مع الاتحاد الأوروبي، وأن تزيد من استثماراتها المحلية، وتوسع من تحالفاتها الصناعية.
فرص بريطانيا في التفاوض ليست قوية، خاصة أن الولايات المتحدة تستعد للانتخابات في نوفمبر 2025، وأصبحت السياسات الحمائية جزءًا أساسيًا من الخطاب الشعبي. ومع ذلك، قد تتمكن بريطانيا من التفاوض على استثناءات قطاعية أو تأجيل تنفيذ الرسوم. ومع أن الرئيس السابق دونالد ترامب لديه سجلّ من عقد صفقات ثنائية، فإن تحفيزه على المضيّ في أيّ اتفاق سيعتمد على الفوائد السياسية أو الاقتصادية التي قد يجنيها منها.
من المؤكّد أن العلاقات التجارية ستتأثر، حتى وإن لم تصل إلى مرحلة القطيعة. فبعض الشركات ستشعر بالقلق، وقد تتأخّر استثماراتها، وهو ما سينعكس على تباطؤ في حركة التجارة والخدمات، لا سيما في قطاعات مثل المالية والاستشارات. وبما أن نسبة كبيرة من صادرات بريطانيا تتجه نحو السوق الأميركية، فإن أيّ توتّر في العلاقة سيؤثر بشكل ملموس على الاقتصاد البريطاني.
أما في ما يتعلّق بقطاع السيارات، فهناك خطر من أن تقلّص الشركات استثماراتها في داخل بريطانيا، وتحوّلها إلى مصانع في الخارج إذا أصبحت الرسوم الجمركية عائقًا كبيرًا. وقد يسهم الدعم الحكومي في تخفيف الضغط، بالرغم من أن ذلك يتطلّب آليات توزيع واضحة وسريعة. ولا يمكن للقطاع تحمّل استمرار هذه الرسوم لمدة 5 سنوات إلى 10. فحتى إن لم تكن صادرات بعض الشركات إلى أميركا ضخمة، فإن السوق الأميركية تبقى استراتيجيًا لها. واستمرار فرض الرسوم سيزيد الضغط على سلاسل الإمداد، وسيجعل الإنتاج المحلي أقلّ تنافسية.
السيناريوات المتوقعة
وعليه هناك 3 سيناريوات متوقعة:
الأسوأ: خروج الاستثمارات من بريطانيا. الأساسي: تقليص الإنتاج المحلي والاعتماد على المصانع العالمية. الأفضل: إبرام تحالفات جديدة أو الحصول على استثناءات خاصة بقطاع السيارات.أما بالنسبة إلى المبلغ المرصود، فهو يعدّ بداية جيدة، لكنه بالمقارنة مع الدعم المقدّم في فرنسا أو ألمانيا، والذي يشمل حوافز ومساعدات أكبر، فإنه لا يزال متواضعًا. فإنتاج السيارات الكهربائية يتطلب استثمارات ضخمة في البطاريات والبنية التحتية، مما يعني أن المبلغ الحالي يجب أن يتضاعف أو يُستكمل باستثمارات خاصة، والتي تواجه بدورها تحديات في ظل الأوضاع الاقتصادية العالمية الراهنة.
وبحسب التوقعات، فإن النمو الاقتصادي في بريطانيا قد يصل إلى 1.4% في عام 2025، وإلى 1.8% في عام 2026، ارتفاعًا من 0.9% في 2024، و0.4% في 2023. ولكن ذلك يبقى مرهونًا بالسيطرة على التضخم وتحسّن الصادرات. وإذا تأخّرت الإجراءات البيئية كثيرًا، فقد تفقد بريطانيا مكانتها ضمن سلاسل القيمة العالمية.
*علي متولي، استشاري اقتصادي في Ibis للاستشارات، ومقرها بريطانيا.
0 تعليق