نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
أميمة الخليل إلى الحرب الأهلية: غلبت الموتَ الحياةُ - تكنو بلس, اليوم الجمعة 11 أبريل 2025 08:41 صباحاً
في زمن الحرب الأهلية اللبنانية، لم تكن الأغنية مجرّد تعبير فني، بل تحوّلت صوتًا عالياً: مرةً صوتاً للحياة التي غمرها الركام، ومرات صوتاً للحرب نفسها، حين انتشرت الأغنية السياسية والثورة والحماسة. وكانت في الحالتين مرآةً تعكس تفاصيل واقع يوميّ لانقسام طال اللبنانيين 15 عاماً، وما زال بعد خمسين عاماً على اندلاع الحرب.
اللبناني مؤدلج، أي غلبت طبعه المثقف – الإيديولوجي الميال إلى التورّط في حركات التحرر على تطبعه المدني الذي ساد عقوداً، كان فيها لبنان "سويسرا الشرق". هذه "الأدلجة" حوّلت كلّ شعار إلى أغنية، وكل أغنية إلى "مانيفستو" للحرية. فما كان بالإمكان فصل الفن عن سياقه السياسي والاجتماعي، فشكّلت الأغنية في تلك المرحلة وسيلة لعبث يقاوم عبثاً، ومنبراً لنقل وجع الإنسان وآماله.
انبثقت أغنيات سياسية تعبويّة تماهت مع خطابات المرحلة، وأخرى إنسانية رفضت الاصطفاف وراحت تبحث عن الإنسان في زمن غابت فيه ملامحه. فكانت الأغنية الملتزمة صوتاً بديلاً، وحالة فنية مقاومة للفوضى، تستنطق الضمير وتستحضر الذاكرة.
في قلب هذه المعركة الرمزية، برزت أسماء فنية باتت جزءاً من الذاكرة الجماعية. مارسيل خليفة بأغنياته التي حوّلت القصيدة إلى نشيد إنساني، خالد الهبر بصوته الجارح للحقيقة، أحمد قعبور الذي غنّى "أناديكم" وكأنه ينقذ أرواحاً من الغرق، زياد الرحباني الذي استخدم السخرية ليعرّي عبثية الواقع، وأميمة الخليل التي جعلت من صوتها مساحة للتأمل. هؤلاء لم يكونوا مجرّد فنّانين، بل شهوداً على زمن، وصنّاعاً لذاكرة وطن.
بعد خمسين عاماً على اندلاع هذه الحرب، قدّمت أميمة الخليل شهادتها الإنسانية عن حقبة خلت من عناصر الإنسانية.
اميمة الخليل في صغرها
هكذا بدأت الحكاية...
منذ تأسيس مارسيل خليفة فرقة "الميادين" في عام 1976، شعرت أميمة الخليل بأن الأغنية لا تُوجّه ضد لبناني آخر. بدأت الغناء في عام 1979، واعتلت المسارح في الثمانينيات بأعمال مثل: "نامي يا صغيري"، "عصفور"، "يا معلمتي"، و"قمر المراية". حملت صوتها رسالة، لا سلاح، وغنّت للإنسان كما فعلت السيدة فيروز والأخوان رحباني في مسرحياتهم.
تقول: "لم أشعر يوماً بأنّ هذه الأغنيات موجهة ضدّ أحد. بفطرتي الطفولية، كنت أغنّي للإنسان، لا لأحزاب أو طوائف. كنت أؤمن بأن الأغنية تُوحِّد الذين يتقاتلون حول إنسانيتهم. لا رابح في تلك الحرب، الجميع خاسر... ما حصدناه كان القتل والمجازر".
وتضيف: "رغم أن انتماء مارسيل خليفة الفكري يساري، فإن يساريته كانت أممية، إنسانية، لا طائفية ولا محلية. كان ولا يزال مؤمناً بالقضية الفلسطينية من منطلق إنساني".
تؤكّد خليل أن الأغنيات التي قدّمتها وصلت إلى كل المناطق، لأنها لم تكن تحريضية، بل عبّرت بلغة جامعة، واستمرت على هذا النهج حتى بعد الانفصال الفني عن خليفة: "أنا غنيت للإنسان". وتضيف: "لم أحرّض على القتال، بل سعيت لمدّ الجسور بين الناس، حتى المتخاصمين. أؤمن أن الفن لا يصطف، بل يجمع. لم أتبنَّ خطاب أي حزب لبناني، أردت فقط أن أخاطب الإنسان من خلال الأغنية".

اميمة الخليل
غصّة في "شوارع بيروت"
اليوم، حين تغني "يا شوارع بيروت"، لا يشبه الإحساس إحساس البدايات. تقول إن الأغنية التي كانت تنبض بالأمل باتت تخرج بغصّة: "كنّا نغني بإصرار كي نصل إلى ما هو أفضل. اليوم، لا أحد يريد أن يسمع. الأغنية، كما الفن والثقافة، وُضعت جانباً، بينما يعلو صوت السلاح والفوضى والسياسي المستفيد".
تشير إلى أن شوارع بيروت باتت منهكة، وأن المدينة تمرّ بحزن عميق. وتضيف: "كل طرف يحاول سرقة الأغنية لصالحه، لكنها ليست لأحد. هي عن الإنسان المعتر بكل الأرض، كما يقول زياد الرحباني، الإنسان المستقلّ الذي بات اليوم معزولاً، بلا فاعلية".

الفنانة اميمة الخليل
عن الأغاني السياسية
حين يُطرح السؤال عن الأغاني السياسية وما إذا كانت تساهم في تأجيج الحروب، تتريّث في الإجابة: "أغنية 'عصفور' تتحدث عن الحرية، 'نامي يا صغيري' عن العامل الفقير، 'يا بحرية' عن معروف سعد، الذي استشهد وهو يدافع عن الفقراء. مثل هذه الأغنيات لا أتنكّر لها".
"ذاكرتي بلا ألوان... إلا المسرح"
عندما تعود بالذاكرة خمسين عامًا، لا ترى ألواناً: "حتى حين كنت أسافر مع فرقة مارسيل خليفة، لم يكن المشهد ملوناً. كنت أرى الجرحى والقتلى أمامي في ضيعتي، الفاكهة، بالبقاع الشمالي. كنت أخاف من العودة من بيروت، من الطرقات المقطعة. كنت قليلة الابتسام. وحده المسرح كان ملاذاً، والنور في عتمة الحرب".
وتستذكر لحظة مؤثرة: "كنت صغيرة، أغني "يا رفاقي الشهداء" بلا موسيقى، والجمهور صامت تماماً... تلك اللحظة لا تُنسى". وتضيف: "حين بدأنا نبصر الألوان، سلبتها الأحزاب".
"الأمل ضرورة"
بحنان الأم التي تفكّر في ابنها المغترب، تقول إن جيلها عاش من صدمة إلى أخرى: "لا شيء يُحلّ، بل كل شيء يتراكم... المشهد ملون رمادي".
وترى أن الأمل هو ما يُبقي الإنسان متماسكًا: "لو ما في أمل، كنا صرنا كلنا مجانين... لأننا فعلاً نعيش في عصفورية".
وتتحدث عن أغنيتها الأخيرة "نتفة عتم"، من كلمات ماهر يمّين وألحان هاني سبليني، بوصفها امتدادًا للأمل: "ماهر كتب بصدق، وهاني لحّن بموسيقى حقيقية. لا خيار أمامنا إلا الاستمرار، والموسيقى أحد السبل لفعل ذلك، تماماً كما على كل شخص أن يقوم بعمله بصدق".

الفنانة اميمة الخليل
إلى جيل ما بعد الحرب
إلى الجيل الذي يسمع عن 13 نيسان من روايات متضاربة، تقول: "الله يساعدكم... في كتير تشويش عليكم"، وتتمنى أن ترافق الحكمة لحظات الحماس القصوى لديهم.
وتختم أميمة الخليل برسالة إلى الحرب: "غلبت الموت الحياة"، رغم كل ما فُتح من أبواب للموت، بقيت الحياة أقوى. هكذا تمضي أميمة، بصوتٍ حمل الأغنية... لا البندقية.
0 تعليق