تنبأ الرئيس التنفيذي لشركة "ميتا بلاتفورمز" مارك زوركبيرغ، أن ينتهي عصر الهواتف الذكية في غضون أقل من عقد، فثمة تقنية جديدة آخذة في الظهور، تَعِد باستبدال الشاشات وإحداث ثورة في كيفية تفاعلنا مع العالم الرقمي، فما هذه التقنية الجديدة التي ستحل محل الهواتف المحمولة؟ وما هي التحديات التي تواجه هذه التقنية؟ وهل نحن مستعدون حقًا للتخلي عن هواتفنا إلى الأبد؟

سيطرت الهواتف الذكية على حياتنا لثلاثة عقود تقريباً، وبتنا نعتمد عليها في الاتصالات ومهمات العمل والتسوق الإلكتروني، أو حتى الترفيه عبر منصات التواصل الاجتماعي ومنصات الفيديوهات والأفلام، ولكن إذا كان مارك زوكربيرغ محقًا، فإن عصر الهواتف الذكية أوشك على الانتهاء وستصبح قديمة الطراز.

ما هي التقنية البديلة للهواتف الذكية؟

ويتوقع زوكربيرغ أنه في أقل من عقد، ستصبح النظارات الذكية وسيلة اتصالنا الرئيسية بالعالم الرقمي، ما يجعل الهواتف الذكية شيئًا من الماضي، وفق تقرير نشرته منصة ديلي غلاكسي (Dailygalaxy) في آذار (مارس) 2025، قالت فيه: "قد يبدو الأمر مستحيلاً، لكن السباق بدأ بالفعل".

وتؤكد المنصة المهتمة بالتكنولوجي أن شركات مثل "ميتا" و"أبل" وغيرهما من شركات التكنولوجيا العملاقة أنفقت مليارات الدولارات في الواقع المعزز والذكاء الاصطناعي لجعل هذا المستقبل واقعًا ملموساً، كما تؤكد أن تنبؤ زوكربيرغ ليس مجرد تكهن، بل أصبح التنبؤ يتشكل بالفعل خصوصاً بعد ظهور نظارات "أوريون" من "ميتا" (Meta’s Orion smart glasses) التي كشفت عنها الشركة خلال فعالية ميتا كونيكت عام 2024، ووصفتها بأنها أكثر النظارات الذكية تطوراً على الإطلاق.

و حتى الآن، تجاوز إنفاق "ميتا" على نظارات الواقع الافتراضي والواقع المعزز 80 مليار دولار منذ عام 2014 (هو العام الذي استحوذت فيه ميتا على شركة أوكولوس المُصنِّعة لسماعات الواقع الافتراضي)، وفقًا لصحيفة فاينانشال تايمز، نقلاً عن تقديرات المحللين وحساباتها الخاصة المستندة إلى بيانات الشركة. 

ويضيف التقرير أن "ميتا" ستضيف استثمارات في النظارات الذكية بقيمة تتخطى 20 مليار دولار، ليتجاوز إجمالي استثماراتها في مجال نظارات الواقع الافتراضي والواقع المعزز 100 مليار دولار بنهاية العام الجاري.

وتقول "فاينانشال تايمز" إن هذا جزء من خطة زوكربيرغ الطويلة الأجل لتطوير منصة حوسبة يمكن أن تحل محل الهواتف الذكية وتقليل اعتماد شركته على "أبل" و"غوغل" لتوزيع تطبيقاتها وخدماتها.

كما وصف زوكربيرغ عام 2025 بأنه "عام حاسم" لعمل "ميتا" في مجال الذكاء الاصطناعي، مع خطط لاستثمار ما بين 60 مليار دولار و65 مليار دولار في هذا القطاع خلال عام 2025.

وتتميز هذه النظارات المستقبلية بشاشات ثلاثية الأبعاد تعرض صوراً افتراضية في العالم الحقيقي، ما يُتيح إرسال الرسائل النصية أو إجراء المكالمات أو التنقل من دون الحاجة إلى استخدام الهاتف، فهي ليست مجرد جهاز تقليدي، بل مصممة لتحل محل الهواتف الذكية تماماً، وبفضل تتبع العين والأوامر الصوتية وإيماءات اليد، يمكن للمستخدمين التفاعل مع المحتوى الرقمي بسهولة.

"أبل" تدخل منافسة النظارات الذكية

وأثبت إصدار شركة "أبل" نظارة الواقع المعزز "فيجن برو" (Vision Pro) التي تركز على تجارب الواقع المختلط أن الشركة المالكة لأكبر محرك بحث في العالم تستثمر أيضاً بكثافة في مستقبل يتجاوز الهواتف الذكية.

وتعمل شركات أخرى، بما في ذلك "غوغل" و"سامسونغ"، أيضًا على نظاراتها الذكية التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، وتهدف جميعها إلى تحقيق الهدف نفسه: تحرير المستخدمين من هواتفهم.

حجم سوق النظارات الذكية عالمياً

وكشفت مؤسسة "فورتشن بيزنس إنسايتس" (Fortune Business Insights) الأميركية لأبحاث السوق أن حجم سوق مبيعات النظارات الذكية سجّل 16.32 مليار دولار بنهاية عام 2024، مقابل 12.86 مليار دولار عام 2023، ويتوقع أن ينمو بنسبة 28.7% بحلول عام 2032 ليسجل 123.06 مليار دولار.

وتوقعت مؤسسة "ماركتس آند ماركتس" (MarketsandMarkets) الهندية لأبحاث السوق، أن يبلغ حجم سوق نظارات الواقع الافتراضي والواقع المعزز عالمياً 38 مليار دولار بحلول عام 2029 بمعدل نمو سنوي مركب 19.1%.

ووفقًا لتقرير (Industry Insights 2023)، استخدم 98 مليون شخص نظارات الواقع الافتراضي خلال عام 2023، وبحلول عام 2027، من المتوقع أن يتجاوز عدد مستخدمي نظارات الواقع الافتراضي والواقع المعزز 100 مليون مستخدم على مستوى العالم.

5 تحديات أمام النظارات الذكية تمد في عمر الهواتف 

يقول خبير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ومدير المشروعات في الشركة المصرية للاتصالات كريم محيي الدين لـ"النهار"، إن الطفرات التكنولوجية لا تتم بين عشية وضحاها، وحتى لو تحولت نبوءة مارك زوكربيرغ فإنها ستستغرق وقتاً طويلاً، ربما يزيد على عقد من الزمن وليس أقل، خصوصاً في ظل التحديات التي تواجه النظارات الذكية.

ويعرض محيي الدين التحديات التي تواجه نظارات الواقع الافتراضي والواقع المعزز وهي مساحة بطارية النظارة القصير جداً مقارنة ببطاريات الهواتف الليثيوم التي وصلت في بعض الهواتف إلى 12 ألف مللي أمبير، أما البطاريات التقليدية فتتراوح مساحتها بين 4000 و6000 مللي أمبير، والعقبة الثانية هي عمر بطارية النظارة الذكية القصير.

والتحدي الثالث هو ضعف معالجات نظارات الواقع الافتراضي والواقع المعزز مقارنة بمعالجات الهواتف الذكية التي وصلت إلى مستويات مرتفعة من التطور. حتى أن شركة مثل "آبل" أصبحت تستخدم معالج جهاز الآي باد الخاص بها في جهاز الكمبيوتر المحمول "ماك بوك آير".

إما التحدي الرابع، بحسب محيي الدين، فهو المخاوف الكبيرة بشأن الخصوصية، فهذه التكنولوجيا تحتاج إلى قانون ينظم آلية استخدامها وإلا سنجد كل فردة يخترق خصوصية الآخرين، سواء بالتصوير أم بتسجيل المحادثات من دون علمهم عبر نظارته الذكية. ويتمثل التحدي الخامس والأخير بمدى الارتياح إلى وضع النظارة على مدار اليوم أو إلى وجود كاميرات تعمل باستمرار ومدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي تتبع كل ما تنظر إليه.