نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
محمود شقير يكتب الشيخوخة بلغة الأطفال - تكنو بلس, اليوم الأربعاء 9 أبريل 2025 08:00 صباحاً
في روايته القصيرة (النوفيلا) "منزل الذكريات" (هاشيت أنطوان - نوفل 2024) تخلّى محمود شقير في سرده عن القضيّة المركزيّة (بالمعنى التقني للمصطلح) متبعاً السرد على المستوى اللغوي المباشر ذي البعد الدرامي. الرواية تنطلق من مشهد تراجيدي يتّسم بخسارة محمّد الأصغر العبدللات زوجته سناء التي سرعان ما تتحوّل إلى طيف يصنع أحداثه المتوقّعة وغير المتوقّعة، والحقّ أنّ إقحام بطلي رواية "الجميلات النائمات" لياسوناري كواباتا ورواية "ذكريات عن عاهراتي الحزينات" لغابريال غارسيا ماركيز جعلت الشخصيّة الأساس تفقد ظلّها الخاص وتدخل في اضطرابات تجعلها أكثر انكفاءً وأقلّ تعرّفاً إلى محيطها، وهو ما جعل النّص وسياقه يدوران في سياق نفسي اجتماعي، بخاصّة أنّ شقير لم يتغاض عن ذكر وجود الشخصيّات في القدس وتماهيها مع انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي وتأثرها بما يحصل في قطاع غزّة.
اللغة التي تخرج عن احتواء بنية النّص
في معرض حديثه عن التأويل النصّي يربط ميخائيل باختين بين الزمن والسرد، وبين الحواريّات والسياق النّصي وهويّته، لكنّ محمود شقير الذي قلّل من الحواريات تماشياً مع الأسلوب الشعريّ المشهدي الذي اعتمده، تقدّم نحو المتلقّي بلغة مباشرة جعلت الذكريات مكتوبة بلغة الأطفال، وجعل اللغة نفسها تخرج من فكرتها الأساس وهي تحديد بنى النّص وتقسيمها، فالسياق الذي بدأ بحدث تراجيديّ وانتهى بحدث دراميّ (خسارة محمد الأصغر ممتلكاته) نتج منه خروج عن الحبكة الكلاسيكيّة (التي تبدأ عادة بوضع أوّل وتنتهي بوضع أخير) ما يسوّغ اتجاه الكاتب إلى تكثيف النّص وتمسّكه بنظريّة شكلانيّة نقديّة في السرد تقوم على توزيع الشخصيّات بين عامل مساعد (رهوان ) وعامل معاكس (أسمهان- جميحان- محمود)، لتبقى شخصيّات مثل سناء بطيفها والعجوزان في روايتي كواباتا وماركيز تترنح بين المناوءة والمناصرة لـمحمّد الأصغر.
رفض محمود شقير فكرة زخرفة النّص وتبنّى فكرة التكثيف في السرد ليحول فصول النص إلى مشاهد تشبه لقطة المصوّر لمنظر طبيعي بواسطة كاميرا عتيقة، أي أن شقير فضّل ترك المشاهد ببساطتها وطبيعتها وسهولة إخراجها ليستنبط القارئ الواقع على أن ينهك في التأويل والتدليل والشروحات....نقاط تحسب لشقير الذي أظهر بشكل بانورامي تسلّط الاحتلال في القدس وإجرامه في غزّة، ربّما على حياته ككاتب في الداخل الفلسطيني،أو رغبة بالتحرر من أدب القضيّة كما جهد محمود درويش في أعمال شعريّة عديدة.
الشخصيّة التي تفضّل القبول على التحوّل
بعكس السائد، خرج محمود شقير من خلال الشخصيّة الأساسيّة ( محمّد الأصغر عبداللات ) عن سلّم الحزن المعروف في علم النفس ( الإنكار، الغضب، المساومة الاكتئاب، القبول ) مركّزاً على مرحلة القبول بالابتزاز من قبل أسمهان وشقيقها باعتقال الاحتلال الاسرائيلي له على خلفيّة عمليّة طعن قام بها حفيد أخيه، هذا القبول الذي فضّله محمد الأصغر الذي شارف على التسعين يؤكد أنّ شقير صاغ شخصيّته الأساسيّة من منطلق اضطراب الأنا والبحث عن الهويّة الذاتيّة الضائعة، أو ربّما البحث عن عالم موازٍ، وهو موقف من الكاتب نفسه بأنّ القضايا المركزيّة لا يمكن التعبير عنها أو تبني مواقف تجاهها إذا لم يكن الفرد في مجتمعه مهيّأً نفسيّاً واجتماعيّاً لذلك.
إصدارات محمود شقير السابق عن 'هاشيت أنطوان-نوفل'.
لعلّ الممانعة البانوراميّة لممارسات الاحتلال ولوجوده كسلطة وصيّة على المقدسيّين والإشارة بشكل مختصر إلى التأثر بما يحصل من مجازر في غزّة ومن تضييق في الداخل الفلسطيني، تعبّران عن مراعاة الكاتب لمحيطه وظروفه، من جهة، وتمسكه بهويّته الفلسطينيّة القائمة على رفض تقاسم الأرض، من جهة أخرى.
رواية محمود شقير تطرح اضطراب الأنا عبر محمّد الأصغر الذي يعكس حالة مجتمعنا العربي ككل، فالنتائج التي ترتبت عليه هي استسلامات تتكرر يوميّاً مع الملايين من الرجال العرب اجتماعيّاً وتعكس هذه اللامبلاة الداخليّة تجاه القضيّة الأم.
"منزل الذكريات"، أخيراً، هي عودة إلى الذات بعيداً عن كلّ المشاهد التي تفخخ الفرد العربي وتلهيه عن هويّته وتكوينها الذي قد يأخذ من العمر 87 عاماً وربّما أكثر. ليكون السؤال الذي تتركه النهاية، هل المطلوب البحث عن الأمل في بلاد محتلّة قابلة للإبادة، وهل الأدب دفن القضايا حقّاً؟
0 تعليق