عن تداعيات تعديل قانون الأحوال الشخصية في العراق - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
عن تداعيات تعديل قانون الأحوال الشخصية في العراق - تكنو بلس, اليوم الثلاثاء 8 أبريل 2025 08:42 مساءً


التعديلات التي أقرَّها مجلس النواب العراقي على قانون الأحوال الشخصية الرقم 188/1959، اتخذت أبعاداً غير عادية، وبدَت كأنها تنزيل موعود، أو بناء لطلب، إضافة الى كونها من خارج اهتمامات الزمن العراقي الراهن، المُثقل بالهموم والمشكلات المتنوعة. واستعجال إقرارها كأنه استباق لتغييرات قد تحصل، ليست في مصلحة المُتربعين اليوم على عرش النفوذ في بغداد، حيث التمثيل النيابي مُنتقص، بعد تقديم 73 نائباً استقالاتهم من البرلمان المؤلف من 329 عضواً منذ أيار (مايو) 2022.
التعديلات التي أصبحت قيد التنفيذ في 17 شباط (فبراير) الماضي، أخرجت الحِراك النسائي المُعارض عن سياقه الطبيعي، وأضفت عليه طابعاً جندرياً، لم تتمكن من إخفائه المُبررات الدينية التي ركن اليها المُتحمسون للقانون الجديد. وقد واكب مجلس حقوق الانسان والهيئات الدولية ذات الصلة الحراك النسائي العراقي، باعتبار  ما حصل انتهاكاً للعهود الدولية التي تتحدث عن الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية لعام 1966، والعراق عضو فيها، كما أنها انتهاك للإعلان العالمي لحقوق الانسان، وتخالف معاهدة "سيداو" الدولية التي تمنع كل أشكال التمييز ضد المرأة لعام 1979، كما تتعارض مع العهد العالمي لحقوق الطفل المُبرم عام 1989 وتعديلاته.

ما هي أهم التعديلات الجديدة على القانون القديم؟
ألغت النصوص الجديدة حق توقيع عقد زواج اختياري لكل مَن بلغ سن 18 من العراقيين – وهذا ينطبق على الرجال والنساء – واستثنائياً لمن بلغ 15 سنة عند الضرورة القصوى، وبناءً على حكم قضائي (كما كان ينص القانون القديم) واستبدلتها؛ بإجازة الزواج بين المرأة والرجل وفق الشريعة الإسلامية، وأمام رجال الدين، من دون تحديد السنّ للفريقين، وهذا يعني السماح بزواج القاصرات ابتداءً من عمر 9 سنوات، او "اغتصاب الأطفال" وفقاً لتوصيف الهيئات الدولية ذات الصلة، لأن الإعلان العالمي لحقوق الانسان، والاتفاقية الدولية لعام 1989؛ تعتبر طفلاً "كُل من لم يبلغ 18 عاماً" في حالة تزويج القاصرات؛ يبقى القرار بعقد القران لولي أمر الزوجة القاصرة، لأن القانون لا يعطي شخصية مدنية كاملة لمن لم يبلغ 18 عاماً من الذكور والإناث.
وتتخوَّف الهيئات النسائية من استغلال كثير من الآباء، او الأوصياء على أبناء المتوفين، هذه الوضعية لعقد صفقات غير عادلة مع متمكنيّن مالياً، او مع مَن يرفع قيمة المَهر، للحصول على زوجة قاصرة، من دون أن يكون للزوجة إرادة أو رأي في ذلك. وهو بمثابة تحريف للدين الحنيف، واستغلال لبعض الألفاظ على غير مقاصدها، وعادةً ما كانت تحصل مثل هذه الوضعيات في المجتمعات البدائية.

اما التشويه الأخطر الذي أدخل على القانون الجديد – وفقاً لما تراه المنظمات النسائية العراقية – فهو فرض إشهار المذهب الذي يختاره الزوجان كمرجع عند توقيع عقد الزواج، والخيار محصور أمام المسلمين بين المذهب الشيعي او المذهب السني وفق ما جاء في التعديل. أما عقود الزواج القديمة؛ فيمكن للمعنيين بها إعادة تأكيد هذه الوضعية المستحدثة، أو تطبيق الاحكام السابقة في حالات الطلاق والإرث، ويمكن لهؤلاء الاستفادة من التعديل الذي جرى على حق تعدُّد الزوجات، بحيث أصبحت الصلاحية لرجال الدين في إجازة ذلك، بينما القانون السابق كان يفرض الحصول على موافقة المحكمة المدنية على الزواج الثاني أو الثالث، والموافقة مرهونة بإثبات الأهلية الصحية وبتوافر الإمكانات المالية لطالب الزواج، وهي يجب أن تكون كافية لتغطية المصاريف الإضافية.

الحركات النسائية العراقية الناشطة  تعتبر ما حصل بمثابة الصفقة بين متنفذين في الوسط السياسي والنيابي، وبين رجال دين لديهم رؤى طموحة، وهناك تأثيرات خارجية ساعدت في إقرار القانون الجديد، لأن بعض مندرجاته غريبة عن التقاليد العراقية المتعارف عليها منذ عشرات السنين. لأن المجتمع العراقي – ومنه المُتديِّن – لم يعرف سابقاً مثل هذا التشدُّد، ولم يسمع بما يُطلق عليه "زواج المتعة" الا بعد تنامي النفوذ الإيراني في البلاد.
النساء العراقيات متخوفات الى حدودٍ بعيدة من تطبيق القانون الجديد الذي يعطي صلاحيات واسعة لرجال الدين، لأن غالبية رجال الدين لديهم مصالح شخصية تؤثر على أحكامهم، والاجتهادات ذات الصلة ليس لها ضابط واضح. وفي هذه الحالة؛ تُحرم النساء المطلقات من منزل الزوجية، ومن النفقة لإطفالهن الذين يخضعون لحضانتهن لمدة سنتين فقط، مهما كانت أعمارهم. والمذهب الجعفري لا يسمح للمطلقة بحضانة أولادها إطلاقاً، إذا ما تزوجت مرَّة أخرى.

في حسابات التطور والعصرنة وزمن حقوق الانسان؛ لا يمكن الدفاع عن التعديلات التي حصلت على قانون الأحوال الشخصية في العراق، وهو خطوة الى الوراء، ومنهم من ذهب الى حدّ اعتباره مذبحة أخلاقية بحق النساء والأطفال، قياساً بقوانين أخرى في دول تعتمد الإسلام مصدراً للتشريع – كتونس على سبيل المثال. بينما العراقيات؛ راقيات، ويستحققن الأفضل بطبيعة الحال.

 
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق